لا أدري كيف يمكن لحكومة عاقلة راشدة تريد أن تحل مشاكل مواطنيها و ترفع عنهم المعاناة أن تتدخل في عقود مدنية أطرفاها أفراد مدنيين و ربما يتساءل البعض و أنا منهم هل يمكن ان تتدخل الحكومات في عقد مدني مثل عقد الزواج لتحدد مدته او قيمة المهر أو هل يمكن أن تتدخل في عقود الشركات و تحدد أقل مدة للشراكة أو أطول مدة و الإجابة أكيد أن هذا لم يحدث في العقود المدنية فلماذا يحدث في عقود مثل عقود الإيجار و أتساءل هل هذا تدخل دستوري و قانوني و شرعي و قد ألقيت عهذا السؤال على أحد دكاترة القانون فقال إن الحكومة بقوانينها الإستثنائية تدمر الإقتصاد و تنشأ أمراض إجتماعية عن طريق هذه القوانين الإستثنائية و من ضمنها قوانين العمل التي صنعت البطالة المقنعة و الإهمال الشديد الذي نراه الآن و عن القانون الإستثنائي المسمى بقانون الإيجار القديم قال هذا القانون ليس شرعيا ولا دستوريا ولا قانونيا أن تلغي الحكومة العقد بين الأطراف و تحل بدلا منه قانون إستثنائي أدى إلى مشاكل مادية و اجتماعية و اقتصادية ضخمة و ربما تتمثل لي كل تلك المشاكل في كلمة واحدة ((العشوائيات)). إن ما فعلته الحكومة من سن مثل هذا القانون أدى إلى نتيجة شديدة السوء إذ صنعت فريقين متخاصمين و طائفتين في خصام و مشاكل دائمين و تزيد الخصومة يوما بعد يوم بأسباب لعل من أبرزها: أولا القانون يحمي و يكون في صف طرف واحد دون الطرف الآخر ثانيا طول أمد لإصدار حكم في قضايا الخصومة بين الأطراف التي عادة ما يرفعها فئة الملاك وتستند في النهاية في حيثيات أحكامها إلى قانون لا يعرف الرأفة بالطرف المالك وهذا في الغالب و الأعم، فيزيد بذلك الإحتقان والغل و يؤدي إلى التلاعب بالقوانين من قبل الطرفين و ظهور الرشى ((الرشاوي)) و الفساد الإداري . و الغريب أنه حتى بعد ثورة 25 يناير التي نادت بالعدالة الإجتماعية من يومها الأول يريد وزير الإسكان الحالي المهندس فتحي البرادعي أن نرجع للوراء مسافة خمس أو ست عقود إذ أفصح أنه سيحدد مدة الإيجار الجديد أيضا في تدخل سافر للعلاقة بين المالك و المستأجر و هذا القانون الذي يحلم به الوزير البرادعي و القانون الذي سن في عهد جمال عبد الناصر و تدخلت فيه الحكومة بقوانين استثنائية أخرى أشبهها بالترقيع المركب لقانون غير دستوري بالمرة كل تلك القوانين ستسبب الإقبال على بيع الوحدات و ليست تأجيرها أو بمعنى أصح ترويج أكبر لسوق التمليك في مصر الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة العشوائيات و الإبادة الحتمية لمحدودي الدخل وصراعات لا حصر لها بين ملاك العقارات الذين مازالوا يؤجرون الوحدات التي يملكونها. لقد حققت الثورة أسمى أهدافها الذي يتمثل في شعور المصريين بالإنتماء و قد جددت الإنتماء و الوحدة الوطنية في صفوف الشعب فكان نسيجا واحدا لم نراه من قبل مثلما ظهر وبرز على مدى ثمانية عشر يوما في أروع صوره و بهاءه ولكن تأتي هذه القوانين الإستثنائية التي تتسم بالغباء الإجتماعي أو انعدام الرؤية المستقبلية للدولة ليمزق وحدة الصف و يجعل الشعب بين افراده من يحقد ويغل و