"مفيش معتقلين في مصر".. هكذا يصرح المسئولون منذ قيام ثورة 25 يناير، حيث ينفون بشكل تام قيام قوات الأمن والشرطة باعتقال أي مواطن، وبشكل قانوني فإن تصريحات هؤلاء المسئولين محقة، ذلك لأن الأنظمة التي توالت على حكم مصر منذ انهيار نظام الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك قد وجدت لها طريقة جديدة للتنكيل بمعارضيها السياسيين وكل من تسول له نفسه التعبير عن رأيه، بتواطؤ مع النيابة العامة والقضاء، والمشرع القانوني هو "الحبس الاحتياطى". فبحسب ما أكده العديد من القانونيين والعاملين بمجال حقوق الإنسان فقد تحول الحبس الاحتياطى إلى أداة يبطش بها النظام ويعاقب من يحيد عن هواه. وتمر الأيام وتتوالى الشهور وتسقط من أعمار شباب في عمر الزهور وهم منسيون وراء قضبان الحبس الاحتياطى، وقد حاولت "المصريون" أن تفتح ذلك الملف للكشف عن سبل استغلاله وإلقاء الضوء على ضحاياه. وبحسب ما ذكره جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فإن أعداد المحبوسين احتياطيًا في مصر يقدر تقريبًا ب10 آلاف من أصل 18 ألف مسجون في مصر، مشيرًا إلى أن النظام أصبح يستخدم الحبس الاحتياطى بديلاً عن الاعتقال ووسيلة يستخدمها النظام للانتقام من خصومه. وشدد عيد على أن استخدام الحبس الاحتياطى بهذا الشكل يعد إهدارًا لسيادة القانون وعقابًا لكل المخالفين لآراء السلطة. ومن جانبه أكد محمد الزناتى، المحامى الحقوقى، وعضو حركة شباب 6 إبريل، أن الحبس الاحتياطى تحول خلال الفترة الأخيرة مما يسمى ب"ظرف استثنائى" إلى عقوبة تستخدم بقضايا السياسيين بالرغم من عدم انطباق مبررات الحبس عليهم. وأوضح الزناتى، أن الأصل هو أن الحبس الاحتياطى ليس عقوبة وإنما هو إجراء تحفظي استثنائى من إجراءات التحقيق، مشيرًا إلى وضع المشرع لشروط معينة لاستخدامه، وهى حال خشية هروب المتهم أو خشية العبث بالأدلة حال تمتعه بنفوذ كبير يمكنه من ذلك أو التأثير على الشهود، فضلاً عن استخدام الحبس الاحتياطي لدواعٍ أمنية حال ما إذا كان الإفراج عن المتهم سيؤدى إلى ظروف أمنية سيئة واضطرابات كقضايا الثأر. وشدد الزناتى، على أنه لا يوجد أسباب تقضى بحبس الشباب صغير السن والنشطاء فاقدي النفوذ للوصول إلى أدلة وأحراز قضاياهم أو التأثير على الشهود، مشيرًا إلى أن غالبية القضايا تعتمد على تحريات الشرطة وفاقدة لأي أدلة أو أحراز. وحكايات المنسيين في زنازين الحبس الاحتياطى لا تنتهى وعداد الأيام والأشهر التي تتساقط من أعمارهم وراء القضبان دون تهمة واضحة أو حكم يقضى بإدانتهم يسير بسرعة جنونية دفعت بعضهم إلى الدخول في إضراب كامل عن الطعام في محاولة منهم لجذب أنظار العالم إليهم. ومن أبرز هؤلاء محمد سلطان، الذي انتزع من وسط أسرته وأصدقائه لا لشىء إلا انتقامًا من والده لتقترب مدة احتجازه على ذمة الحبس الاحتياطى إلى عام كامل دون إخضاعه لأي تحقيقات جادة، ولا يزال سجانه رافضًا منحه الحرية بالرغم من التدهور الحاد في صحته بسبب إصابة سابقة له ومضاعفات إضرابه عن الطعام منذ 26 يناير 2014، لينقل إلى العناية المركزة وسط صرخات ذويه واستغاثاتهم للإفراج عن شاب على وشك الموت عقابًا على جرم لم يعرفه حتى الآن. أما الدكتور إبراهيم اليمانى، طبيب اعتصام رابعة العدوية المضرب عن الطعام منذ أكثر من 175 يومًا، فقد تم تأجيل قضيته مرة أخرى ليستمر حبسه إلى 12 أغسطس المقبل وذلك بالرغم من التدهور الشديد الذي أصاب جسده حيث ظهرت أعراض إصابته بالفشل الكلوي وتدهورت حالة القلب ليصبح الطبيب مهددًا بالموت لا لشىء سوى لأنه لم يبخل على الجرحى والمصابين الذين سقطوا على يد قوات الأمن الغاشمة بعلمه. وقد أشارت ياسمين حسام الدين، المحامية الحقوقية، إلى أن أغلب المتهمين في القضايا الحالية ليسوا من معتادى الإجرام بل هم أطباء ومهندسون وطلبة، مؤكدة أن التهم التي يلقيها النظام على عاتق الشباب أصبحت معلبة وجاهزة وهى التظاهر والانتماء لجماعة محظورة وكلها اتهامات ملفقة ولا تحصل على أحكام نهائية. وبحسب ما قالته حسام الدين، فإنه بعد التعديلات التي أجراها المستشار عدلي منصور خلال توليه رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت فإن الحبس الاحتياطي لم يعد له حد أقصى في جرائم الجنايات. وأشار الزناتى، إلى أن تلك التعديلات التي أجراها منصور بموجب الإعلان الدستوري الذي أصدره جاءت بعد أن صدر قرار بإخلاء