في هذه الأيام تتعالى بعض الأصوات في وسائل الإعلام المختلفة، وكذلك تتوالى الوقفات الاحتجاجية من بعض شباب الثورة بأن يتم تغيير أو تعديل الدستور أولأً ثم تتم الانتخابات التشريعية والرئاسية بعدها، ولهم في ذلك بعض الحجج والبراهين التي من الممكن أن نتفق أو نختلف حولها. كما أن الباقي من الشعب المصري يفضل إجراء الانتخابات التشريعية كما هو مخطط من قبل. في هذه المعادلة طرفان وليس طرف واحد هما الجيش والشعب، فلا يمكن إغفال أن الجيش في هذه اللحظة طرف أصيل في كل ما يجري على الساحة السياسية، لذلك يجب النظر لهذا الموضوع من الطرفين وليس من طرف واحد: الجيش: لو نظرنا من جانب الجيش للاحظنا بعض النقاط التي يجب أن تستوقفنا: 1- الجيش غير مؤهل للقيادة المدنية، فالتفكير والتربية العسكرية والثقافة الخاصة برجال الجيش لا يمكن أن تتساوى مع فكر وخبرة وثقافة الرجل المدني في إدارة شئون البلاد من الناحية المدنية، كما أن المدني لا يمكن له قيادة الجيش بدون تربية وتعليم في أصول الجندية، وعلى هذا كنا دائما ننادي أن يكون المحافظون من المدنيين وليسوا شرطة أو جيش، لأنه الأقدر على الإدارة المدنية من الاثنين. من هذا المنطلق اعتقد أن ترك إدارة الدولة في يد رجال الجيش فترة طويلة لن يأتي بخير، وهذا ليس خطأ من رجال الجيش وإنما خطأ من يريدون استمرارهم لأطول فترة. 2- الوضع الأمني للحدود المصرية اليوم يحتاج لكل مجهود ممكن من قادة الجيش: - فالتدخل الأجنبي في ليبيا بعد سقوط ألقذافي سيكون واضحا كما هو الآن في تدخله مع الثوار في حربهم ضد هذا الرئيس، وبعد أن كانت القواعد الأجنبية في قطر وتركيا تبدو بعيدة عنا فمن الممكن أن نجدها بجانبنا مباشرة في ليبيا، بخلاف التدخلات السياسية الغربية في السياسة الليبية بعد انتهاء ألقذافي. - الوضع في الأراضي المحتلة في أخطر أوضاعه من تاريخ معاهدة السلام، الطرف الإسرائيلي المحتل مترقب ومتحفز، وعنده الكثير من الهواجس من التحركات العربية من حوله وبالأخص الشأن المصري، وما يثار حاليا من وجود شبكة إسرائيلية ليس للتجسس فقط ولكن للتحريض لاستمرار وزيادة التوتر في مصر دليل على المرحلة التي نعيشها الآن. - الوضع السوري، والاستفزازات غير الموفقة في اختيار الوقت من جانب القيادة السورية للعدو الإسرائيلي المحتل على حدود الجولان، لإلهاء العالم عن غبائهم وعنفهم في التعامل مع الشعب السوري الثائر، يزيد من خطورة تفاقم الوضع. - التعسف الإسرائيلي في استئناف مباحثات السلام، ورفضه المتكرر لكل النداءات الدولية، ورفض أمريكا وحلفائها ذهاب الفلسطينيين للأمم المتحدة للاعتراف بدولتهم، مع نجاح الوحدة الفلسطينية، ممكن يؤدي إلى البدء في عمليات مقاومة، تزيد من الضغط على مصر خصوصا بعد فتح معبر رفح. - أضف إلى ما سبق توقع ضربة إسرائيلية للمنشئات النووية الإيرانية وتداعياتها، خصوصا بعد التقارب المصري الإيراني الواضح. - الجبهة الجنوبية أيضا ملتهبة، فالوضع في اليمن الآن بعد إضاعة الرئيس اليمني علي صالح لكل الفرص للتحول الديمقراطي السلس في اليمن، وتدهور الوضع هناك، ينذر أيضا بتداعيات قد تكون غير متوقعة من تدخلات أجنبية لاجتثاث القاعدة مثلا، أو ضرب الحوثيين مرة أخرى، وخصوصا أن الأساطيل الحربية متواجدة في المضيق ومقابل السواحل اليمنية لمحاربة القراصنة. - كما أن الوضع في السودان غير مستقر، فبعد انقسامه مازال التوتر موجودا، إضافة لمشكلة المياه في أعالي النيل، وغيرها. فيجب على الجيش بكل قياداته التركيز والانتباه ووضع السيناريوهات المختلفة لما يحدث على الحدود المصرية، التي واجبهم الدفاع عنها، وتأثير هذه الأحداث علينا وعلى أمننا القومي، ومدى استعدادهم لكل السيناريوهات المتوقعة وغير المتوقعة هو حصن الأمان لنا. فيجب علينا نحن أن نساعدهم في هذا، ولا نطالبهم بأكثر مما يستطيعون، وإلا ستكون العاقبة خطيرة، فقد يقوم القادة العسكريون بانقلاب عسكري على الحكم المدني في حالة تتطور المواقف على الحدود المصرية، وأصبح أمننا القومي في خطر، وفي هذه الحالة لا نلوم الجيش، ولكن نلوم أنفسنا، ونترحم على الفرصة التي أضعناها من أيدينا للتحول لدولة ديمقراطية حقيقة. 3- رجال الجيش أنفسهم لا يرغبون في الاستمرار، وهم من حدد موعد الانتخابات القادمة، ومصرون عليه،لأنهم على دراية بما سبق، سواء من ناحية قدرتهم على إدارة الدولة، أو المخاطر التي تحيق بنا من كل جانب، وليس لأنهم متعاونون مع الحزب الوطني أو الإخوان ولا أعلم ما هو الهدف ولا المصلحة الوطنية من وراء ترويج هذه الإشاعة بأن الجيش يريد الإخوان والوطني ولا يدافع عن القوى السياسية الصاعدة وبذلك نضغط عليهم وبكل قوة للاستمرار في الحكم تحت مماطلات ودعاوى – مع تقديري لأصحابها – لا تقف أمام التفنيد. الشعب الشعب المصري منقسم إلى قسمين، قسم مع الانتخابات التشريعية أولا، وقسم مع التعديلات الدستورية أولا، ولو وضعنا في الاعتبار نتيجة الاستفتاء السابق لقلنا أن الأغلبية مع إجراء الانتخابات التشريعية قبل التعديلات الدستورية. اسمع الحوار التالي بين اثنين جالسين على قهوة: ((( الأول (وهو يرتب أوراق الدومينو في يده) : خلينا نفترض إننا هنعمل التعديلات الدستورية قبل الانتخابات، ازاي هنعملها؟ الثاني (وهو يضع ورقة الدومينو إلي جانب الأوراق على الترابيزة) : زي ما بيتقال، عن طريق لجنة للتعديل الدستوري من سبعين فرد. الأول (وهو يرشف رشفة من فنجان القهوة) : طيب يا حلو، ازاي هنختار السبعين فرد دول؟ الثاني(وهو يسند ظهره للكرسي ويعتدل في جلسته) : بص يا سيدي، فيه طريقتين، إما بالتعيين أو الانتخاب. الأول (وهو ينظر إليه): إذا كان بالتعيين مين اللي هيعيينهم؟ الثاني : إما الجيش أو الحكومة المؤقتة. الأول (وهو ينظر في أوراقه ويقوم بالحساب تجهيزا للعبة القادمة) : كده هندخل في حسبة برما، أنت متخيل إن الأحزاب المختلفة اللي وصل عددها أكثر من خمسين، أو الائتلافات المختلفة اللي عدت العشرات هيرضوا عن اختيار المجلس العسكري أو الحكومة؟ طبعا لأ ... مكانوا وافقوا على طلب الجيش وعملوا الانتخابات الأول وخلاص. الثاني (وهو يتابع حركة زميلة في حساب الاوراق على الطاولة): خلاص تعينهم الأحزاب والائتلافات؟ الأول (بعد وضع الورقة الخاصة به): ازاي وبأي حق؟ وهل هم أساسا متفقون بينهم على حاجة عشان يتفقوا على اللي يعدل الدستور!! أنت مشفتش اللي بيحصل في اجتماعاتهم من شد وجذب ورفض واعتراض؟!!! ثم أنت ناسي إن فيه أحزاب وائتلافات عايزه الانتخابات الأول؟ هيكون لها رأي ولا هتتركن على جنب وكأنها مش موجودة؟ وباي باي ديموقراطية، ومتنساش إنهم الأغلبية أساسا،.. اسحب يا حلو .. مش معاك البيش .. أنا عارف. الثاني (وهو يسحب من أوراق البنك) : خلاص يبقى الانتخابات هي اللي تختار السبعين شخص. الأول (بعد أن ينادي صبي القهوة ليأتي له بفحم متقد) : ممتاز، بس يا حلو أي عملية انتخابية محتاجة لثلاث حاجات، منتَخَب وناخب ووقت الانتخاب، نمسكهم واحدة .. واحدة. الثاني (وهو يسحب مرة أخرى): هي إيه حكاية البيش معاك؟!! الأول (وهو يدخن النرجيلة وينفث هواءها): من ناحية المنتَخَب أكيد هيكون له شروط، مش هتبقى سبهلله، مين اللي هيحط الشروط دي؟ المجلس العسكري ولا الحكومة المؤقتة ولا الأحزاب...ولا....ولا... هندخل في حسبة برما تاني. وبعدين كام واحد ممكن يترشح سبعين ولا خمسمية ولا الف؟ (وهو ينتهي من شرب فنجان القهوة) أما بقى من ناحية الناخب يا ترى هتكون دواير زي مجلس الشعب؟ ولا كل محافظة تنتخب منها مجموعة؟ ولا لازم الشعب كله ينتخبه، عشان ده دستور مش لعبة وممكن نعيش عليه يجي ميت سنة جاية. (ثم يضع ورقته على الترابيزه) اسحب يا جميل، وحياتك لانت محاسب على كل المشاريب. الثاني (وهو منفعل وغضبان): ده إيه الحظ ده؟!!! الثاني (وهو يبتسم): حظ؟!! أنت اللي مش بتعرف تحسب، اتعلموها بقى، اسحب ... كمان ... كمان. أما بقى من ناحية الوقت ... ممكن كل مرشح يقولك أنا محتاج لوقت ارتب نفسي، أجهز أوراقي، الناس تعرفني.... وغيرها من اللي بتوع الأحزاب بيقولوه الأيام دي، يعني كأننا بنلف في ساقية ولا مؤاخذه. ( ويضع آخر ورقة في يده): هأهأ ... حاسب على المشاريب يا جميل. الثاني (بنظرة كلها اهتمام ورغبة): طيب الحل إيه يا جهبذ؟ الأول (وهو يضحك): حلوة جهبذ دي هي إيه المشكلة في إن انتخابات المجلس تيجي الأول؟ الثاني: بيقولوا إن الإخوان والحزب الوطني هما الجاهزين. الأول: طبعا ده مش حقيقي .. لأن فيه أحزاب موجودة وجاهزة ودخلت الانتخابات الأخيرة على عهد الرئيس المخلوع، زي الوفد والتجمع والناصري، ومتنساش الكرامة والغد وغيرهم. أما بالنسبة للأحزاب الجديدة - ده لو فيه ناس عايزة تشتغل بجد مش واخدين الثورة سبوبة - تقدر تعمل تحالفات مع بعضها، أو مع الكيانات الموجودة من زمان، زي حركات 6 ابريل وكفاية وخالد سعيد، وجماعة البرادعي، والنقابات العمالية وغيرها. وبعدين الإخوان مالهومش إلا نسبة 15 % تأييد. أما بقى الحزب الوطني المنحل، كفاية تشاور على أي حد ماشي وتقول ده من الوطني، هيتعدم العافية، ولا حد هينتخبه، ولو نجح حد منهم يبقى أكيد له شعبية وراجل جدع. وما تنساش إن هناك مستقلين، وأنا نفسي اللي يترشح مستقل ثم ينضم لحزب بعد نجاحه تسقط العضوية عنه، لأنه خالف اللي انتخبه عليه الناس. ثم كل يوم في أحزاب جديدة، هنستنى مين ولا مين عشان يلاقي له مكان في البرلمان، وإن شاء الله هم هيبقوا جاهزين امتى؟ بعد ستة شهور ... ولا سنة .... ولا سنين ... موت يا حمار. الثاني: طيب وبعدين؟ الأول: شوف يا سيدي، نعمل الانتخابات التشريعية في وقتها، سبتمبر يعني، ولما الانتخابات تنتهي، الناجحين في الشعب والشورى يختاروا من بينهم اللي يقوم بتعديل الدستور، ويخلصوه في وقت ميزيدش عن 6 شهور. ولما يخلصوا منه يعرضوه علينا للاستفتاء ويكون فيه 3 خانات: مقبول (في حالة قبوله كله) مرفوض (في حالة رفضه كله) أرقام المواد المرفوضة (في حالة رفض مواد بعينها) والمادة اللي ما تخدش الأغلبية تتعدل ونستفتي عليها تاني بعد شهر، وإذا ماخدتش الأغلبية يتم تغيرها مرة تانية ونستفتى الشعب تاني، وهكذا حتى يتم التوافق على كل مواد الدستور، ولو أخد سنين، عشان نقدر نعيش مع بعض وإحنا عارفين راسنا من رجلينا، وكله يبقى موافق. الثاني: ونفضل كده من غير رئيس ولا حكومة؟ الأول: في حالة حصول المواد الخاصة بصلاحيات الرئيس على الأغلبية يتم الإعلان عن فتح باب الترشح للرئاسة، وتجرى الانتخابات الرئاسية بعد 60 يوم من فتح باب الترشيح، وتتكون الحكومة، وكده نكون بلد ديمقراطي صحيح، مش والنبي لسه شوية، والنبي عايز وقت، بلا دلع بنات.))) الخلاصة اعتقد أن تعقد الانتخابات التشريعية أولا وذلك لعدة أسباب: أولا: وضع الشعب المصري على نقطة البدء في ممارسة وتعلم الديمقراطية، والتي ستحتاج لسنين حتى تنضج وتتبلور، أما التأجيلات المستمرة فلن تساعدنا، وقد تضيع الفرصة تماما. ثانيا: عودة رجال القوات المسلحة لوظيفتهم الأساسية وهي حماية مصر، خصوصا في ظل الأوضاع الراهنة، وعدم الدخول في متاهة الانقلاب العسكري أو الأحكام العرفية أو غيرها من أساليب الحكم غير الديمقراطية. ثالثا: سهولة عملية تعديل الدستور، فالشعب هو من سيرشح النواب، معنى هذا أنه يرضى بهم في هذه المرحلة، واختيار 70 من ضمن نواب المجلسين، الشعب والشورى، أسهل وأفضل وبالتأكيد سيمثلون كل شرائح الوطن. رابعا: عندما يعدل الدستور سيعرض على الشعب، ومن حقنا الموافقة عليه أو رفضه أو رفض بعض بنوده، فللشعب الكلمة الأخيرة. الرياض السعودية