يقولن في المثل الشعبي " الخير على قدوم الواردين" قتل الرئيس السادات ، ومع مجيئ الوارد الجديد لكرسي الرئاسة جاء قانون الطوارئ، وهوقانون يُخَوِّل لأي مخبر من مخبري مباحث أمن الدولة أن يقبض على أتخن تخين ويضعه في المعتقل دون أن يٌسأل عن أسباب الاعتقال ، وهذا القانون سيئ السمعة ظل مرافقا للرئيس مبارك ومرتبطا به وعندما تم إلغاؤه جاء هو هو ولكن تحت اسم آخر ليظل توأما للرئيس حتى انخلعا معا. الرئيس بدأ عهده بكلام لطيف ينبئ عن نزاهة ونظافة يد وكراهية للمحسوبية، قال أيضا "الكفن ليس له جيوب" غير أن نهاية عهده كشفت لنا أن للكفن جيوبا كثيرة وسراديب للتهريب والسلب والنهب لا حصر لها ، وأن الكفن الوحيد الذى ليس له جيوب هو كفن الشعب لأنه أصر هو وأبناؤه وحاشيته أن يأخذ كل التركة والشعب لا يزال على قيد الحياة . المحظورة تحظى باهتمام كبير لدى الرئيس ، والتفكير فيها يحتل مساحة ضخمة من ذاكرته، وكانت أجهزة أمنه مُسْتنفَرة ضد تلك الجماعة المحظورة تمارس معهم أبشع أنواع القهر والقمع والإذلال في ضربات إجهاضية واستباقية، حتى تعود الناس قببل كل انتخابات في النقابات أو المجالس المحلية فضلا عن البرلمان، أن ينشئ النظام من أجل المحظورة محاكم عسكرية لا تخضع لقانون، مهمة تلك المحاكم محددة في تغييبهم في المجهول الذى لا يدرى أحد عنه شيئا لا مكانا ولا زمانا ولا جهة تسألها عنهم. قربك من المحظورة أو الانتساب إليها كان وصفا كافيا ليس فقط لاستبعادك من أي موقع قيادى مهما كانت كفاءتك ، بل لاستبعادك من أي وظيفة ولو كانت وظيفة خباز في فرن أو فراش في مسجد أوعامل نظافة في مدرسة ، ولما كان العقاب الجماعي هو الأصل عادة لمن يعترض أو يعارض لدى النظام المستبد ،فقد كان يطول أهلهم ومصالحهم وشركاتهم وكل من يمت لهم بصلة قرابة أو صداقة. • كان النظام لا يكتفى في حربه للجماعة بكتائب أمن الدولة أو الأمن المركزى أو حتى كل قوى الداخلية، وإنما يطلق أيضا كل كتائبه الإعلامية في الصحف والإذاعات والمجلات والتلفزيون الرسمى وحتى في الفضائيات الخاصة مجاملة له في تشويههم والنيل منهم وفض الناس عنهم . • لكن الغريب العجيب أن هذه الجماعة تحملت وصبرت وتميزت بقدرة فائقة على الحضور الاجتماعي والتأثير في الشرائح المختلفة من الناس، وحتى من لا يتفقون معهم في الطرح والرؤية كان يكن لهم التقدير ويختارهم إذا أتيحت له الفرصة في صناديق الانتخاب . • النظام حدد حركتهم ولكنه لم يستطع أن يقضي عليهم ، حاربهم فصمدوا ولم ينتصر هو، فرقهم فتجمعوا أكثر ، سجنهم فخرجوا من سجونه أكثر إصرارا وأصلب عودا ، عذبهم وأطلق عليهم زبانيته، فسخروا منه وأهانوه بشموخهم ، حاول استذلالهم فسموا وارتفعوا عليه، فلم يستطع النيل من أرواحهم وإن أدمى منهم الأجساد . • حَرَّش خدمه وحرسه والمُنَظِّرين له ليتحرشوا بهم فكرا وثقافة ومناظرات، فهتكت المحظورة ستار التزييف وأظهروا عوار ثقافة المتشدقين، وقصور فكر المتطاولين عليهم، وكانت لياقتهم الفكرية والثقافية رغم المحن أوضح من شمس النهار وأعلى من نجوم السماء . • في أدنى مساحة أتيحت للحرية هزموه وهزموا رموزه ومرغوا رؤوس حزبه في الطين، وفازوا بثلث أعضاء البرلمان، ومع كل ذلك كانت أجهزته تطلق عليهم مصطلح "المحظورة" • كان النظام متناقضا مع نفسه وتكوينه وسياساته كلها ، لكنه كان يحرس هذا التناقض بالحديد والنار. • النظام المخلوع عندما فشل في تسويق نفسه كعميل بعد أن انتهت مدة صلاحيته راح يفزع الغرب بفزاعة الإخوان. ويحذر