يعطي الفرصة لأصحاب النفوس الضعيفة لإستغلال موقف القانون منهم ... نعم ولا أبالغ هناك طائفة ليست بالهينة تملكت وحدات وهي لا تنتفع بتلك الوحدات المؤجرة بالقانون المسمى بالقديم لتساوم المالك على مبلغ مالي يصل أحيانا إلى نصف ثمن الوحدة في وقتها الحالي و هذا نوع من الإستغلال الذي ربما في قانون آخر يعاقب عليه إنما في قانون مثل هذا لا نجد عقوبة رادعة فمن حق المستأجر أن يتملك و يستأجر أكثر من وحدة و ليس للمالك حق في أن يطالبه بترك الوحدة فالقانون هنا يشجع على جريمة قانونية تمس الإقتصاد و في نفس الوقت لا رادع ولا عقوبة سريعة كما أسلفت. الوضع الإقتصادي إذا رأيناه من خلال النقطة السابقة ماذا سيكون حاله؟؟ ...فالوحدات المغلقة ولا ينتفع بها الطرفين المالك و المستأجر بلا شك تعطل الإقتصاد المصري غير انها تضر بإقتصاد الفرد المالك الذي يعول أسرة واحدة او ربما أكثر و الذي ربما أبناءه الآن لكل منهم أسرته . هذا القانون مخالف للشرع الإسلامي الذي هو ((المصدر الرئيسي للتشريع)) أو ((مصدر رئيس من مصادر التشريع)) أو كما نصت على ذلك الدساتير التي عُمل بها أثناء سن هذا القانون و التي تنص صراحة ((يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)) الآية 1 من سورة المائدة. و بما أن المتحدث الآن هو إنسان مصري ربما يكون قد تضرر لفترة بالتأكيد غير قصيرة من وجود قانون مثل هذا إلا أني مصري في البداية مواطن يريد أن يكون الشعب نسيجا واحدا مهما اختلفت طوائفه لذلك أقول أني لن أجعل المستأجر خصما لي مهما حدث .. إن خصمي الحقيقي هي أي حكومة أو وزارة تسمح لنفسها أن توقع البغضاء بين أفراد الشعب والنسيج الواحد والذي قال عليه صلى الله عليه وسلم أنهم في رباط إلى يوم الدين . إن ما حدث من الحكومات السابقة بالضبط أنها جعلت المستأجر كطعم يجري وراءه المالك بمشاكله إن تلك الحكومات السابقة أجادت في صناعة الفرقاء والطوائف للإيقاع بين أفراد الشعب سواء عن قصد أو بدون قصد لكنني أرى أنها كانت عن قصد وعمد بين في عصر المخلوع مبارك و من يرى القوانين التي ألغيت و استبدلت لتجعل الشعب خصما لنفسه كنوع من إزاحة المعارضة التي تقف عائقا في طريق الحكومة. و لذلك أقول لفئة المستأجرين أنتم أول الناس نتمنى منكم المطالبة بإلغاء هذا القانون ليس المالك فقط هو الذي له حق في ذلك لأنه ربما يكون طلبه له صفة اقتصادية شخصية لكن أنتم مطالبتكم ستكون لها وجه أسمى لأنكم بذلك تحافظون على النسيج الواحد على الوحدة الوطنية إن مالا يخفى على أحد أن المالك ربما يكون مستأجر قديم لوحدة ما يملكها آخر و هذا غير مستبعد و ربما يكون مشاهد بكثرة وذلك يدل على أن المالك و المستأجر في صف واحد وصنف واحد . و في النهاية أقول إن هذا القانون أضاع وقت كثير من الشباب أمام المحاكم ومع المنازعات والخصومات و فرق بين أبناء الوطن الواحد و فتح بابا للغل و الحقد في أسوأ منظومة اجتماعية سببها قانون مثله و أهدرت طاقات وأموال و اكتظت المحاكم بالمشاكل التي لا حصر لها فإلى متى يبقى هذا القانون ليزيد المصريين فرقة و نزاعا.