قرأت "إنفراد" الأهرام يوم 6 يونيو بعرض مشروع قانون دور العبادة الموحد و برغم أن عرض المواد كان موجزا دون تفاصيل إلا أنه أعطى فكرة عامة و كافية عن المشروع ، و خطر لى عند قراءة المشروع قصة الأب الذى كان لديه ولدان أحدهما قصير و الآخر طويل فاره الطول فأراد أن يعدل بينهما عدلا مطلقا فاشترى لهما قميصين قصيرين فبينما ناسب الولد القصير قميصه فإن الولد الطويل بدا كشخصية كارتونية و هو يلبس قميصا يصل إلى منتصف بطنه فأعاد الأب القميصين و اشترى قميصين طويلين بدا أحدهما ملائما جدا للولد الطويل بينما ظهر الولد القصير و كأنه عقلة الأصبع و هو يتعثر فى القميص الواسع الطويل ، و غفل الأب عن أن العدل يقتضى أن يشترى لكل ولد قميصا بالطول الذى يناسبه. عندى إعلان أساسى و ثلاث ملاحظات جوهرية قبل التعليق على مضمون القانون ، أما الإعلان الأساسى فهو أننى أؤيد حق كل مواطن مصرى مسلم أو مسيحى من أية كنيسة معترف بها فى مصر أن يجد مكانا مناسبا و ملائما للعبادة و يسهل الوصول إليه بدون مشقة. و أما الملاحظات الجوهرية ، فأولا لماذا العجلة فى إصدار هذا القانون فى صورة مرسوم بقانون عقب أحداث إمبابة و التى لم يكن غياب مثل هذا القانون سببا فيها و فى ظل غياب سلطة تشريعية منتخبة من الشعب؟ لماذا لم يتم تأجيل هذا القانون لحين انتخاب مجلس الشعب الذى يمكنه آنذاك أن يناقش كافة التفاصيل و الآراء و ينتهى إلى ما هو أصلح؟ إن هذه الخطوة الاستباقية تغل يد مجلس الشعب القادم عن أى تغييرات جوهرية فى هذا القانون و التى قد يساء فهمها و تفسيرها على أنها اضطهاد لهذا أو محاباة لذاك ، و ثانيا لماذا تم إعداد القانون فى غياب مشاركة مجتمعية ؟ و لماذا لم يطرح للرأى العام لمناقشته و تقييمه؟ و هل لازال المطبخ السرى للقوانين لدى الحكومة يعمل بكفاءة على الرغم من غياب د. مفيد شهاب و د. فتحى سرور؟ و ثالثا فإنه قد بدا لى أن من صاغ هذا القانون شعر أن الشروط الحالية لبناء المساجد ميسرة و لبناء الكنائس معسرة فشدد من شروط بناء المساجد و تساهل فى شروط بناء الكنائس ليصل إلى المتوسط الحسابى للأمرين فكان كمن وجد الأرز مالحا جدا و الشاى مسكرا جدا فسكب الشاى على الأرز ليحصل التعادل بين ملوحة الأرز و حلاوة الشاى ، و هذا المنطق يغفل عن حقيقة دور كل من المسجد و الكنيسة فى حياة أتباعهما ، فبينما يندب لذكور المسلمين الصلاة فى جماعة فى المسجد خمس مرات فى اليوم و الليلة فى كل الأحوال صيفا و شتاءا ، بردا و حرا ، نهارا و ليلا ، نورا و ظلاما ، مطرا و شمسا ، مشيا و ركوبا ، إلخ ، و يفرض عليهم صلاة الجمعة مرة فى الأسبوع بخلاف ما يجرى فى المساجد من جمع و توزيع الزكوات و دروس للعلم و تراويح و تهجد فى رمضان كل ليلة و على مدار ساعات الليل و خلافه من أنشطة أخرى ‘ فإن الملتزمين من أتباع الكنيسة يلتزمون حضورها مرة أسبوعيا لحضور قداس أسبوعى بالنهار و ربما يرتادونها فى أوقات أخرى لحضور عظات أو ترانيم أو لأنشطة ترفيهية و اجتماعية و خيرية. و قبل الدخول فى تفاصيل القانون دعنا نذكر بأهم شروط بناء المساجد التى أقرها مجلس الوزراء عام 2001 و لاقت هجوما شديدا آنذاك باعتبارها تتعسف فى تقييد رغبات فاعلى الخير فى التقرب لله ببناء المساجد ، و نذكرها لنقارنها بما بما يقترحه القانون الجديد ، و هذه الشروط منشورة فى موقع وزارة الأوقاف على الرابط http://m-awkaf.org/?page_id=79 و هى كالتالى: 1- أن نكون المنطقة بحاجة حقيقة للمسجد المراد إنشاؤه 2- أن تكون المسافة بين المسجد و أقرب مسجد قائم 500 متر 3- ألا تقل مساحة المسجد عن 175 متر مربع 4- لا يصرح ببناء المساجد و الزوايا تحت العمارات السكنية 5- لا يجوز للمحليات التصريح ببناء مسجد إلا بعد موافقة الأوقاف 6- لا يقام المسجد على أرض مغتصبة أو متنازع عليها أو زراعية 7- يودع المتبرع ببناء مسجد مبلغ 50000 جنيه فى حساب لصالح بناء المسجد و ندخل الآن على تفاصيل القانون بحسب المنشور و ننظر إليه من زاوية بناء المساجد على وجه الخصوص ، و كما يقول المثل الانجليزى "الشيطان يكمن فى التفاصيل" ، أولا أعطى القانون تفويضا للمحافظين بالترخيص ببناء دور العبادة و هكذا ستنتقل سلطة الترخيص ببناء المساجد من المحليات و الأحياء إلى سلطة أعلى فسيكون محافظ القاهرة مسؤولا عن ترخيص بناء جميع مساجد محافظته من عزبة الهجانة و مدينة السلام إلى حلوان و 15 مايو و من شبرا إلى التجمع الخامس و الرحاب و رأيي أن هذا تعقيد لا مبرر له و يؤدى إلى بطء الإجراءات ، ثانيا اشترط القانون أن يتناسب عدد دور العبادة لكل ديانة مع عدد و كثافة السكان المقيمين و لم يحدد لنا من هى الجهة التى تستطيع تحديد هذا الأمر و ما هى المعاييرالقياسية التى يقاس عليها ؟ و ما هو عدد السكان المطلوب لبناء مسجد جديد؟ و هل يمنع ذلك من أن يبنى متبرع مسجدا فى الصحراء على طريق سريع فى منطقة خالية من السكان ليصلى فيه عابرو السبيل؟ ثالثا زاد القانون من المسافة المطلوبة بين المسجد الجديد و أقرب مسجد من 500 متر بحيث لا تقل عن ألف متر و إذا افترضنا مواطنا يسكن فى منتصف المسافة بين المسجدين فمعنى ذلك أن علي هذا المواطن مهما كانت صحته أن يمشى نصف كيلو متر لأداء كل فرض فى برد الشتاء و حر الصيف ، رابعا زاد القانون المساحة المطلوبة للمسجد للترخيص له من 175 متر مربع إلى 1000 متر مربع و من المناسب أن نتذكر حديث النبى –ص- "من بنى لله مسجدا و لو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا فى الجنة" فالحمد لله أن الله يعطى هذا الأجر دون التقيد بمساحة المسجد المبنى و كذلك نتذكر أن مسجد النبى –ص- كانت مساحته 35 فى 30 مترا بمعنى أنه حوالى 1000 متر مربع أى أنه بالكاد يحصل على موافقة مجلس الوزراء و أخيرا يستمر حظر بناء المساجد تحت البيوت و العمارات السكنية بما يسبب تعقيدا لا مبرر له و حرمانا للأهالى من بناء مساجد قريبة من أماكن سكناهم بتكلفة معقولة تدخل ضمن تكلفة بناء العمارة ، والشرطان الأخيران يعنيان أن من يريد أن يبنى مسجدا فى منطقة سكنية قديمة أو منطقة شعبية أو فى منطقة تجارية فى وسط المدينة فعليه أن يوفر قطعة ارض ألف متر و هو أمر تعجيزى. و أخيرا نسى المشرع أن يضيف نصا لتأكيد ما هو بديهى و لكنه صار بحاجة لإعادة تأكيده هذه الأيام و هو أن دور العبادة كلها رغم قدسيتها تخضع لولاية الدولة و السلطات و يسرى عليها ما يسرى على سائر الأماكن العامة من جواز تفتيشها و البحث عن أى ممنوعات فيها أو أشخاص مشتبه فيهم أو مختطفين بداخلها أو التحرى عن أى نوع من الجرائم قد تحدث فيها. ختاما أكرر أننى أؤيد حق كل مواطن مصرى مسلم أو مسيحى من أية كنيسة معترف بها فى مصر أن يجد مكانا مناسبا و ملائما للعبادة و يسهل الوصول إليه بدون مشقة، إلا إننى أرى فى هذا القانون تعقيدا لشروط بناء المساجد و إجحافا بحق المسلمين فى توافر دور العبادة الملائمة و على الحكومة أن تطرح هذا القانون للرأى العام و أن تتقى الله فى شعب مصر و أن تعى أن حل مشكلة ترخيص بناء الكنائس لا يكون بالجور على حق المسلمين فى بناء المساجد. د/ محمد الرملى كلية الحاسبات بجامعة القاهرة Dr. Mohammad El-Ramly http://www.fci-cu.edu.eg/~mramly/