قد يظن بعض الناس أن تأمين المسئول إنما يكون في تخصيص الحراسات الكافية عليه , ولكننا شاهدنا في حياتنا العملية أنه لا تنفع الحراسات في رد قدر الله إن جاء , إذ تصبح الحراسات مجرد ضحايا ترقد إلى جوار المسئول !! إن النفس البشرية لمعظم المسئولين تهوى الانطلاق بلا رقيب ولا محاسب , فهي تكره كل من يتابعها بسؤال أو استيضاح ولو كان بريئاً لكونها تأخذه على محمل العداوة والخصومة والتربص إلا من رحم ربي , ولذلك كانت فكرة المساءلة والمتابعة من صميم الإدارة الناجحة , فانظر معي أيها القارئ الكريم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ سأل بعض الصحابة ذات يوم فقال لهم : أترون أني اخترت للمهمة الكفء الأمين أأكون قد أديت ؟! قالوا نعم , قال عمر : لا حتى أرى ماذا يصنع , فصار كل مسئول في عهد عمر على استعداد للمساءلة والمحاسبة أثناء فترة ولايته , ولكننا اليوم في عصر لا نكاد نرى فيه مسئولاً كبيراً يقدم للمحاكمة وهو لا يزال في وظيفته , بل إن هناك من المسئولين من يُمنح الحصانة بعضوية المجالس النيابية بعد الإحالة للتقاعد !! وهذا يعد تواطؤاً على حماية المخالف للقانون والدستور , والعجيب أن الدساتير المصرية تفرد فصلاً حول محاكمة المسئولين (الرؤساء – الوزراء) ولكن تبقى هذه المواد حبيسة صفحات الدستور لكونها لم تقنن في القالب القانوني الذي يصلح لمباشرة سلطة التحقيق لدورها . إننا يا سادة إذا أردنا أن نحمي مسئولينا من أنفسهم , ومن التعدي على حقوق الوطن والمواطن علينا أن نبادر إلى سن هذه القوانين التي يشعر أمامها المسئول برهبة المساءلة إن هو أخل بواجباته , أما إذا ظل المسئول لا يشعر بأن هناك من سيحاسبه , فإنه ربما جمحت طباعه البشرية نحو الشر والفساد مما يضر بالمجتمع كله . إن وجود قانون مفعّل لمحاسبة المسئولين هو في الحقيقة حماية لهم وتأمين , إذ أن المواطن حين يشعر بالظلم سيتجه إلى المحكمة المعنية بذلك ويقدم إليها شكواه وهو راض بالنتيجة , أما عند انعدام المساءلة فإن المواطن ربما لجأ إلى أخذ حقه بيده فيقع في المحظور , ولقد عاصرنا من الحكام من كان ظالماً لشعبه ومستبد بالسلطة فأوصل المجتمع إلى حالة الانسداد السياسي التي انتهت بإزاحته عن الحكم في غضبة شعبية عارمة . وختاماً فإن ما أقوله لا يختص بالمسئولين عن الدولة فحسب بل كل مسئول في حزب أو جماعة أو نقابة مهنية أو جمعية خيرية , فكل أولئك يجب أن يخضعوا للمساءلة وأن يستعدوا للإنصاف من أنفسهم إن هم أخطأوا , يقول عمر بن الخطاب ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا , وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ) والله المستعان