جاء تطوير الهجوم البري على غزة دلالة عميقة على فشل استراتيجية القصف في مواجهة استراتيجية الأنفاق. المقاومة ضد المحتلين المعتدين أمر قررته شرائع السماء ومواثيق الأرض وليس عملا من أعمال الارهاب او العنف او العدوان. إنما الارهاب الحقيقي هو الاحتلال والعدوان على اراضي الغير ونهب ثرواتهم وتشريد شعوبهم والشعوب الحية لا تعرف الاستسلام أو الركون للمحتل الغازي المعتدي على الأرض والعرض. الشعوب الحية لا تعرف إلا مواجهة الاحتلال والعدوان بالمستطاع من وسائل وأدوات المقاومة مهما كان تأثيرها ضعيفا فما بالنا إذا كانت مؤلمة وموجعة وتضرب العدو في العمق وتذهب باكذوبة القبة الحديدية إلى الجحيم. ولابد ان يعرف المحتل أنه لابد من دفع ثمن العدوان والاحتلال ولقد راكمت المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها خلال السنوات القليلة الماضية خبرات وتجارب وطورت من وسائل المقاومة ما جعل مبزان المعركة ينتقل من خانة اختلال ميزان القوة الى حالة من توازن الرعب وتوزن الكلفات المادية والبشرية. الاحتلال المجرد حالة من حالات العدوان الصارخ على الأرض والعرض فما بالكم إذا انضم اليه القصف العشوائي على القرى والبلدات الوادعة التي لا تملك أدنى وسائل مواجهة العدوان. ورغم كل التضيق والحصار من القريب والبعيد حققت المقاومة المسلحة على الأرض نوعا من الانتصار سمح لها بالتفاوض من موقع قوة وحررها من مفاوضات الإذعان بفعل اختلال ميزان القوى. بل وفوق ذلك يسمح لها ذلك الانتصار المحدود بفرض شيئا من شروطها وتحقيق شيئا من مطالبها ولو كانت يسيرة صحيح انه ليس انتصارا حاسما انما يظل توازن الرعب قائم ويظل دفع اسرائيل الثمن وارد. العدو الصهيوني لا يفهم الا هذه اللغة ولا بعترف داعموه في الغرب وأمريكا إلا بالقوة المؤثرة على الأرض. أما أوهام الريادة والدور الاستراتيجي فقد ضاعت عندما افتقدت النظم الاقليمية أدنى معايير الشرعية وجاءت إما اغتصابا واضحا للسلطة او توارثا لها ولم تكن للشعوب دورا يذكر في تسنم تلك القوى الحاكمة بالبطش مقاليد الأمور. وتحول دور مصر الاستراتيجي من وسيط كنا نشك في نزاهته إلى معبر عن مصالح طرف الاحتلال يظن وهما منه أنها تحميه مرحليا من غليان شعبي بفعل الفشل الذريع على كل المستويات. لقد كانت حرب غزة فرصة تاريخية يعزز بها من شرعيته المفقودة فإذا به يختار الموقف الخطأ ويختار التمثيل الخطأ ويختار الجهة التي يعبر عن مصالحا ليس الخطأ بل الجريمة التاريخية والاخلاقية الأمر جد لا هزل فيه والمقاومة المسلحة أصبحت الجدار الصلب الذي يستند له الشعب الفلسطيني بعد أن خدله ليس العالم وحده بل الجار والأخ وجعله يضيع ربع قرن من عمره في وهم المفاوضات ومتاهات اللجان الخمس وسراب حل الدولتين ودولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيه. اكتشف كثير من الفلسطينيين أنهم ما جنوا شيئا من المسار السلمي ولم يأخذوا منه إلا القبض على الريح وبيع الأوهام في سوق النخاسة الدولي المسمى بالأمم المتحدة. وتحت مطارق القصف الاسرائيلي تلاشى الدور الاقليمي المصري واختارا عباس ومشعل الدوحة مكانا آمنا للتباحث بشأن الهدنة بعد أن رفضت حماس المبادرة المصرية التي كانت أقرب ما تكون إلى صناعة العدو المحتل خالصة وعبرت عن أهدافه بأكثر مما عبرت عن مصالح الشعب الفلسطيني أو حتى عن المصالح المصرية الخالصة وعمق مصر الشمالي في فلسطين وليس في تل أبيب. مأساة أن يتم رفض المبادرة المصرية وتصبح مصر بكل هذا الهوان ويصبح دورها الاقليمي من أحادث التاريخ وتحضر تركيا وقطر كأحد الدول التي تمثل مفاتيح الحل اجتماع باريس وتغيب مصر. والمأساة الأكبر أن تخرج مصر من دائرة عواصم القرار العربي لتحتله دول أخرى. لقد فشلت عملية ما يسمى باللغة الاسرائيلية تلين الأهداف وأضحت الأهداف عصية على التليين مما استدعى التدخل الأمريكي والاوروبي السافر وخطت المقاومة فصلا جديدا من فصول الصراع جوهره أن لكل احتلال ثمن ولكل عدوان ثمن والتفاوض يحكمه شيئا من ميزان اعتدال فلا مكان لاتفاقات الاذعان ولا مكان لشروط الاذعان.