للشيخ أسامة مكانة تنظيمية، وتاريخية في الجماعة الإسلامية، تجعل كلامه مؤثرا ومتابعا، ولقد قرأت كلامه الأخير حول تعليقه على رؤية الشيخ عبود الزمر للأزمة المصرية، وقد حاول الشيخ اسامة أن يبسط المسالة وأن يهون من اثرها؛ لدرجة انه أحال الاختلاف بين الرؤيتين الى الصياغة فقط! واستدل على ذلك بمقررات علمية، وشرعية بيّن من خلالها التطابق بين الرؤيتين، وفي الحقيقة، كنت أتمنى من الشيخ اسامة – وهو حبيب الينا- أن تكون نظرته أعمق مما كتبه، وأن يكون تعاطيه مع رؤية الشيخ عبود ليست بهذا التبسيط الذي لا يتناسب وقدر الشأن نفسه، ولذا أقول عفوا يا شيخ أسامة الرؤيتان متباينتان لما يأتي: أولا: حاول الشيخ اسامة أن يبين أن الخلاف نظري، فقهي، بسيط، متعلق فقط بمصلحة دخول الانتخابات فقال:(أين الاختلاف؟ الاختلاف في هذه الصورة، المثالية، الوردية، الساذجة، لموضوع دخول الانتخابات) بينما الحقيقة أن الخلاف هو حول رؤيتين في التفكير، الأولى: هي المشاركة في تحالف له ثأر شخصي مع السيسي، ويتمحور حول إفشاله، وعرقلة مشاريعه، حتى وإن كان نفعها يعود على الشعب بأي ثمن كان، ولو وصل الأمر إلى تدمير مصر، وبنائها من جديد، على أيديهم، وأن مصلحة الوطن في أن يحكموه هم، -وهم فقط- مهما أدى ذلك إلى مفاسد قد لا تدرك، ووقف عجلة التنمية، وضعف الدولة، واهتراء مؤسساتها، المهم هو أن يرجع الرئيس؛ وكأن حل المشكلة كامن في عودة الرئيس، وليس ثمّة جيش، وشرطة، وقضاء، وإعلام، يعارض ذلك، بالإضافة إلى ممارسات غيرشرعية، محرمة تلبس بها التحالف، وتحدثنا عنها كثيرا، كالتغرير بالشباب، وتعريضهم للقتل مع غلبة الظن بقتلهم، والتعرض لممتلكات خاصة محترمة شرعا، وهدر العام، والتبرير للسب، والبذاءة، وغير ذلك أما رؤية الشيخ عبود، فقد صاغها الشيخ بنفسه، ومطروحة منذ فترة ، وهي من جنس رؤى رجال الدولة التي تتسامى فوق الأهداف التنظيمية الضيقة للجماعات، وتحلق فوق الجميع لتدرك مصالح الدولة الكبرى في ظل سرطان إقليمي معقد يستهدف (الدولة الوطنية)؛ ليتركها دولة فاشلة، تنخر النزاعات عظامها، وتقتضي تلك الرؤية تفصيليا: التوقف عن العامل الاحتجاجي للحراك، والذي لم يحرك ساكنا، وإعلاء مصلحة الوطن، بصورة عملية من خلال التوقف عما يضير استقراره، ونماءه، والنظر في موضوع فض الميادين بصورة شرعية، وقانونية ثم العمل على تقليل المفاسد، الشرعية من خلال المشاركة، في الانتخابات القادمة، من باب الإعذار إلى الله، واستفاضة البلاغ، والعودة إلى إحياء مشاريع تصحيح الوعي بالدعوة، والمشاريع الثقافية، فإذا كان للصراع جولات ...فيوم لك ويوم عليك... ومن ثم؛ فالقول بأن الخلاف لفظي، أمر غريب، وغير موجود!! ثانيا: ذكر الشيخ أسامة أن رؤية الجماعة، بعدم خوض الانتخابات، يعود إلى قناعتها، بعدم تحقق مصالح، راجحة تجعلها تشارك في الانتخابات؛ بينما تصرح الجماعة، في كل بياناتها، برفض الانقلاب وما بني عليه من اجراءات؛ لأن ما بني على باطل، فهو باطل، ومن ثم فالانتخابات أحد إجراءات ما بعد عزل الدكتور مرسي الباطلة فمن نصدق؟ بيانات الجماعة أم الشيخ أسامة؟ أم يعتبر ذلك تراجعا مرحليا، وخطوة تكتيكية، في موقف الجماعة من عدم المشاركة، تمهيدا للتراجع الكلي، حتى إذا ما شاركت الجماعة، في الانتخابات -على الأقل أمام أتباعها- يكون من باب ترجح المصالح، وليس من باب، التراجع عن المبادئ!!؟ ثالثا: أن الإقرار النظري، والتسليم ببعض القضايا، مع عدم العمل بمقتضاها، خلل كبير لا يقبله شرع، ولا يقول به عقل.. فإذا أقر الشيخ اسامة بوجوب الحفاظ على الدولة، فأين الجماعة من ذلك، وهي تشارك في تحالف من شأن أفعاله أن تؤول إلى هدم الدولة، ووقف نموها؟ وبماذا نفهم قول أحد القادة -حينما عاتبني على بحثي بحرمة الامتناع عن دفع فواتير الكهرباء والماء والغاز- (إننا سنبني الدولة لو هدمت بصورة أفضل مما عليه الآن) وإذا كان الإقرار بالدية، وشرعيتها، حقيقة فأين الجماعة من تلك القناعة، باعتبارها سبيلا يخفف الاحتقان، ويعمل على تهدئة النفوس؟ رابعا: لدى الحركة الإسلامية هاجس كبير، من مناقشة الاختلافات الفكرية على الملأ، فهي دائما تريد أن تكون كل نقاشاتها سرية، وبعيدة عن أتباعها، بينما من المفترض أن الشأن، شأن دين، ويجب أن يكون أمام الأتباع مطروحا، بكل أدلته الشرعية، فهل ثمة في التاريخ اجتماع أشد حساسية، ولا أخطر على مسيرة الأمة من اجتماع سقيفة بني ساعدة؟ ومع ذلك نقله الصحابة، إلينا ولم يتحرج من نقله أحد من الرواة! ولا أدري هنا ماذا يقصد الشيخ أسامة، بعتبه على الشيخ عبود، ارسال رسالته الى الإعلام قبل الحزب؟ فإذا كان يقصد حمايته من الكتائب الشتامة الالكترونية؛ فإن الأمر واقع، أرسلت إلى الحزب أم لم ترسل، لمعرفة الناس برؤية الشيخ عبود، من مجموع عدة مقالات سابقة فليس الأمر بجديد. خامسا:أن مطالبة الإخوان بمراجعة موقفهم، يقصد به مراجعة مواقف التحالف الشرعي لأفعاله التي تؤول إلى هدم الدولة، فإن كانوا قد أجروها فليعلنوها، وإذا لم يكن فليجروها، فما الفائدة من مراجعة حبيسة الزنازين والشباب يزهق، والاقتصاد يدمر، والوطن يضيع، فماذا كانت تفيد مبادرة الجماعة الإسلامية، لو لم تعلنها، ولم تأخذ طريقها الى القواعد والشباب؟ثم لا أدري ما الذي قاله الشيخ عبود، في حق الإخوان حتى ينتظر؛ ليخرجوا ويردوا عليه؟إن كل ما قاله الرجل، دعوة صريحة، إلى مراجعة المواقف وهو أمر يجريه العلماء على اجتهاداتهم، أفلا يجريه من هو أقل منهم على مواقفه!! وأخيرا..طَرَح الشيخ عبود رؤية أولية، لمنطلقات عامة، تصلح أن تكون أرضية لأية مبادرة، تراعي مصلحة الوطن، ولم يُصدر فتاوى بشأن وقائع بعينها، حتى يُدعى إلى مراجعة أهل الاختصاص، مع العلم يا شيخ أسامة أن الهمس في الأذن يكون في الهاتف، أو في الجلسات الخاصة الحانية،....وليس على صفحات الفيسبوك.