وأخيرا انتهى مؤتمر الحوار الديني والثقافي(10-1132006م) الذي دعت إليه الحكومة الدانمركية، وشارك فيه الأستاذ عمرو خالد الداعية المصري المعروف وداعيتان آخران من الكويت واليمن ، دون أن يصدر عن المؤتمر بيان ختامي، في إشارة واضحة إلى فشل ذريع أصابه؛ حيث لم يتوصل المشاركون إلى اتفاق حول ما كان يدعو إليه الأستاذ خالد ، حين تجاوز موقف جمهور العلماء والمفكرين ،وشق الإجماع الإسلامي الممتد من طنجة إلى جاكرتا – مع بالغ الأسف- تحت مبررات غاية في العجب والغرابة. وأيّا ما حاول المرء إثبات عدم جدواها قبل انعقاد المؤتمر فيبدو أن ليس أبلغ من نتائج المؤتمر الفعلية . ومع أنه لم يكن عسيرا الجزم بتلك النتائج سلفا، إذ كما قال الفيلسوف الأمريكي ( وليام جيمس ) :" لست مضطرا أن أتجرع ماء المحيط لأثبت أنه مالح " ؛ لكن حين يستبد الإعجاب ، بكل ذي رأي ، فيغدو عبثا السعي نحو النصح والإقناع حتى لو صدر ذلك عن أعلى المرجعيات – إن صح الوصف- وهو أمر فلسفي جدير بالتوقف عنده طويلا في عملية التكوين التربوي والدعوي ! ومع أنه نُقِل أن الأستاذ عمرو خالد كان صرّح من ( كوبنهاجن) قُبيل انعقاد المؤتمر اشتراطه تقديماعتذار للمسلمين من قِبِل الحكومة الدانمركية كشرط للمضي في الحوار؛ غير أنه من غير المفهوم كيف يشترط ذلك في ديار القوم، وبعد أن وطأت قدماه أرضهم، وقد سبق لرئيس وزراء الدانمرك ووزير خارجيتها الرفض تلو الرفض، بل إن وزير الخارجية ( بيتر ستيغ مولر) يصرّح أثناء انعقاد المؤتمر – حسب الجزيرة نت في 1232006م- " أنه لا يتوجب على الاتحاد الأوروبي تغيير قوانينه المتعلقة بحريّة التعبير". مع الأخذ في الاعتبار أن تمويل المؤتمر جاء على نفقة الخارجية الدانمركية. وهذا ما تم تجديده بالفعل، فلم يُؤبه لشرط الأستاذ خالد ، كما لم يُلتفت إلى دعوته - في سياق المؤتمر- حكومة الدانمرك إلى الاعتذار للمسلمين عن الإساءة ، وتعليم الدين الإسلامي للراغبين . وهي مطالب – حسب الجزيرة نت- " قوبلت بالرفض ". ويتساءل بعض المفكرين " عن السبب وراء قيام الداعية الشهير بطرح نفسه مرة واحدة زعيما يقرر مسيرة أزمة عالمية الأبعاد، وهل بات عمرو خالد يرى في نفسه ندّا للعلماء المسلمين الكبار، الذين كادوا يجمعون على ضرورة التصدّي للإهانة الموجهة لنبي الإسلام وقيمه حتى بحركة احتجاج ومقاطعة شعبية". (بشير نافع ، دعاة وعلماء: أزمة مستعادة في الخطاب الإسلامي، الجزيرة نت: 1232006م). وفي ظن كاتب هذه السطور أن أبز الأسباب التي أدت إلى حدوث ما حدث هو تراجع الموقف الشرعي العلمي المستنير، وترك المجال للعلماء التقليديين والوعاظ الشعبيين، وتشجيعهم بلا ترشيد وتوجيه . ويؤسفني أن أقول إن بعض علماء الشريعة الذين كان يعوّل عليهم القيام بدورهم الأصلي في التوجيه والوعظ والإرشاد على أصوله باتوا أشبه بتلامذة صغار في مدرسة الوعظ الشعبي على نحو أو آخر . أيّا يكن (الاجتهاد) الخاطئ الذي وقع فيه الفضلاء ذوو الدعوة فإن الاستمرار في طريق الخطأ يُعد تقحما له على بصيرة . ومع أنه من الصعب تحليل ما جرى من محاولة إثناء الأستاذ خالد ومن وافقه على فكرته أمثال الدكتور طارق السويدان والشيخ علي الجفري وفق منطق علمي أو مسوّغ واقعي متماسك ؛ رغم ترديد ذلك كثيرا قبل انعقاد المؤتمر؛ بيد أن ليس أمامنا – وقد وقع ما وقع – إلا التقاط خيوط المشكلة، وتدارك الأمر، والمراجعة الجادة الجريئة، التي أبرزها إدراك أنه أيّا تكن المصالح المتوقّعة مستقبلا من وراء الإقدام على تنفيذ إجراء كوني كبير كهذا فإن أكبر مفسدة حققية – لامتوهمة –تكمن في الشرخ العميق الذي يوقعه الخروج على الإجماع ، ناهيك عن الإسهام – غير المقصود – في تعميق مسلك الغلو، الذي زعم الأستاذ خالد أنه بمشاركته في المؤتمر يسعى لتفويت الفرصة على دعاة الغلو وجماعات العنف، فكيف يتحقق ذلك وهاهي ذي نتائج المؤتمر تؤكد – في ظنهم – مصداقيتهم في مقابل عبثية المشاركة . والسؤال لماذا لم يلتفت إلى أهل العلم والرأي والتجربة، بل كان تسفيه موقفهم وتجاوزه، بدعوى ضعف إدراك الواقع وملابساته ؟ . ولئن صدق ذلك في حق بعض أهل العلم الشرعي فأنى يصدق –مثلا- على فضيلة الإمام يوسف القرضاوي رئيس مجلس الإفتاء الأوروبي ، ورئيس الهيئة العالمية للعلماء المسلمين ، بعد أن طُلب رأيه للاستئناس، كما تبين بعد ذلك . ولما كان الموقف على خلاف ما أراده أصحاب المبادرة؛ فإن وصفه – على نحو مباشر أو غير مباشر – بضعف إدراك الواقع الغربي وتحدياته هو الاتهام والتبرير في آن!!. وأخيرا فإن من أخطر ما في الموقف أن ينقدح في أذهان بعض العامة وأنصاف المتعلمين أن ما كنا نعدّه من أبرز محاسن الفكر السنّي المتمثل في تحرره من المرجعية البشرية القائمة في الفكر الشيعي الجعفري على التقليد المباشر للمرجعيات البشرية بات- بسبب هذا الموقف وما في حكمه - يُنظر إليه على أنه أحد الأسباب الجوهرية لحدوث الفوضى العلمية في الفكر السنّي. وكأن المخرج هو تبني المنهج الشيعي لتجاوز أزمة ادّعاء المرجعية من كل أحد !!! [email protected]