ذكرت في الجزء الأول من المقال وجوب صدور قانون يحدد نوع المشروع المزمع إنشاؤه و الهدف منه ووضع القواعد المنظمة للعمل فيه ، وقواعد التعامل مع الأجانب العاملين في المشروع ، سواء أكانوا شخصيات حقيقية أو اعتبارية (شركات) قبل الشروع في تنفيذه ، و ذكرت الفارق الجوهري بين تملك المصريين لأسهم أو شهادات فيه وأن السهم يحمل في طياته قيم وطنية تجعل كل مواطن مسئول مسؤولية وطنية عن إنجاح مشروعهم القومي عكس الشهادات التي لا تحمل إلا قيمة استثمارية ظاهرها الوطنية و باطنها العائد الكبير الذي لم يستطيع أي بنك تقديمه في ظل ضغوط من البنك المركزي لتخفيض عوائد البنوك لتحريك عجلة الإنتاج كما تفترض قواعد الاقتصاد الحر . إلا أن المتعمق في بواطن الأمور المصرفية يعلم يقينا أن الأمور ليست كما بدت إعلاميا ، و لنصل إلى فهم كامل لمعطيات الأمور، سأحاول أن أستعرض كل التصاريح و الإفادات التي خرجت علينا من مسئولين أو من مصادر رفيعة المستوى كما يحلو للصحف أن تسميهم ، و ربط تلك المعطيات بعضها ببعض ثم عرض استقراء للنتائج و الآثار المترتبة عليها. 1- أولى تلك التصاريح هي التي أكدت أنه طبقا للبروتوكول الموقَّع بين هيئة قناة السويس والبنك المركزي ووزير المالية والبنوك الأربعة المصدرة سيتم (( تمويل العائد في السنة الأولى من إيرادات قناة السويس البالغة نحو 5.3 مليار دولار سنويا ))، أما عائد السنوات الأربع التالية للعام الأول فسيتم تمويلها من إيرادات القناة الجديدة بعد مرور عام على إنشائها كما هو مأمول في المخطط. 2- 90% من حصيلة شهادات القناة، جاءت من الودائع في القطاع المصرفي، حسب ما صرح مصدر مسئول ، مشيرا إلى نحو 10% من حصيلة الشهادات جاءت من أموال جديدة، مما وصف ب«تحويشة العمر» لعملاء انضموا حديثا إلى القطاع المصرفي من خلال فتح حسابات جديدة. 3- سيتم تجنيب جزء من الإيرادات في البنك المركزي على مدار 5 سنوات لسداد قيمة الشهادات بعد انقضاء أجلها ، كما أفاد هانى قدرى وزير المالية، حيث ذكر أنه من المقرر تجنيب 3- 4 مليارات جنيه سنويا من إيرادات هيئة قناة السويس التي تؤول للموازنة العامة كفوائض مالية ولمدة 5 سنوات، لسداد جزء من عبء الفوائد على شهادات استثمار تمويل مشروع قناة السويس التي تسدد كل 3 أشهر 4- شهادات الاستثمار في قناة السويس الجديدة ستحقق أعلى عائد في السوق المصرفي، وعوائدها ستسدد في مواعيدها بعد شرائها مباشرة بثلاث شهور كما كشف رامز في تصريحات تلفزيونية له . و بقراءة أخرى لهذه التصريحات ، نستطيع إعادة صياغتها مرة أخرى على نحو أكثر واقعية : 1- زيادة الدين العام على الحكومة بواقع 60 مليار تقريبا مضافا إليه قيمة فوائد الدين و هي نسبة العائد على الشهادة بواقع 12% سنويا 2- لا يوجد ما يمول فوائد الدين في الوقت الحالي غير الإيراد الفعلي لقناة السويس الأصلية لمدة عام ( كما يأمل المسئولون ) . 3- تبلغ قيمة إيرادات قناة السويس سنويا حوالي 37 مليار جنيه تقريبا ، سيستقطع منها 7.2 مليار جنيه عوائد الشهادات بالإضافة إلى تجنيب حوالي 12 مليارات جنيه سنوية لرد قيمة أصل الشهادة بعد انتهاء مدتها ، ليصبح إجمالي المستقطع حوالي 19 مليار من إيرادات قناة السويس أول سنة ثم 4 مليار باقي السنوات التالية ، على الرغم أن المعلن كان تجنيب 12 مليار قبل أن ينفي وزير المالية ما أعلنه قبل ذلك ، و يؤكد على أن قيمة التجنيب ستكون ما بين 3 – 4 مليار جنيه سنويا . 