* نادي رجل سليمان بن عبد الملك وهو على المنبر قائلا : " ياسليمان أذكر يوم الآذان . فنزل سليمان من على المنبر ودعا الرجل فقال له : مايوم الآذان..؟. فقال الرجل : قال الله تعالى " فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين " . نعم .. وألف نعم , لعنة الله على الظالمين في كل زمان ومكان . لماذا الظلمات جمع والنور مفرد .؟ يقول ابن القيم : هذا من إعجاز القرآن لأن طريق الحق واحد ، وطرق الباطل متعددة" إن حق المظلوم لايسقط بالتقادم كما تسقط بعض الدعاوى القضائية بالتقادم لأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب يقول لها لأنصرنك ولو بعد حين . إن الظلم ذنب عظيم لأنه سبب الفساد والفتن والعقاب والمحن . الظلم منبع الرذائل ومصدر الشرور والسيئات . إذا انتشر فى أمة أذن الله بأفولها وسقوطها ونهايتها . الظلم سبب الفواجع والمواجع التي تعصف بالأمم والشعوب . حقا الظلم ظلمات فى الدنيا والآخرة .
* إن الظلم لايدوم ولا يطول لأنه يعتمد على فكر وعقل وسلوك غشوم . ولابد يوما ما مهما طال به الزمن أنه حتما سيزول . وسيعلم الظالمون عاقبة الغرور . لأن الله عز وجل يقول " وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ " . فنهاية الظالمين البوار والخسران في الدنيا والآخرة مهما زين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوه حسنا جميلا وهو في الأصل قبيحا ذميما . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية " أن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة , ولايقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة " . إن الظلم لايقيم دولة تريد أن تقوم من قعودها وتستيقظ من غفلتها وتنهض من كبوتها . إن العدل هو أساس الملك وخسر وخاب من بني ملكه على ظلم وشقاق ونفاق وسوء أخلاق . إن ميزان العدل لن ينضبط أو يعتدل فى أي دولة فى العالم والظلم يعشش فى أركانها . إن العدل هو الميزان وان اختل هذا الميزان اختل معه كل شئ .
* لقد قيل : من طال عدوانه زال سلطانه . وقال الإمام على كرم الله وجهه : يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم . ويقول صلى الله عليه وسلم : " من أشار إلى أخيه بحديده فإن الملائكة تلعنه وإن كان أخاه لأبيه وأمه " . فما بالكم بمن يشير لأخيه بالرصاص الحي المباشر ويقتله بدم بارد وهو سلمى أعزل لايملك شيئا مذكورا وما بالكم بمن يقتل آخاه ويحرق جثته ويرميها فى عرض الشارع لتنهشها الكلاب والذئاب . هل هذا شرع..؟ هل هذا دين..؟ هل هذا قانون ودستور..؟. يقول "مجاهد " : يسلط الله على أهل النار الجرب فيحكون أجسادهم حتى تبدو العظام فيقال لهم هل يؤذيكم هذا فيقولون إى والله . فيقال لهم هذا بما كنتم تؤذون به المؤمنين . وقال بعض الحكماء : أذكر عند الظلم عدل الله فيك وعند القدرة قدرة الله عليك . لايعجبك رحب الذراعين سفاك الدماء فان له قاتلا لايموت. وكان " يزيد بن حاتم " يقول : ماهبت شيئا قط هيبتي من رجل ظلمته وأنا أعلم انه لاناصر له إلا الله .