سبيل الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وقد كشفت حسام الدين عن عدم وجود ضمان لاختصام أي جهة قضائية أصدرت قرارًا بالحبس الاحتياطي دون مبرر، مؤكدة أنه لا يمكن استئناف قرارات الحبس الاحتياطي إلا كل 30 يومًا. كما اتهمت المحامية الحقوقية رجال الداخلية من ضباط ومأموري السجون بتعمد عدم إحضار المتهمين في المواعيد المحددة لجلسات تجديد الحبس الاحتياطي، ما يؤدى إلى تأجيل النظر بالقضية، فيقضى المتهم أيامًا أخرى قد تصل إلى 15 يومًا في السجن لا تحتسب من مدة الحبس الاحتياطي فيقع في منطقة فراغ تشريعي بقانون الإجراءات الجنائية. وأشارت حسام الدين، إلى العديد من القضايا الشهيرة التي يستخدم بها الحبس الاحتياطي كعقاب منها قضية معتقلي مسيرة الاتحادية والتي من بينهم سناء سيف شقيقة علاء عبد الفتاح ويارا سلام الباحثة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي خرجت خلال اليوم العالمي للتضامن مع المعتقل المصري، ففي سابقة لم تحدث من قبل اختفى القاضي دون أن يصدر الحكم ليعلن حارس المحكمة عن تأجيل القضية إلى 13 سبتمبر وهو ما يعنى حبس المتهمين لمدة 75 يومًا في قضية جنح، مشيرة إلى ما حدث من قبل خلال قضية معتقلي الشورى والمتهم الرئيسي بها علاء عبد الفتاح، حيث ظلوا بالحبس الاحتياطي لمدة تزيد على 100 يوم بالرغم من انتفاء كل مبررات الحبس الاحتياطى ودون تحديد موعد معين للنظر بقضيته ولم يكد يصدر قرار بالإفراج عنه حتى جاء حكم سريع بسجنهم لمدة 15 عامًا. أما ياسين صبرى، عضو جبهة طريق الثورة ثوار، وعضو حزب مصر القوية، والذي تم إلقاء القبض عليه عشوائيًا من محيط جامعة الأزهر وتم اتهامه بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين والتظاهر، فقد تقرر في أول جلسة يحضرها منذ إلقاء القبض عليه في 12 يناير تأجيل قضيته شهرين ليكون موعد الجلسة الثانية 17 سبتمبر. والغريب أنه كان من المقرر أن تكون أولى جلسات صبري في يوم 28 مايو إلا أنه تم تأجيلها أكثر من 4 مرات لتعذر نقل المتهمين من قبل الداخلية، وذلك بعد أن تجدد حبسه لمدة 137 يومًا بصورة دورية دون تحقيقات أو عرض على النيابة أو حتى محاكمة فقط تجديد غيابي على الورق. وهو ما أوضحه الزناتى، حيث أكد أنه في بعض القضايا يجدد حبس المتهمين دون حضورهم من السجون، فضلاً عما تقوم به النيابة في كثير من الأحيان بالتجديد لما يقرب من 500 متهم بمحضر واحد، مشيرًا إلى أنه من غير المنطقي أن يكون موقفهم القانونى جميعهم واحد. وبحسب ما قاله مختار منير، المحامى الحقوقى، وعضو جبهة الدفاع عن متظاهري مصر، فإن المشرع المصري اتخذ قانون الحبس الاحتياطى عن فرنسا وبلجيكا كإجراء وقائى لحين الانتهاء من التحقيق، موضحًا أن قرار استمرار الحبس لمدة 4 أيام وهو أولى خطوات الحبس الاحتياطي لم يعد موجودًا خلال الفترة الأخيرة وأصبحت قرارات النيابة تبدأ دائمًا من 45 يومًا، و15 يومًا حال تعاونه. واتهم منير بعض أعضاء النيابة وقضاة التجديد بعدم الاستماع للدفاع أو مراعاة الحالة الصحية أو الاجتماعية للمسجونين، فضلاً عن التعسف في قراراتهم باستمرار الحبس. وكشف منير عن حديث دار بينه وبين أحد وكلاء النيابة الحاصلين على صلاحيات القضاة، حيث قال له إنه سيوافق على من سيستأنف قرار الحبس في نفس اليوم فقط، أما بعد ذلك فهو مرفوض بالرغم من أنه قانونًا الفترة مفتوحة. ووصف منير النيابة العامة والقضاء بجنود حماية النظام القائم، متهمًا إياهم بعدم التفرقة بين متظاهر يعبر عن رأيه وبين مجرم يمارس الإرهاب بالسلاح. وكان للصحافة نصيب كبير من مطرقة الحبس الاحتياطى فأحمد جمال زيادة مراسل شبكة يقين الذي تم اعتقاله يوم 18 ديسمبر عام 2013 خلال تغطيته لأحداث جامعة الأزهر خير مثال على التعسف في استخدام الحبس الاحتياطي حيث مر على إلقاء القبض عليه ثمانية أشهر بالرغم من أن الحرز الوحيد في قضيته هو "كاميرا". وأوضح منير أنه بالرغم من تقديمه لأوراق من الشبكة تفيد بأن زيادة كان يقوم بواجبه الصحفي فقط إلا أنه لا يزال يحصل على قرارات باستمرار حبسه على الدوام. ولم يكن وضع المصور الصحفي محمود أبو زيد الشهير ب"شوكان" أفضل حالاً من زميله زيادة، فلا يزال تتجدد له قرارات استمرار حبسه منذ إلقاء القبض عليه خلال تغطيته لأحداث فض اعتصام رابعة العدوية بشهر أغسطس الماضي دون أن توجه له أي اتهامات أو يخضع لأى تحقيقات.