أختتم –اليوم- سلسلة مقالاتى عن بورصة الأوراق المالية المصرية بعدما أكون قد لخصت لكم فكرة سريعة عن آليات عملها والتعامل من خلالها، ولو أننى أعترف لكم – مقدمًا- بأننى لم أبحر معكم فى أغوار أسواق المال العالمية العميقة والمغرقة والتى تختلف عن البورصة المصرية أو أسبر بكم أغوارها الخطرة أو حتى - فى النهاية- أن أعرفكم مجاهلها ومسالكها الوعرة؛ فهى تتطلب إحاطة أكثر عمقًا من النواحى الفنية والمالية والجيوبولوتيكية بل والجيواستراتيجية، واهتمامًا أكثر صبرًا، ومشقة أكبر إجهادًا، فى تقصى الأبطال الفاعلين فى حومتها والزعماء الملهمين لفعالياتها، فلن نراهم بين جنباتها أو موسومين على شاشات عرضها ضمن أسماء أسهمها وأسعارهم السوقية وكمياتها وقيمها المالية، ولن نستمع لأخبارهم أو مساراتهم على شرائط الأحداث التى تبثها وكالات الأنباء، ذلك لأنهم يختفون وراء الأخبار ويستكنون خلف الجدران ممسكين بأجهزة التحكم من البعد، ويستقرون بعيدًا عن مرمى بصرنا وإن كانوا ظاهرين فى بصيرتنا، ماثلين فى مقدراتنا ومواردنا بل وأقدارنا الاقتصادية. فهم يحركون الأسعار ومن ثم كميات وقيم التداول فى عالم المال مؤثرين فى ذلك على عالم الأعمال فى سبيل تحقيق المصالح الحقيقية العليا للدولة الأكبر عالميًا والأهم تاريخيًا والأقوى عسكريًا والأكفأ اقتصاديًا بل والأرفه شعبيًا. وهنا تتوارد الرؤى والتحاليل والأفكار لتجلى الأسرار والخبايا فتخلط معها الأوهام والخيالات لتصور ذلك المارد الجبار المختفى الذى يرسم الخطط ويراقب تنفيذها لتصب فى النهاية فى جانب مصلحة الدولة الأعظم فى عالمنا المعاصر. فبين الحين والآخر تنكشف حقائق على السنة طائفة منهم آلت عليهم أنفسهم السوية وضمائرهم الحية أن يفجروها صاخبة فى أرجاء العالم مثل المدعو "وليم أسانج" مؤسس موقع ويكيليكس، وهى منظمة دولية غير ربحية قامت بنشر أكثر من 1,2مليون وثيقة سرية خلال العام الأول لإنشائها عام 2006، ثم توالت الأنباء لفضح ممارسات سرية فاجرة أتتها منظمات وأجهزة تلك الدولة الأعظم سواء السرية أو الظاهرة، لصون مصالحها على حساب سائر دول العالم قاطبة. ولازال العالم يتذكر فضيحة الأزمة المالية العالمية فى أكتوبر عام 2008 التى نشبت أول ما نشبت بإعلان رابع أكبر بنك استثمارى أمريكى إفلاسه (بنك ليهمان برازرز) ثم توالت بعده إعلانات إفلاس لمؤسسات مالية أمريكية كبرى تتساقط الواحدة تلو الأخرى فى تتال مضطرد كتساقط قطع لعبة الدومينو، ليصحو العالم فجأة على تبخر مريع لثرواته المالية التى جناها من بيع ثرواته المادية (الحقيقية) وأصوله الناضبة، وقد قدرت مؤسسات عالمية ذات حيدة وتجرد وموثوقة علميًا أن دول الخليج كمثال قد فقدت –فى تلك الأزمة – ما بين أربعة إلى