* وحكي أن الحجاج حبس رجلا ظلما فكتب إليه رقعة قال فيها قد مضى من بؤسنا أيام ومن نعيمك أيام والموعد القيامة والسجن جهنم والحاكم لايحتاج إلى بينة. وكتب فى آخرها : "ستعلم يانؤوم إذا التقينا غدا عند الله من الظلوم . أما والله إن الظلم لؤم ومازال الظلوم هو الملوم . إلى ديان يوم الدين نمضى وعند الله تجتمع الخصوم " . نعم . عند الله حتما ستجتمع الخصوم , الظالم والمظلوم , الحاكم والمحكوم , القوى والضعيف , الوزير والغفير . الكل سيقف أمام محكمة العدل الإلهية بلا محام يدافع عنه , أو أنصار يهتفون له , أو إعلام مضلل يزين للناس سوء أعمالهم . أو قضاء مهلهل يقلب لهم الباطل حقا والحق باطلا . وساعتها يود الظالمون لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا . الدنيا ساعة وقد مضى من تلك الساعة دقائق كثيرة , فعلى أي شئ يراهن الظالمون..؟ . هل يراهنون على الخلود فى الدنيا..؟ هل يراهنون على سلطانهم وأموالهم..؟ . كلا.. وألف كلا.. إنهم سيذهبون إلى الله حفاة عراة فرادى كما خلقهم أول مرة . فانتبهوا ايها الغافلون الظالمون .
* إن الظلم له صور متعددة وأشكال شتى في وطني . قتل الأبرياء ظلم . سجن الشرفاء ظلم . اغتصاب الفتيات ظلم . اعتقال القاصرات ظلم . أحكام الإعدام بسعر الجملة ظلم . تزوير الانتخابات ظلم . اقتحام البيوت فى غسق الليل والناس نيام ظلم. الانقلاب على إرادة الشعب بقوة السلاح ظلم . تلفيق الاتهامات بلا دليل من قانون أو دستور أو حتى بينة ظلم . رفع الدعم عن الطاقة والسلع الإستراتجية التي يستفيد منها فقراء هذا الشعب وهم الشريحة الأكبر ظلم . سد عجز موازنة الدولة من جيوب الفقراء والمساكين ظلم . تشريد المعارضين السياسيين من أوطانهم إلى كل بلاد العالم ظلم . تكدس عشرات المعتقلين فى غرفة ضيقة كالدجاج المذبوح ظلم . الحبس الاحتياطي الممتد إلى يوم يبعثون دون سقف محدود ظلم . الحكم على طلبة وطالبات فى عمر الزهور بكفالة تقدر بمئات الآلاف من الجنيهات وهم لايملكون مليما واحدا ظلم . أن يصبح كل بيت فيه شهيد أو جريح أو معتقل أو سجين أو هارب أو مطلوب أو متهم ظلم عظيم .
* أقول لكل الظالمين فى كل مكان وزمان حكاما كانوا أو مسئولين أو محكومين , أذكروا يوم الآذان , اذكروا يوم الطامة الكبرى , اذكروا يوم الصاخة , اذكروا يوم الحساب , اذكروا يوم يقول الله عز وجل بل وينادى " لمن الملك اليوم..؟ " فلا يرد أحد . فيقول الله عز وجل " الملك اليوم لله الواحد القهار " . لن يجد اى ظالم فى هذا اليوم لاموا كب ولا مراكب . لن يجدوا إعلاما ضالا مضللا . لن يجدوا قضاء مستأنسا . لن يجدوا أجهزة أمنية تدافع عنهم . لد يجدوا أجهزة مخابراتية تكتب لهم التقارير بما تهوى أنفسهم . لن يجدوا أنصارا تم شحنهم باجر مدفوع مسبقا للهتاف لهم ومناصرتهم وتأييدهم ظلما وبغيا وعدوانا . سيعض الظالمون أناملهم من الحسرة والندامة فى وقت لن يفيد فيه ندامة ولا يجدى فيه حسرة .
* خلاصة القول : ارفعوا الظلم عن هذا الشعب وافتحوا له نوافذ الحرية ولا تقيدوه بقيود العبودية وسلاسل الديكتاتورية . فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة . وبدلا من بناء السجون والمعتقلات لاستقبال دفعات جديدة كل يوم وكل ساعة , فهيا ابنوا المستشفيات لعلاج المرضى , وابنوا المدارس والجامعات لعلاج الجهل , وابنوا الاقتصاد لعلاج الفقر , وابنوا المساكن للمشردين فى الشوارع والطرقات . الظلم ضعف وهوان ومذلة للحكام قبل المحكومين . والعدل قوة وشرف وإنصاف إلى يوم الدين . دولة الظلم لاتدوم وعمرها قصير , ودولة الحق والعدل على طريق القوة والخلود تسير . أيها الظالمون : ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء .