إذا كان كثيرون يتساءلُون .. إلى أي مدى أفلحنا في نقل الصورةِ العظيمة لنبيّنا صلى الله عليه وسلم إلى العالم كعامل أساسي في تجنيبه الكثير من هذه الإساءات ؟ فإنه لمن الصحيح أننا مقصرون جدا في هذا الاتجاه ، لكن ذلك ليس هو " بيت قصيد المناسبة " بمعنى أنه لابد من حسن التوقيت ، وحرف الضوء عن مشكلة الحال أشبه بتحريف الكلم عن مواضعه، لغرض في نفس من يملك ناصية التحريف والأشد من ذلك تحريفا قيام طائفة منا في الوقت الحالي بطرح شعار الحوار مع المسئولين عن نشر هذه الصور ففي الوقت الذي بدأ العالم الأوربي دعيّ الحضارة والعصرنة والحداثة يشعر بانكشاف أكاذيبه عن حرية " التعبير " ، وإفك العلمانية ، و بهتان التخلص من العصبية العرقية والدينية.. ، وفي الوقت الذي بدأ العالم الأوربي الغارق في مستنقع الكراهية للإسلام يتساءل مستغربا مندهشا عن قيمة الرسول عند المسلمين ، وكونها حقيقة الحقائق ، وبؤرة العقيدة ، ومدخل المداخل لكل حركة إسلامية صغرت أو كبرت وفي الوقت الذي أخذ فيه شيخ الأزهر يصحح بعض مواقفه من حديث عن الأموات العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم وفي الوقت الذي يرفض فيه فضيلة المفتي الاكتفاء بالاعتذار داعيا لاستثمار غضبة الأمة الإسلامية لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت وقبل أن تؤتي الاحتجاجات والمظاهرات والمطالبات والمقاطعات أكلها وإنها لدانية القطوف ، بدليل صراخ الدانمرك من آثارها المبكرة .. في هذا الوقت بالذات أخذ يدعو بعض المتبرعين بالدعوة في بلادنا الإسلامية .. إلى الانتقال إلى ما يسمى الحوار– وهم بوجه عام مشكورون في قيامهم بواجب الدعوة الأساسية إلى الإسلام بالرغم من كونهم علامة مؤلمة على الفراغ الهائل الخطير الحادث في ميادين الدعوة نتيجة تراجع المؤسسة التاريخية المسئولة " الأزهر " – وأتوا هم ليملئوه بشروط شرطوا بعضها وشرط لهم آخرون بعضها الآخر – ويبدو أنهم وقد أحسوا بتضخم موقعهم أخذوا يتجاهلون بعض الخطوط الحمراء التي وضعوها لأنفسهم أو وضعها لهم غيرهم : خط الفتوى وهم يكادون أن يخترقوه ، وخطا ثانيا ينبغي عليهم أن يحرصوا عليه بتثبيت ثقة جماهيرهم بهم وما أحسبها إلا أنها في مهب الريح بتغليبهم وصية نسبت إلى المسيح فيمن ضربك على خدك الأيمن ، وخفض الجناح لمن رفعوا علينا السلاح ... ، وخطا ثالثا تحسسته الدولة من ورائهم مخافة أن يصبحوا قادرين على تحريك الجماهير سياسيا ، وقد ألزمتهم به الدولة بوسائلها ، وخطا رابعا :أن يصبحوا قادرين على تحريك الجماهير في سياسة الدعوة - إن صح هذا التعبير - وهو ما يتصدون اليوم لاقتحامه في قضية الاحتجاج على جريمة الغرب في نشر الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام ، وذلك بأن يحركوا الجماهير – بغير شرعية لهم كافية أو حرفية مكافئة ، وقبل أن يحل لذلك الوقت المناسب – من صف الاحتجاج والمقاطعة والمظاهرة إلى صف الحوار والمفاوضة والدبلوماسية الناعمة ، مبادرة إلى الحوار محكومة بالفشل سلفا ، كما سقطت أخت لها من قبل في السياسة في أوسلو الدانمركية أيضا ، ولما كان الأستاذ عمرو خالد قد أعلن في مبادرته ضرورة الكف عن المقاطعة لأنها بمثابة آلة تنبيه لا يصح أن يستمر الضغط عليها بعد أن أدت دورها .. - الأخبار المنشورة صباح يوم الأحد 19 22006 - فإننا في دهشتنا نقول : سبحان الله ... هكذا .. دون أن يخبرنا الأستاذ الفاضل عمرو خالد عن شيء مما أدته المقاطعة حتى الآن مما أراده المسلمون من ورائها بالنسبة لمقام الرسول الكريم بينما لا تزال قبائل الرجل الأبيض في الغرب المصطف وراء قبيلة الدانمرك ترفض الاعتذار ، وتدّعي ما تدعي ، وتصعد الإساءات ، وتهدد وتتوعد .. وإذا كان لابد من الاعتراف بأن المقاطعة لم تؤد بعد ما أراده أصحابها من ورائها فما دور الدعوة إلى الحوار في هذا الوقت المبكر من الاحتجاج ؟ وما أثرها في هذه الاحتجاجات التي مازالت محتدمة غير كونها بمثابة إلقاء دلاء الماء لتحقيق هدف المعتدين بإطفاء نار الغضب وعندئذ يستمر الحوار الذي بدأ منذ صدر الإسلام وإلى ما لانهاية ؟ وإذا كانت المقاطعة سوف تستمر جدلا – بصرف النظر عن تشبيهها بآلة التنبيه سالفة الذكر – إلى أن يثمر الحوار ثمرته فهل يعني هذا أن المقاطعة سوف تستمر باستمرار الحوار إلى ما لانهاية أيضا ؟ فانظر إلى ما أدت إليه دعوة الحوار غير أنها زادت الطين بلة ؟ في حين أن دعاتها زعموا أنهم يسعون إلى المعايشة وتجنب الكراهية وتخفيف التوتر ضد الشعب الدانمركي " المحايد " ؟ فأي حياد لشعب رفض في استفتاء بأغلبية ملحوظة أن يقدم رئيس وزرائه اعتذارا ، أي حياد لشعب يختار حكامه ولا يُفرضون عليه ؟ . يتساءل دعاة الحوار الآن قائلين : إلى متى المقاطعة ثم يعايرون أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم لا ينتجون طعامهم ، سبحان الله : فهل هي " تقنية " إعلامية في نقل الأضواء ؟ وهل هذه هي المناسبة للمعايرة ؟ وأليست المقاطعة مما يخدم الإنتاج المطلوب ؟ وأليس الأجدى بهذا القدر الهائل من هذه المعايرة وهذا التبكيت أن تقص من التعليق على الجماهير الغاضبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتلصق ببرامج العهر والفحش و جماهير اللهو واللعب ؟ يتساءلون إلى متى المظاهرات والمقاطعات ونحن بعد في البسملة منها ، وكأنهم يستكثرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستمر المظاهرات من أجله وأن يستمر تداولها بين أتباعه ومحبيه في أنحاء بلاده المنتشرة في أنحاء الأرض ؟ لشهور بدلا من أيام ؟ هذه بلاده التي انفتحت له بفضل الله وتكريمه إياه ، وأولئك هم جمهوره .. فما بال المتطفلين ؟ ألا يدري هؤلاء أن هذه المظاهرات وبخاصة المليونية منها في تركيا وباكستان من شأنها أن تمثل في وجدان الآخر اليوم جدارا هائلا أصبحوا في رعب من أن يمسوه ؟ يتساءلون : إلى متى المقاطعة ونحن نسألهم إلى متى الحوار ؟ يتساءلون : وما أهمية الاعتذار ، ونحن نسائلهم بدورنا وما فائدة الحوار ؟ يدعون إلى الحوار وكأنهم يعيدون اختراع العجلة ؟ يدعون إلى الحوار وينسون أنه في عالمنا المعاصر هو كالمفاوضة في حاجته إلى توازن القوى ؟ يا للسذاجة ؟ وكأن الحوار نزهة علاقات عامة ، وكأن الحوار نسخة عصرية من تبويس اللحى والخدود ، وكأن الحوار علاقات شباب يتعارفون أو يتحابون أو يتواصلون ، وكفى الله المؤمنين شر القتال ، وكأن الحوار عبّارة مدعوة للغرق لاقتناص التأمين وهي تغوص في قاع الجهل بعيدا عن التخصص والمنهجية والتبحر في مجموعة مركبة من العلوم ، وكأن الحوار رحلة سياحية ، وكأن الحوار سيبدأ اليوم ، وكأن الحوار لم يملأ صفحات المصحف ثم تواصل دون توقف في صورته العصرية في المراكز الإسلامية التي أنشأتها البلاد الإسلامية ومنها مصر في لندن ونيويورك وواشنطن وباريس وعشرات منها في مختلف البلاد ، وعشرات من أفذاذ القائمين عليها من أمثال : محمود حب الله ، ومحمد البهي ، وعلي حسن عبد القادر ، وعبد الحليم محمود ، محمد عبد الرحمن بيصار ، وبدوي عبد اللطيف ، وسليمان دنيا ، ...وغيرهم كثير من خارج الأزهر كان منهم ابو الأعلى المودودي الذي نقدم محاولته الواعية في مقال خاص ؟ وكأن الحوار الموضوعي لم يكن نابعا من تاريخ الفكر الإسلامي الطويل الذي مارسه المسلمون بأسلوب موضوعي علمي وبحرية كاملة ... وأنتج من ثم تراثا عقليا جدليا على المستوى الأعلى في مراجعه وكتبه في التراث - في كتب الملل والنحل والتوحيد والتفسير والحديث والفقه ،والتاريخ وكانت قدوتهم في ذلك كله القرآن الكريم والحديث الشريف ، نشير إليه دون أن نعرض طرفا - من عناوينه كيلا يراه البعض مملا ، هذا الحوار العلمي الحقيقي بما له من تاريخ طويل عريق رصين جاد في تراثنا الإسلامي الحافل بمصادره في المكتبة الإسلامية - على يد كبار الأئمة والأعلام من مثل الأئمة الأشعري والماتريدي والباقلاني والجويني ، وأبي حامد الغزالي ، والطبري ، والقرطبي ، وأبي الحسن العامري وا بن عربي، وابن حزم وابن تيمية ، ، وابن قيم الجوزية ،، والشهرستاني، ، والتفتازاني ، والنسفي ، والإيجي إلخ .. ، وفي المحدثين : رحمة الله الهندي وأبو زهرة وعلي عبد الواحد وافي والمهندس أحمد عبد الوهاب والعلامة أحمد ديدات وأبو الأعلى المودودي والشيخ المراغي والعلامة الدجوي وبعض اساتذة تخصص العقيدة بالأزهر . . وكأن هذا الحوار لا يلزمه الاطلاع إن لم يكن التبحر في كتب التاريخ العام والخاص وفي كثير من كتب الفلسفة ، وفي مكتبة الطرف الآخر ، وفي كتب التراث في مقارنة الأديان ومؤلفات الأوربيين الذين دخلوا في الإسلام حديثا أين وفد الحوار الذي يكونه الأستاذ عمرو خالد – بصرف النظر عن شرعيته ومدى كفايتها أو عن منهجيته ومدى كفاءتها - من هذا كله ؟ أما السؤال السابق عن التوقيت فلا يزال مطروحا. أما عن الجدوى من وراء هذا الحوار فلهذا حديث طويل يتبين منه أنه إنما يقع داخل أسوار من صنع تحالف عالمي سداسي الأضلاع يتكون من :المخابرات الغربية ، والتحالف الصهيومسيحي ، والتبشير ، والاستشراق ، والإعلام ، وأذنابهم من العلمانيين المحليين إنه لمن المؤسف أن نجد من لا يزال في صفوفنا من بيننا من يبتلع الطعم – طعم ما يدعى بالحوار الديني المستورد في سياقه التبشيري .. ما زلنا نجد من لا يزال مستغرقا في حالات جلد الذات ، ذات مجموع المسلمين من أجل تبرئة الجلاد ، فينسب الصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب وما أدت إليه من تجذير عداوته للإسلام .. ينسبها إلي سوء العرض منا بدلا من سوء القصد منهم ؟ داعيا إلى هذه المؤتمرات الاحتفالية للحوار التي سبق أن خطط لها الغرب لأغراض مخابراتية سياسية صهيونية تبشيرية استشراقية ، ولأغراض أخرى في نفس يعقوب ، لكي يشارك فيها بعض المسلمين ، إمعانا لا في جلد الذات فحسب ولكن في تجميل صورة المتبوع مما يعود بالتجميل علي الطرفين : طرف التابع وطرف المتبوع ؟ وإذا كانت التصريحات التي تخرج اليوم عن الدعوة لهذا الحوار الديني ترغب غالبا في طمأنة المتشككين فيه بأنه لن يتناول مسائل العقيدة ففي أي مسائل الدين يكون الحوار إذن ؟ أم يكون في العبادات وما أحسبها إلا ملحقة بالممنوع من العقيدة ؟ أم يكون في الأخلاق وهي مسلمات لدى الطرفين ؟ أم يكون في السياسة وهي محرمات لدى الطرفين أو أحدهما رسميا ما لم يكن بسند سلطوي ؟ أم يكون في استراتيجيات العولمة وهي مملوكة حصرا بيد من نظن أننا بسذاجتنا سوف نغيرها عن طريق الحوار ، بوفد تم تكوينه ممن بادر إلى التبرع له ؟ أم يكون في استراتيجية تم الاتفاق عليها بين أطراف الكنيسة والاستشراق والعلمانية و والإعلام الغربي ؟ أم يكون في المناسبات والتقريظ والمجاملات الاجتماعية فما حاجتها إذن إلى الحوار ؟أم ليكون من أجل طمأنة الفاتيكان على مستقبل تحركاته وأقلياته في العالم الإسلامي ؟ ألا يعني هذا أن فكرة الحوار التي كانت قد بدأت ولها بالنسبة إلينا موضوع قد انتهت إلى غير موضوع ، وما بقي منها غير لقاءات " بوس اللحى " ؟ فهل دارت دائرتها المفرغة إلى نقطة البداية ، أم إلى نقطة الصفر ؟ أيها المبتلعون طُعم الحوار في صفوفنا : مكانكم ، فليست القضية اليوم قضية الحوار ، لأنه ليست القضية أنكم أنتم المسلمون .. المسئولين عن عداء الغرب لنا ، حيث تسيئون عرض الإسلام ... مع أنكم تفعلون {!} ، ليست هذه هي القضية ، إنها على العكس من ذلك ، إنهم في الغرب يتجاوزون سوء العرض هذا ، ويفهمون عرضيته أوجانبيته أوهامشيته ، ويذهبون إلي عمق علاقتهم بالحضارة الإسلامية ؛ باعتبارها الخطر الموضوعي علي حضارتهم . والله أعلم yehia_hashem@ hotmail .com