ستة تريليونات دولار كانت مدرجة بحساباتهم البنكية الاستثمارية فى تلك البنوك التى أعلنت إفلاسها من جراء الأزمة المالية الأمريكية التى يعزو خبراء المال أسبابها إلى تغاضى أجهزة التشريع والتنفيذ والرقابة الأمريكية عن إسباغ الضوابط التشريعية والرقابية القانونية على الأدوات والمنتجات المالية التى كانت تستخدم هناك – عمدًا أو تواطؤًا - وأهمها أنشطه توريق الديون Securitization وأسواق المشتقات Derivatives Markets والصكوك المضمونة بالقروض العقارية Collateralized Mortgage Obligation (CMOs) ، ما يعنى أن الولاياتالمتحدة ومؤسساتها قد سطت على أموال دول العالم ولاسيما العرب التى خبأها أمراؤهم وسلاطينهم وملوكهم وحرموا منها شعوبهم، فأتى الحساب للحكام الخليجيين ليكون من جنس العمل لذا فلم نسمع عن أى مطالبات من الحكام الخليجيين لأموالهم المسروقة من سارقيها (مؤسسات المال الأمريكية) لأنها فى النهاية أموال مسروقة من شعوبهم؛ وتلك قضية أخرى تحتاج لفسحة من الوقت لشرحها. نعود إلى عنوان مقالنا لنكمل ما بدأناه حيث نعرض لآخر نظام من نظم التداول فى البورصة المصرية، وهو نظام "شراء الأوراق المالية بالهامش".
"شراء الأوراق المالية بالهامش" Margin Treading
وعلى دأبنا فى المقال السابق نقول إن ذلك النظام يشتمل على قواعد فنية ومالية للاستثمار إلى جانب أطر قانونية تحكم مساره وتضبط آلياته وتكبح فعالياته. فمن النواحى الفنية فإن الأصل فى شراء الأوراق المالية هو "الشراء النقدى" أى أن يودع المستثمر بحسابه لدى شركة السمسرة بقيمة ما سوف يأمرها بشرائها من أوراق مالية، أما النظام الآخر الذى نحن بصدده فهو نظام "شراء الأوراق المالية بالهامش" ويعنى أن المستثمر يكون بمقدوره أن يشترى الأوراق المالية بضعف ما لديه. فإذا كان هناك مستثمر يملك 100000جنيه فيمكنه أن يشترى بهم بالنظام النقدى أو يشترى ب 200000 جنيه بنظام الشراء بالهامش، فإذا باع وحقق نسبة أرباح 10% على إجمالى استثماراته فهذا يعنى أنه حقق نسبة أرباح 20% على أمواله أى أنه ضاعف استثماراته وفقًا لذلك النظام محققًا لنفسه ما يسمى بالرافعة المالية "Leverage". ويتقاضى المقرض سواء كان شركة السمسرة أو أمين الحفظ، فائدة قدرها 1.5% شهريًا على المبلغ المقترض ويخصم منه أى عمولات سمسرة عن تداولات المستثمر خلال الثلاثة شهور (مدة أجل القرض) بالطبع علاوة على عمولات الشراء والبيع والرسوم الأخرى التى تصل فى مجموعها اثنين فى الألف. أما بالنسبة للضوابط القانونية، فقد وردت فى الباب التاسع من اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992 لتحدد حقوق والتزامات كل من المستثمر الذى يتعامل بنظام الشراء بالهامش وشركة السمسرة وأمين الحفظ.