من ثورة تشبه الثورة الإيرانية تهدد مصالحه وتستعصى على الإغواء والإغراء. • تذكرت هذا الكلام وأنا أتابع أحداث الثورة الليبية وما جاء على لسان القذافى حين وصف الثوار بأنهم خلايا كانت نائمة تابعة لتنظيم القاعدة. • الغريب أن على صالح في اليمن وبشار الأسد في سورية يسلكان نفس المسلك ويستعملان نفس المصطلح طوائف "مندسة" بينما مؤسسات القرار في الغرب والذى أراد القذافى وصاحباه أن يحذروهم من هذه الخلايا النائمة سخرت منهم وردت عليهم بأنهم طغاة مستبدون قد انتهى حكمهم ويجب أن يرحلوا . • قامت الثورة في مصر وساهمت المحظورة بجهد كبير في نجاحها فأبيحت المحظورة وحظر النظام البائد. • فى تصورى أن نجاح الثورة سيضيف إلى الجماعة عبئا جديدا، فقد كان الكثيرون في السابق يلتمسون لها الإعذار على اعتبار أنها ضحية قمع واستبداد النظام . • الفترة القادمة تحمل حساسية من نوع خاص يجب أن تؤخذ في الحسبان وتوضع في الاعتبار بالنسبة لكل من ينتمى لهذه الجماعة وبخاصة رموزها ، وعلى الجماعة أن تتعامل مع كل دعوة للحوارعلى أنها فخ معد ومنصوب بعناية لانتظار الهفوات واصطياد الرموز. • في فترة ما قبل ثورة 25 يناير كانت وسائل النظام متاحة لجماعات قطاع الطريق الثقافي في الصحف والمجلات والإذاعات والقنوات الفضائية، ثم بعد قيام الثورة زاد شعور جماعات قطاع الطريق الثقافي بالخطر أكثر ، وانضم إليهم بلطجية العلمانيين والليبرالين والماركسيين وازداد هذا الشعور حتى وصل إلى حد الهوس والهلوسة واللوثة الثقافية بعد نتائج الاستفتاء فرحوا يقلبون الحقائق ويشوهون كل ما هو إسلامي ويتحدثون عن ردة ثقافية ويحذرون من قصاص بقطع الأذن والأنف وخطف لغير المحجبات وتهديد لهن . • حفلات الزعر التى قامت وتقوم بها بقايا وسائل النظام المخلوع وآلياته وانضم إليها جهد صحافة وإعلام رأس المال الطائفي والمشبوه ليشكلان معا منظومة عدائية ازدادت زخما وتنسيقا وفق مخطط تخويف الشعب من شبح الإسلام القادم ليقطع الأيدى والأرجل ويمارس الجلد والقمع والإقصاء ضد المخالفين في الرأي والمختلفين في الرؤية، وكأن عفريت الظلامية قادم لينتقم من الناس وليطفئ أنوار الحياة. • الجهد المبذول في حملات التشويه والتنفير لا يستهان بتاُثيره في دعم الباطل وتجميل صورته ومخاصمة الحقائق وتشويه صورتها في أذهان الناس عامة وخاصة. • ومن مصلحة الجماعة والوطن كله أن يرى الشعب المصري والعالم معه الأداء الحضاري المتميز بالعطاء والتفوق الأخلاقي، وخدمة الناس دون منٍّ ولا أذى وتلك وسيلة وغاية في آن معا. • وسيلة لدحر شبهات المغرضين وما أكثرها ، وأيضا هي فرصة ذهبية سانحة لإزالة ركام الغبار الفكرى لدى الكثيرين من الضحايا، والذين ساءت وتسوء ظنونهم بكل ما هو إسلامي نتيجة الحملات السابقة والحالية وكلها مغرضة ، وهى حملات استعملت كل وسائل التأثير ابتداء بالإشاعات الكاذبة وانتهاء بثقافة الصوت والصورة وممارسة التكرار لتثبيت وتكريس سوء الفهم وسوء الظن، والتركيز على الجانب السلبي بحديث عن أجندات خاصة لا تتناقض فقط مع مطالب االقوى الوطنية الموجودة على الساحة ، ولا تحمل مشروعا حضاريا أو قوميا يعبر عن إرادة المصريين بقدر ما تحمل مشروعا إقصائيا يريد إعادة التاريخ ويفصلنا عن الواقع ولا يلتفت لمشاكل الجماهير أو يضع اعتبارا لمعاناتهم . • بالتأكيد هذا الادعاء لا ينطوي على كل الناس ، ولكنه يلقى صدى لدى كثيرين من ضحايا الثقافة المغشوشة والتدليس ذى النفس الطويل، والذى استمر عقودا وربما