4- النقود التي مولت بها الشهادات سحب معظمها من مدخرات مصرفية كانت على هيئة أوعية ادخارية و استثمارية في البنوك ، و 10% من مصادر جديدة . 5- الحكومة تقترض من البنوك بفائدة تصل إلى 15%، مما يجعل من حصيلة شهادات استثمار قناة السويس غطاء مالي مناسب لتغطية نفقاتها ، كما حذر وزير الاستثمار "أشرف سالمان" إذا ..... نحن أمام تعاظم للدين الداخلي سببه نقص السيولة في أوعية ادخارية بنكية كانت تستخدم في مشاريع قائمة بالفعل تدر أرباحا ، لتتسبب في نقص في السيولة لدى البنوك ، و بالتالي احتمالية لتوقف تلك المشاريع و خروجها عن دائرة مشاريع داعمة للاقتصاد ، فيتسبب إخراجها عن العمل بطالة يعقبها كساد و زيادة أكثر في عجز الميزانية يعقبها دائرة أخرى من زيادات متتالية في معدلات البطالة و الكساد ، تجبر الدولة على تخفيض نفقاتها الحكومية و بالتالي إلغاء أكثر لدعم السلع و الخدمات و المنتجات البترولية يعقبها ارتفاع آخر في الأسعار ..... لندخل في دائرة لن تنتهي من زيادة في عجز الموازنة و تضخم في الأسعار وزيادة معدلات الكساد و البطالة و الجريمة. و كان من الأفضل للحكومة لتخفيف آثار الدين ، أن تصدر شهادات بمعدل كل 6 شهور بقيمة 10 مليار جنيه ، لتخفض فوائد الدين على قدر المستطاع ، و ليتم صرف ما هو في الاحتياج فقط بما يضمن الترشيد في الإنفاق . ناهيك عن فتح الباب أمام غسيل الأموال و توريط الدولة في إصدار شهادات قناة السويس الجديدة دون السؤال عن مصدر تلك الأموال لمشتريها ، كما ادعى المحامي جمال صلاح في الدعوى رقم 83859 لسنة 68 قضائية و المقامة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ، حيث أن هناك قانونا ولائحة تنفيذية تمنع قبول أي مبالغ مالية تتجاوز 30 ألف جنية دون الإفصاح عن مصدرها ولا مبالغ مالية أجنية أكثر من 10 آلاف دولار أمريكي دون ذكر مصدرها . مما يستدعي للأذهان أول نقطة ذكرتها في الجزء الأول من المقال و المتعلقة بضرورة إصدار قانون منظم لبيان أوجه التناقض بينه و بين قوانين الدولة ، و الدولة تعول على الإيرادات ( المفترضة ) نتيجة زيادة القدرة الاستيعابية للقناة ، مع أن معدلات مرور السفن ليست مرتبط فقط بالقدرة الاستيعابية بل ترتبط أيضاً بحركة التجارة العالمية، و التي لن تزيد في أفضل الأحوال عن 5% ، مع العلم بأن قوافل الشمال المحملة بالغاز و البترول لا تقف أبدا في القناة لاعتبارات أمنية ،و هي التي تأتي حصيلة قناة السويس منها ، عكس قوافل الجنوب الفارغة أو المحملة بسلع عادية و التي تقف منتظرة مرور قوافل الشمال في تفريعتين الأولى تسمى ب تفريعه البحيرات المره و الثانية بتفريعه البلاح قرب الإسماعيلية ، و غني عن البيان أننا لم نكن بحاجة إلى تفريعة ثالثة لسفن ذات قيمة رسوم منخفضة و أن حفر التفريعة لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على زيادة أعداد سفن قوافل الشمال . كما أن سرعة البدء في المشروع بدون دراسات مستفيضة ، دفع الهيئة للاستعانة بشركات أجنبية متخصصة بطاقم عملها ومعداتها لإنجاز المشروع في الموعد المحدد ب12 شهرا منذ بدء انطلاق المشروع ، مما كبد الهيئة تكاليف إضافية قدرت ب 2.1 مليار دولار، منها 550 مليون دولار لأعمال الحفر الجاف، و 1.2 مليار دولار لأعمال التكسيات وأحواض الترسيب والمرافق والمعديات والمساعدات الملاحية ، بعد أن أضحى الحفر على الناشف حفرا رطبا !