لا يمكن ان يكون مارك فرانكو رئيس المفوضية الاوروبية بالقاهرة اسلاميا ولا محسوبا على الاسلاميين ،ومع ذلك فقد وجه انتقادات عنيفة للتيار الليبرالي في مصر بسبب شكواه من الاسلاميين، بدلا من العمل على تنظيم صفوفه والتواجد في الشارع وكسب تاييد الناس. وما قاله السفير فرانكو قد يكون صحيحا، فالمناحة التي يقودها الليبراليون ضد الاسلاميين تثير الحيرة، كما ان حملات الاستعداء التي يمارسونها ضدهم تثير الاستغراب، فالاسلاميون قد يكونون القوة الاكثر تنظيما، وربما يحصلون علي الاغلبية في الانتخابات القادمة، لكن ذلك لن يتحقق فقط بفضل قوتهم وتواجدهم في الشارع وانما بسبب ضعف الاخرين! ومن الغريب ان الصراع بين الطرفين مازال يجري بنفس الاساليب المتبعة في عهد مبارك، فالليبراليون يتهمون الاسلاميين بالارهاب وجر المجتمع الى الوراء، والاسلاميون يتهمونهم بالالحاد والخروج على الشريعة، ومن الغريب ان الطرفين يمارس نفس اللعبة التي "برمجهم" عليها نظام مبارك! فالنظام السابق لم يكن يحبذ العمل السياسي بمعناه الحقيقي ، ولم يدخل ابدا في منافسة شريفة مع خصومه، فالمنافسة تتطلب مجهودا وعملا شاقا وسط الجماهير، لذا كان يحاول الاستمرار في الحكم لاطول فترة ممكنة بالوقيعة بين التيارات السياسية واستقطاب بعضها ضد بعض. ومن المثير للدهشة ان الجميع شاركوا بحسن نية او سوء نية في هذه اللعبة، وحتى الاحزاب الكرتونية في عهد مبارك، شاركت في اللعبة على امل اثبات وجودها، وهذا بالتحديد ما دفعها لمشاركة النظام السابق في حملاته ضد هذا الطرف او ذاك، لتقنع في النهاية بما يلقيه لها من "فتات" ومقاعد هزيلة في البرلمان! ويبدو ان كل الاطراف في مرحلة ما بعد مبارك حريصة على ممارسة نفس اللعبة، فالليبراليون يرفعون اصواتهم محذرين من خطورة الاسلاميين، والاسلاميون يحذرون من خطورة الليبراليين، ومن المؤكد ان المستفيد الحقيقي من هذا الصراع هم فلول النظام السابق! صحيح ان هناك خلافات واسعة بين الليبراليين والاسلاميين ،وصحيح ان ما يجري بينهما هو هو صراع بين مشروعين سياسيين، لكنه يدار للاسف على طريقة مبارك، فبدلا من صراع الافكار والبرامج يتم تبادل الاتهامات بالتخوين والتكفير، وبدلا من تشكيل الاحزاب وممارسة العمل السياسي وكسب تاييد الناس والاحتكام الى صناديق الانتخاب يتم الاستقواء باطراف اخرى لحسم الصراع! ولعل هذا مادفع الطرفين لمحاولة كسب ود المجلس العسكرى، ورغم اعلان المجلس وقوفه على الحياد، ودعوته كل الاطراف للتوصل الى حد ادني من التوافق، الا ان المحاولات لا تتوقف من اجل ادخاله طرفا في الصراع السياسي، مع ان المجلس العسكري في الحقيقة ليس مبارك! من الواضح ان سياسة "فرق تسد" التي زرعها النظام السابق هي السبب في كل ما يحدث الان، فهذه السياسة هي التي دفعت اطرافا في الماضي للتحالف مع نظام مبارك، بكل ما فيه من شمولية واستبداد وفساد، وهي التي تدفع نفس الاطراف الان للبحث عن بديل لمبارك لازاحة منافسيهم من الطريق! ان اي مراقب لما يجري على الساحة يخيل اليه ان نظام مبارك لم يسقط، فالحملات المتبادلة بين الليبراليين والاسلاميين هي نفس الحملات التي كانت تتم في الماضي، وما كان يقوله الرئيس المخلوع عن الاسلاميين هو نفس ما يردده الليبراليون الآن، بل ان استخدام نفس الشعارات والمفردات يوحي بان فلول النظام السابق هي التي تحرك الاحداث من الكواليس! الاقصاء هو الخطر الحقيقي الذي يهدد مصر، وهو السبب في كل ما عانيناه في الماضي من كوارث، فقد اقصى مبارك الاسلاميين بحجة حماية الليبراليين، ثم اقصى الليبراليين بحجة الدفاع عن الهوية الوطنية، ومارس نفس اللعبة بين الاسلاميين والاقباط، وكان هدفه الوحيد من ذلك هو حماية النظام، ومن المؤكد انه نجح في ذلك بدليل استمرار نظامه ثلاثين عاما! كل المؤشرات تقول ان الصراع الدائر بين الاسلاميين والليبراليين يصب لمصلحة النظام السابق وفلول الحزب الوطني ، فهؤلاء يدركون جميعا ان اي صراع بين المطالبين بالتغيير سوف يصب لمصلحتهم، ولا يوجد ما يمنع في مرحلة ما من اعادة النظام السابق الى الحياة بنفس مفرداته واساليبه وافكاره وبزعامة الصف الثاني والثالث من قياداته، وعندها سوف يدفع الجميع الثمن سواء كانوا اسلاميين ام ليبراليين. وصدق مارك فرانكو رئيس المفوضية الاوروبية بالقاهرة فما لم يتم تغيير اساليب الصراع بين الليبراليين والاسلاميين، ومالم يتم الاحتكام الى العمل السياسي وصناديق الانتخاب تحقيقا للديمقراطية والتغيير والعدالة الاجتماعية، فالمستفيد الحقيقي من كل ما يجرى هم فلول النظام السابق!