قرونا من الزمان ولا يزال يمارس حتى الآن. • في المقابل وخلال تلك العقود البائسة ظل المتهم البرئ وهو الإسلام غائبا لا يدافع عن نفسه ومبعدا عن الواقع العملى في حياة المجتمع وغريبا حتى بين الناس • الهدف المطلوب تحقيقه من هذه الحملات معروف ومحدد مسبقا وهو صرف الناس عن كل دعوة لتحرير الإرادة واستقلال القرار، واستبعاد أي مشروع حضارى لنهضة الأمة وخروجها من حالة الاستلاب الحضارى التى تعانى منها، وتعطيلها عن استرداد دورها ومكانتها في المحيطين الإقليمي والدولي. • وفي هذا الجو تزداد مسؤولية الجماعة لأنها ارتبطت في الوعي العام لجماهير الناس بالإسلام هوية ومرجعية وفكرة ومنهاجا، ومن ثم فأي تقصير أو أي سلوك سلبي سينسحب بالطبع على المبدأ والفكرة وسيحسب خصما من رصيد الإسلام لا من رصيد الجماعة. • القاعدة ذاتها تنطبق على كل تيار إسلامي يدخل الساحة السياسة في المرحلة القادمة ومن ثم فلا بد من معرفة قواعد اللعبة السياسية، ولا بد أيضا من التزود بالخبرة والاستعداد لدفع ثمن استحقاقات المرحلة تفاديا لأخطار مهلكة. • الهدف الكبير هنا ليس فقط مشروعا سياسيا يرد الاعتبار للجماعة المظلومة وينفي عنها تهما هي منها براء ، ولكنه بالدرجة الأولى يجب أن يتجاوز ذلك ، يتجاوز الجماعة بأفرادها وتنظيماتها وقواعدها وقيادتها ورموزها ليحمل رد الاعتبار لدين مظلوم، الناس أحوج ما يكونون إليه، وهو أنفع وأصلح ما يكون لوجودهم وحياتهم ودنياهم وأخراهم، • الجماعة هنا ببساطة شديدة لا بد أن تبرهن أنها لا تحمل برنامجا انتخابيا تخوض به معركة سياسية تحقق به أغلبية برلمانية فقط ، بقدر ما تحمل رحمة الله للعالمين، ولكي يحدث ذلك وتبرهن عليه لا بد أن تؤسس الجماعة لمشروع حضارى كبير يحمل حلم الأمة وتلتقى عنده إرادة أبناء الوطن تلاقيا حرا وتصب في مجرى تحقيقه كل الجهود العلمية والمعرفية الاقتصادي منها والاجتماعي والسياسي، ليعرف العالم كله حجم ما تحمله هذه الجماعة من قيم تشكل وسيلة الإغاثة والإنقاذ للإنسان والكون والحياة، لأنها ببساطة كما قلنا تحمل رحمة الله للعالمين . • أعرف أن العبء ثقيل ، وأن المسؤولية كبيرة ، وأن الرؤي المخلصة التى تطرح هنا أو هناك لم تغب عن وعي الجماعة وإدراكها، فالرصيد المعرفي لأبنائها كبير، والخبرة تراكمت لديهم عبر عشرات السنين، غير أن الظرف المتاح بقدر ما يحمل من فرص بقدر ما يحمل أيضا من مخاطر وفي مقدمة تلك المخاطر الشعور بالاكتفاء الذاتى فكريا وعدم الرغبة في قراءة الآخر ورفض الاندماج وهو شعور خطير، ومكلف قد يؤدي للتقوقع على الذات، أو للصدام مع الآخر والخروج عليه، ما دام سوء الفهم وسوء الظن هو سيد الموقف. • الجماعة اليوم تحت المجهر والكل ينتظر، والبعض يترصد وكأنه عداد الخطأ ، ينتظر هفوة ليطير بها مٌشَوّهًا ومُشَوِّشا ومُجَسِّمًا. • التصريحات التى تصدر من البعض في لحظات النشوة بالفرحة وأمام الجموع الغفيرة قد لا تكون منضبطة بضوابط اللعبة السياسية، وتحت تأثير الحماس قد تفلت بعض العبارات الموهمة ، وهى توثق بالتأكيد، ومع سوء النية المبيتة تقدم في أوقات معينة على أنها دليل الإدانة على الاستعلاء والإقصاء ورفض الآخر، ومن ليس من الجماعة فهو من الشيطان، فليحذر، الكبار والشباب من الجولات القادمة، فاعداؤكم أغنياء وأذكياء وخبثاء، ولديهم من وسائل التشويه والتشويش ما يكفى لتعكير المحيط . أكاديمى مغترب رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية رئيس إذاعة القرآن الكريم في أستراليا