"أنا مجرد ناقل خبر"، هكذا يكون الرد دومًا إذا طلبت من أحدهم التثبت من خبر ينقله أو استفسرت عن مصدره، وكأنه بهذا يبرئ ساحته، وينفي عن نفسه المشاركة في المسؤولية؛ إنها المسؤولية عن فوضى الأخبار وما ينبني عليها من آثار. تطالعنا وسائل الإعلام كل يوم بأخبار شتى، منها الصادق ومنها ما يفتقر إلى المهنية والموضوعية. ولأن العالم أصبح قرية كونية، فلا تقف في وجه الكلمة عوائق زمانية أو مكانية، وفي لمح البصر تنتشر في الفضاء الإلكتروني لتنتقل منه إلى الواقع الحياتي مما أدى إلى حالة من الفوضى الإخبارية. وللأسف يسهم الكثيرون منا في هذه الفوضى بقصد أو بدون قصد عندما يتسرع الشخص في نقل الخبر دون أن يكلف نفسه عناء التثبت من صحته. ولأن الكلمة سلاح خطير، جاءت الأديان السماوية تحذر من خطورتها وضرورة التثبت منها. ويأتي القرآن الكريم ليؤكد على هذا المعنى في سورة تحدد معالم القانون الأخلاقي الاجتماعي فيقول الله عز وجل في سورة الحجرات "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين". ما أكثر الأنباء الكاذبة اليوم في ظل هذا الطوفان الهادر من الأخبار، وما أكثر ضحايا هذه الأخبار، فهل يندم الجناة؟ نعم جناة، حتى وإن كانوا مجرد نقلة أخبار، وكم من ناقل خبر أشعل بكلام كاذب فتنة راح ضحيتها الأبرياء! وما الأحداث الأخيرة في مصرنا الحبيبة عنا ببعيد، إشاعة تنطلق هنا أو هناك فتتحرك جموع غاضبة لينتهي الأمر بحلقة مأساوية جديدة تهدد مصير أمتنا أو على أقل تقدير تحرف سفينتنا عن مسارها الصحيح لتتخبط في بحر لجي لا تكاد تنجو من موجة عاتية حتى تتبعها أخرى تستنفذ قوتها وقوة طاقمها إن لم تقض عليهم تمامًا. وما نراه اليوم في الفضائيات، حلقة أخرى من حلقات فوضى الأخبار. فالإعلام بدلاً من أن يكون وسيلة للبناء، أصبح وسيلة للهدم وإشاعة الفوضى وساد جو من التخوين والاتهام اعتمادًا على أخبار كاذبة أو إشاعات مغرضة، يتلقفها جمع من الإعلاميين ليجعلوا منها حديث الساعة ويسلطوا عليها الأضواء فيوقظون فتنة نائمة أو يشعلون شعلة لهب خامدة لتتحول إلى حريق هائل يلتهم الأخضر واليابس، وهذا حكم على المجموع لا على الجميع. إن المسؤولية الأخلاقية تفرض على كل منا دورًا غاية في الأهمية في ظل فوضى الأخبار هذه؛ لابد أن يتثبت كل شخص من صدق الخبر قبل أن ينقله. ولم يعد كافيًا أن ننقل الخبر مذيلاً بمصدره، بل لزامًا علينا أن نستوثق من الخبر ونتريث قبل نقله حتى لا نسهم بشكل أو بآخر في فوضى الأخبار هذه، فإن لم يتسن للمرء الاستيثاق من صحة الخبر، فلا يسهم في ترويج كلام لم يتحقق من صحته، حتى نفوت الفرصة على المرجفين في البلاد وتصل سفينة مصرنا الحبيبة إلى بر الأمان.