أشرت الأسبوع الماضي إلى خيبة الخطاب العربي الموجه إلى قادة أميركا وأوربا بشأن حماس ، ومفاده أن "حماس ستتغير قريبا ، فقط إصبروا عليها". وهو خطاب يمنّي الأعداء ويفتح الباب لمزيد من الضغوط على حماس ، ويدلل بالتالي على غياب كامل لأي إستراتيجية عربية في مواجهة الغرب ، تماما كما هو الموقف من ملف إيران النووي الذي صوتت مصر في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لصالح إحالته إلى مجلس الأمن . عندما يتوجه النظام المصري إلى الإدارة الأمريكية بهذا الخطاب ، فهو يبدو كمن يبحث في الوضع الجديد في فلسطين عن جزرة يبتز بها الأمريكيين ، ولسان حاله يقول : لا تعارضوا تأبيد نظامي في الحكم وإحتكاري للسلطة مقابل أن أسلمكم حماس وأدفعها لتنفيذ ما تريدونه. ولذا لم يكن مفاجئا ما جاء في خبر (المصريون 1/3) نقلا عن كاتبين مشهود لهما بالنزاهة والاحترام ، حيث أكدا أن الهدف الأساسي وراء جولة مبارك في منطقة الخليج هو "إيجاد حالة من الاتفاق لدى الدول الخليجية باعتبارها الداعم الرئيسي لحركة حماس لممارسة ضغوط على الحركة لإجبارها على التراجع عن موقفها تجاه إسرائيل الرافض لمبدأ الدخول في حوار مباشر مع الدولة العبرية أو الاعتراف بحق اليهود في إقامة دولة على الأراضي المحتلة. وأشار المصدران إلى أن مبارك طرح أيضا على الدول الخليجية التي شملتها زيارته ضرورة وجود موقف عربي موحد ضد الطموحات النووية الإيرانية. وأعربا عن تخوفهما من أن تكون رايس قد تلقت من القاهرة تطمينات بعدم الاعتراض على شن حرب على إيران.. كما أشارا إلى استعداد النظام لتقديم تنازلات لواشنطن في عدد من الملفات وذلك مقابل تراجع واشنطن عن ممارسة ضغوط بشأن ملف الإصلاح في مصر ، وأن النظام يسعى لحشد دعم عربي للعديد من المواقف الأمريكية عله يتمكن من كسب رضا المسئولين في البيت الأبيض وموافقتهم إزاء العديد من الملفات الساخنة." لوأن النظام المصري يجيد أبجديات السياسة بعيدة النظر والضرورات اللازمة لحماية الأمن القومي ، لكنا طالعنا خطابا وسلوكا مختلفين بشأن حماس وإيران. لو كان النظام بالفعل حريصا على مستقبل القضية الفلسطينية ، لكان إستغل الوضع الفلسطيني الجديد لصالح القضية وليس لصالح إعتبارات أخرى . كان المفترض أن يخاطب الأمريكيين كالتالي: لقد تجاهلتم عرفات مع أنه منح إسرائيل الإعتراف الذي كانت تستميت عليه منذ قيامها. إنه لم يعترف فقط بشرعية إسرائيل ، بل قدم لها أم التنازلات (78% من أرض فلسطين). فماذا حصل عليه في المقابل؟ : وقفتم إلى جانب إسرائيل في حربها على شعبه التي أطلق شارون شرارتها في سبتمبر2000، وأعلنتم أنه لايصلح كشريك وأنه غير ذات قيمة ، وأيدتم حصاره في مقره طوال ثلاث سنوات بينما الإسرائيليون يمعنون في إهانته ، ولم تمارسوا أدنى ضغط عليهم للقبول بمبادرة قمة بيروت العربية التي منحت إسرائيل عرضا غير مسبوق في كرمه : القدس وحدود 67 مقابل سلام وتطبيع شاملين مع جميع الدول العربية بلا إستثناء. بل إنكم وقفتم لا مبالين بينما كان شارون يرد على العرض العربي باجتياح الضفة الغربية وتدمير مدنها وصولا إلى مجزرة جنين. وبعد حصار وإهانة عرفات ، كان جزاؤه الأخير على الاعتراف بإسرائيل وتسلميها أم التنازلات ، هو موته مسموما. ثم جاء أبو مازن الذي كنتم تطالبون باحلاله مكان عرفات ، فهل حصل منكم على حرية الأسرى ، أو وقف الاستيطان ، أو وقف تهويد القدس والحرم ، أو تنفيذ أي من الاتفاقات التي وأدها شارون ؟ لا. وإنما أعلنتموه هو أيضا "لا شريك وضعيف وغير ذات قيمة" ، وأيدتم إسرائيل في إصرارها على أن يشعل أبو مازن حربا أهلية فلسطينية. وكما رفضتم في عهد عرفات قيام دولة فلسطينية قابلة للبقاء ، رفضتم منح أبو مازن الذي كنتم تتذرعون بانتظار إستلامه الحكم هذا الحق . وكانت النتيجة الطبيعية لكل هذا التعنت من جانبكم والاستسلام للأجندة الإسرائيلية، هو أن يضع الشعب الفلسطيني نهاية لهذه المهزلة ، ويقرر إعادة رفع السقف الفلسطيني الذي إنخفض نتيجة للتنازلات المجانية التي قدمتها فتح والحكام العرب . ولهذا السبب إنتُخبت حماس. لو أن النظام المصري يفهم ، لكان إستطرد في خطابه للأمريكيين كالتالي : القوانين والأعراف الدولية تلزم كل حكومة جديدة بإقرار جميع الاتفاقات والمعاهدات التي وقعتها الحكومة السابقة لها. ولأنكم أصررتم على بقاء الفلسطينيين في ظل سلطة حكم ذاتي وليس في ظل حكومة دولة ، كانت النتيجة أنه أصبح في وسع حكومة السلطة الفلسطينيةالجديدة أن تتبرأ من كل ما إلتزمت به السلطة السابقة .. فهي ليست حكومة دولة معترف بها دوليا ، وبالتالي لا تقع عليها أية إلتزامات . والمسئول الأول عن هذا الوضع هو أنتم أيها الأمريكيون . لقد بذل عرفات الكثيرمن ماء وجهه لكي يحصل على دولة ، فلم يحصل منكم إلا على التجاهل والإهانة. واليوم نحن أمام وضع غريب : رئيس سلطة فلسطينية يعترف بإسرائيل ، ورئيس حكومة سلطة لا يعترف بها. بتعبير آخر، فإن أمامكم أيها الأمريكيون فرصة أخرى لتعويض ما فات ، وذلك بمنح أبو مازن ما يطالب به من حقوق لإقناع الشعب الفلسطيني بأن هناك مقابلا لإعتراف أبو مازن بإسرائيل، وأن هذا الاعتراف ليس خطيئة كما تقول حماس . نحن لن نضغط على حماس ولن نطالبها بتغيير ثوابتها لأننا لا نريد أن نرى تكرارا للسيناريو الذي جرى مع عرفات : مقابل الاعتراف بإسرائيل هو الحصار والإهانة والقتل. ولذا نقول لكم أن الكرة في ملعب إسرائيل وليست في ملعب حماس، وأن عليكم أن تضغطوا على الإسرائيليين للإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين وإزالة سور الفصل العنصري ووقف جميع عمليات التهويد في القدس ، وعندئذ يمكننا أن نطالب حماس بأن تقبل بالتفاوض مع إسرائيل. إما هذا وإما سنجد لدينا بعد إنتخابات الرئاسة الفلسطينية القادمة ، رئيسا جديدا من حماس ، أي نقض فلسطيني كامل لكل ما حصلت عليه إسرائيل من عرفات. وحيث أن العرب يمتثلون بما تمليه السلطة الفلسطينية، فإن الأمور إذا تفاقمت إلى هذا الحد ، ستكون النتيجة الطبيعية هو وقف عربي لكل إجراءات التطبيع مع إسرائيل والعودة للمقاطعة العربية الشاملة لكل من يتعامل تجاريا مع إسرائيل ، وتوثيق العلاقات العربية مع إيران وكل قوى الممانعة الإسلامية والعربية. مشهد ثاني نراه في غيبة أي رد فعل مؤثر على تهديدات الغرب بتجويع الشعب الفلسطيني عقابا له على إنتخاب حماس. كتب دافيد ماكوفسكي الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "إن حماس ليست فقط هي المقصودة بالضغوط ، ولكن الشعب الفلسطيني أيضا يجب أن يرى الثمن الذي سيدفعه نتيجة إختياره. إن السلطة تتسلم 900 مليون دولار سنويا من الدول المانحة ، وهذا مبلغ لا تستطيع إيران تغطيته. وبالتالي لن يكون أمام الفلسطينيين إلا دول الخليج الثرية ، وهي الدول التي سيكون على الإدارة الأمريكية أن تحذرها من أن ثمن تأييد حماس سيكون باهظا." أما دوف فايسجلاس مستشار شارون فيقول : "إن سياستنا هي وضع الفلسطينيين تحت نظام غذائي قاسي (ريجيم) قد يصيبهم بالأنيميا ولكنه لن يميتهم جوعا". هذا التصريحات المهينة كان المفروض أن يرد عليها من كل حاكم عربي بالقول بأنه سيفتح أبواب التبرع أمام جميع شعوب العرب والمسلمين ، وأن الملايين ستنهال على سلطة حماس من كل حدب وصوب لأننا لن نسمح لهذا الشعب البطل بأن يتسول غذاءه. أما المشهد الثالث والأخير ، فنراه في الموقف من إيران : إن أميركا لم تضغط لإحالة الملف النووي الإيراني من أجل فرض عقوبات ، وإنما لأن هذه القضية تتيح لها فرصة الثأر ليس فقط من إيران ، وإنما أيضا من حزب الله : الأولى نتيجة إهانة أميركا في أزمة الرهائن عام 1979، والثانية ردا على إهانة أميركا في لبنان ودفعها للانسحاب ، ثم هزيمة إسرائيل عسكريا. والعقوبات ليست إلا أداة تمهيد للحرب الهدف منها كما في حالة العراق هو إنهاك الخصم لإضعاف مقاومته عند بدء العدوان عليه. غير أن الحرب على إيران لن تكون محصورة داخلها كما هو الحال الآن في العراق ، وإنما ستمتد نارها لتحرق الأخضر واليابس في العراق ولبنان وسوريا. ولن تنجو مصر من هذا الزلزال وتوابعه لأن إيران لن تنسى موقف الحكم المصري منها ورفضه المزمن لتوثيق العلاقات بين البلدين الشقيقين ووقوفه مع أميركا ضدها. [email protected]