إجراءات الشراء بالهامش
وتتلخص إجراءات الشراء بالهامش الآتى:- -إبرام "عقد شراء بالهامش" بين المستثمر وشركة السمسرة يشتمل على حقوق والتزامات أطرافه وأن تتطابق مواده مع المعايير التى تقرها هيئة سوق المال. -على المستثمر سداد نسبة 50% من ثمن الشراء كحد أدنى(20% بالنسبة لمشتريات السندات الحكومية)، بالإضافة إلى سداد عمولات الشراء. -توضع الأوراق المالية المشتراة تحت يد وتصرف المقرض سواء كان شركة السمسرة أو أمين الحفظ لضمان قيام المستثمر بسداد باقى الثمن والعمولات أو لحين بيع تلك الأوراق المالية وقيام المقرض باستيفاء كل مستحقاته. -تقوم شركة السمسرة أو أمين الحفظ (المقرض) يوميًا بإعادة تقييم تلك الأوراق المشتراة بالهامش بقيمتها السوقية على أساس أسعار إقفال تداولها فى البورصة ومقارنتها بقيمة مديونية المستثمر فإذا زادت المديونية عن 60% (85% بالنسبة للسندات الحكومية) فإن المقرض يخطر المستثمر بتخفيض المديونية سواء بالسداد النقدى أو تقديم ضمانات أخرى تقبلها شركة السمسرة. -وعند تلقى هذا الإخطار يجب على المستثمر خلال يومين تخفيض مديونية بالطرق السابق الإشارة إليها وإلا تقوم الشركة نفسها بتخفيض مديونية المستثمر عن طريق تسييل الضمانات التى قدمها المستثمر أو بيع جزء أو كل الأوراق المالية التى بحوزتها. ونعود إلى مثالنا السابق فإذا اشترى المستثمر بنظام الشراء الهامش أسهم بقيمة 000 200جنيه وسدد الهامش النقدى بنسبة 50% (المقدم) وقدره 000 100 وقدم عدد من الضمانات بقيمة الباقى (وقيمتها 000 100) ثم حدث فى ذات يوم أن انخفضت القيمة السوقية للأوراق المالية المشتراة بالهامش لتصبح 000 160 جنيه (هنا تكون نسبة المديونية قد ارتفعت لتصبح 65.5%) فإن شركة السمسرة سوف تخطر المستثمر بأن يسدد لها40000 جنيه خلال يومين وإلا تقوم بتسييل جزء من الضمانات أو بيع أوراق مالية تحقق لها الرجوع لنفس نسبة المديونية السابق الإشارة إليها (50% ). - ويتم تقييم الضمانات المقدمة من المستثمر لشركة السمسرة أو أمين الحفظ على الوجه التالى:- خطابات الضمان المصرفية غير المشروطة بنسبة 100% الودائع البنكية بنسبة 90% الأوراق المالية التى تقبلها الشركة ويتوافر فيها المعايير التى تضعها البورصة وتعتمدها هيئة سوق المال بنسبة 100% القيمة السوقية. - يشترط فى الأوراق المالية التى يسمح بشرائها بنظام الهامش مجموعة من المعايير التى تضعها إدارة البورصة وتوافق عليها هيئة سوق المال وتصدر بها قائمة تبث على شبكة المعلومات الدولية لتصل إلى كل شركات السمسرة وكل المستثمرين، حيث يجب أن يتوافر فيها اعتبارات السيولة والنشاط.
التزامات شركة السمسرة /أمين الحفظ
-الحصول على موافقة هيئة سوق المال على مزاولة نشاط الشراء بالهامش. -التحقق من الملاءة المالية للمستثمر بما يغطى التزاماته المترتبة على الشراء بالهامش. - تسليم المستثمر عند التعاقد معه لأول مرة ثم مرة كل سنة، بيانًا يتضمن كل المعلومات المتعلقة بنظام الشراء بالهامش من حيث إجراءاته ومزاياه ومخاطره. - تقديم تقرير يومى مستقل يرسل إلى البورصة وإلى هيئة سوق المال يتضمن عمليات التداول التى تتم بنظام الشراء بالهامش. -إبلاغ شركة مصر للمقاصة والإيداع والحفظ المركزى بأى عملية شراء بالهامش فى ذات يوم تنفيذها. - بذل عناية الرجل الحريص فى إدارة حسابات الأوراق المالية للمستثمر سواء المباعة أو المشتراة. - إمساك دفاتر وحسابات مستقلة لعمليات الشراء بالهامش.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.