شعرت بخيبة أمل كبيرة وأنا أتابع تطورات مواقف وتصريحات وسلوكيات عدد من المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية القادم ، خاصة أولئك الذين كنت أتصور أنهم يملكون من العقل والحكمة ما يؤهلهم لتحمل مسؤولية المرحلة المقبلة ، وذلك بافتراض أن مصر ستظل جمهورية رئاسية ، مع تقليص حتمي لسلطات رئيس الجمهورية ، وليس جمهورية برلمانية ، ولكني الآن أكثر ميلا بالفعل إلى جمهورية برلمانية ، بعد صدمتي في رجلين كنت أعول عليهما بنسب متفاوتة لهذا السباق ،وهما الدكتور محمد البرادعي ، والمستشار هشام البسطويسي . جاء البرادعي محملا بخصائص ومميزات تجعله فرس رهان أنصار الحرية في مصر للمرحلة الانتقالية المقبلة ، بوصفه ليبراليا جادا ولم يلوث بمنظومة الفساد في عصر مبارك ، كما لم يكن أسيرا لها بأي وجه ، غير أن الرجل سقط بسرعة مدهشة فريسة عصابة من "صناع الطغاة" والمغامرين ، جعلته يتخذ أسوأ موقف يمكن أن يتخذه مرشح "جماهيري" ، فبدأ رحلته إلى الرئاسة باحتقار إرادة الشعب المصري والمطالبة بإسقاط الاستفتاء الذي صوت عليه ثمانون في المائة من المصريين في أشرف وأنظف استفتاء في تاريخ مصر ، وكنت أتصور أن البرادعي أسير محاولات استقطاب سيمكنه الإفلات منها كما أفلت من حصار علماني متطرف في فترة ما قبل الثورة ، ولكن خاب أملي بعد أن وجدت الرجل يغرق في اللعبة ، ويبدأ عمليات تنسيق وتخطيط أقرب إلى "التآمر" من خلال تمويل فضائيات وصحف جديدة ، بأموال طائلة ، وبأجندة خاصة ضد ملايين المصريين ، تحمل من الأفكار والرؤى والتوجهات ما يمثل ثورة مضادة حقيقية ضد آمال الشعب المصري وطموحاته في الحرية والديمقراطية والكرامة ، وتفرغ لما يشبه التحرش بالقوات المسلحة ومحاولات التهييج ضدها لأسباب مجهولة . الحرب العاتية التي يشنها الدكتور البرادعي الآن على الاستفتاء الدستوري ونتائجه ، ومطالبته بالعمل على عكس ما أراده الشعب ، ودعوته لتشكيل مجلس رئاسي وتأجيل الانتخابات وتكوين لجنة لصياغة الدستور الآن بدون الرجوع إلى البرلمان المقبل كما حدد الشعب ، هذا السلوك من شأنه أن يحرق البرادعي جماهيريا ، وإن أطرب بعض "المغامرين" الصغار من حوله وبعض المنتفعين من ضخ المال المشبوه في فضائيات جديدة بسخاء لافت وعطاء من لا يخشى الفقر !!، هل هذا سبيل شخص يريد من هذا الشعب أن يحترمه أو أن يختاره في انتخاب جديد أو حتى استفتاء ، شخص يقدم نفسه للشعب ويقول لهم "انتخبوني" ، في الوقت الذي يقول فيه بلسان حاله وبكل فجاجة لهذا الشعب "ضظ فيك وفي أصواتك" ، فما الرد الذي ينتظره البرادعي من هذا الشعب عندما يحين استحقاق الاختيار وإدلاء الأصوات ، إن أي مرشح يحتقر إرادة الشعب أو يستخف بها أو يحاول الالتفاف عليها بأي صورة سيحرق نفسه سياسيا بكل تأكيد. أيضا أشعر بالدهشة الشديدة من رجل قضاء مثل المستشار هشام البسطويسي وهو يساير موجة العبث بالدستور وإرادة الملايين بقوله أنه يحبذ إصدار الدستور أولا والانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية ، كيف يستبيح لنفسه رجل قضاء أن يتكلم بهذا الأسلوب الذي يعتبر الشعب غير موجود وأن إرادته التي وثقها في استفتاء كبير ينبغي أن تلقى في أقرب سلة "زبالة" ، ويتكلم في المسألة وكأن القضية مطروحة للنقاش ، وكأن الشعب لم يقل كلمته ، وكأنه لم يجر استفتاء صوت عليه ثمانية عشر مليون مصري ، هو لا يمثل إلا صوت واحد من الثمانية عشر مليونا ، وعندما يحسم الشعب اختياره يتوجب على رجل القانون والقضاء أن يكون أول من يقول : سمعنا وأطعنا ، وعليه أن يحشد قواه لمعركة أخرى يعود فيها إلى الشعب في انتخابات أو الاستفتاء على الدستور الجديد . والبسطاويسي الذي أحمل له احتراما لا يزول لموقفه الرائع أثناء صدام القضاة مع ديكتاتورية مبارك وعصابته ، أيقنت أنه أضعف من أن يتصدر لمنصب كهذا ، فقد لاحظت أنه رجل مجامل في الموقف بصورة لا تليق "بقيادي" ، فهو يتحدث في كل مجموعة يلتقي بها حسب "الريح" التي يلحظ أنها سائدة في الجلسة أو اللقاء ، أو كما يقول العامة "معاهم معاهم ، عليهم عليهم" ، وهذا لا يناسب مرشحا لرئاسة جمهورية مصر ، حتى لو كان المنصب شرفيا بعد ذلك . لا أتصور أبدا أن مصر لا تعرف إلا هذه الأسماء التي طرحت للمنصب حتى الآن ، فمصر كبيرة ، ومصر ولادة ، ومصر سخية بالكفاءات والقدرات ، وأنا على يقين من أن كثيرا من الشخصيات "الجادة" والمبهرة ستظهر في اللحظة المناسبة للترشح لهذا المنصب الحساس ، وأن ما يحدث الآن من جدل ونقاش ، هو من قبيل فترة "جس النبض" ، ولكنها أيضا ستكون مرحلة كافية لحرق شخصيات طامحة للمنصب وإنهاء أي فرص لها في النجاح أو القبول الجماهيري حتى من قبل أن تصل إلى لحظة التصويت . [email protected]