في عالم السياسة، من الخطأ الفادح الاستسلام للعواطف، فالمسألة برمتها قائمة على المصالح والحسابات السياسية المركّبة. لكن بعض الأحداث والمواقف هنا أو هناك تشفع لنا في أن نهرب إلى عواطفنا، ونعلن عن مشاعرنا تجاه أشخاص معينين، مثل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. يسألونك لماذا نحبه كثيراً؟ باختصار، لأنّ فيه دماء عربية أكثر من زعماء وقادة ومثقفين عرب. وعند المحطات الصعبة والقاسية، نلتفت يميناً ويساراً فنجد هذا الرجل وهو يقف مواقف الزعماء الأبطال التاريخيين، ويتحدّث بما يمطر قلوب الشعوب العربية المتعطشة لشيء من الكرامة والاحترام. هنيئاً للأتراك، حقّاً، زعيماً بحجم أردوغان وقيمته الوطنية والسياسية والتاريخية، فهم يستحقون مثل هذا القائد الذي جمع بين ذكاء السياسيين وحنكتهم وبين كاريزما القيادة، وأعاد ترسيم دور تركيا عالمياً وإقليمياً، لتحظى باحترام وتقدير ومكانة خاصة. وليس غريباً بعد ذلك أن يعاد انتخاب حزبه المرة تلو الأخرى، بل وأن يكون هو وحزبه نموذجاً متقدماً في العالم العربي والإسلامي. أيها الأصدقاء، فقط لكم أن تقفوا عند مسارعة أردوغان إلى منح الطفلة السورية زينب اللاجئة على الحدود التركية من جسر الشغور في سورية، الجنسية التركية، بعدما قتل أبواها على يد عصابات النظام، ليصبح اسم الطفلة زينب رجب طيب أردوغان. هل نملك ترف المقارنة، مجرد المقارنة، بين هذا الموقف الحضاري الإنساني الرائع وبين موقف الحكام والحكومات العربية، الذين لم نسمع منهم إلى الآن أي كلمة إدانة واحدة لجرائم النظام السوري ضد الشعب الأعزل وضد الأطفال والمدنيين والأبرياء؟! هل نملك المقارنة بين هذا الموقف وموقف الجامعة العربية المخزي المشين المتوشّح بالصمت على هذه الجرائم؟ هل تجوز المقارنة بين حاكم يتبنى أطفال شعب مجاور ويدافع عنهم في المحافل الدولية، ويوجه نقداً شرساً قاسياً للحاكم الآخر، الذي يتفنن في قتل شعبه ومواطنيه واعتقالهم وتعذيبهم، هل يستويان مثلاً؟! فلنعد قليلاً إلى وراء، فقط لنتساءل لماذا أحببنا هذا الرجل كثيراً؛ موقفه من إسرائيل، مثلاً، عندما وجّه صفعة لشمعون بيريس أمام المجتمع الدولي في مؤتمر دافوس، وخرج من اللقاء وقد كشف قبح هذا النظام الإجرامي أمام العالم، وهو ما لم يفعله "زعيم" عربي بهذه القسوة والشدة. وهل يمكن تجاهل موقفه من إسرائيل بعد اعتدائها على السفينة التركية التي انطلقت بالمساعدات لسكان غزة؟! نحن، بالفعل، أمام نموذج مغاير تماماً لما اختبرناه من ساسة وزعامات، وهو تحديداً ما نفتقده اليوم في العالم العربي، مع هذا المشهد الدموي الذي نراه ممن يمسكون بزمام السلطة، فلا يترددون في تدمير بلادهم وقتل شعوبهم، أطفالاً ونساءً وشباباً، واستنزاف الاقتصاد، فقط للدفاع عن "كراسي الحكم"، أو بعبارة أدق عن مصالحهم الشخصية، إذ طالما نظروا إلى دولهم بوصفها مزارع يورّثونها لأبنائهم، ولشعوبهم بوصفهم عبيداً أذلاء! الحديث عن هذا الرجل طويل جداً، وذو شجون، لكنّ هذا الموقف الإنساني النبيل تجاه الطفلة السورية زينب، يعصر أفئدتنا ألماً من بعض الحكام الصغار، وفرحاً بهذا الزعيم المسلم الكبير! نقلا عن الغد الاردنية