تابعت كما تابع الكثير من المشاهدين لقاءكم المثير مع الإعلامية منى الشاذلي في برنامج العاشرة مساءً، والذي خُصص للرد على تصريحات الأستاذ صبحي صالح؛ وقد بدت لي بعض الملحوظات العلمية التي أتمنى أن لا يضيق بها صدرك، راجيًا أن تعيدَ النظرَ فيما قلت.. فالحقيقة المطلقة ليست ملكا لي ولا لك.. ولا لأحد أيا كان.. لن أتحدث عن موقفك من الإخوان المسلمين فذلك شأنك الخاص، ومن حقك أن تعتقد فيهم ما تشاء فأنت كاتب ومفكر لك اجتهادك، وقد أوتيت من العقل ما يجعلك مسئولا عن رأيك واعتقادك.واسمح لي أن أوجز لك هذه الملحوظات على النحو التالي: أولا: تحدثت عن كتاب (الشعر الجاهلي) للدكتور طه حسين وقلت إن مشكلة الكتاب أنه استبعد الشعر الجاهلي عند الاستشهاد على صحة القرآن؛ والحقيقة أن الأمر ليس هذا فحسب؛ وإنما مشكلة الدكتور طه أنه أراد التعامل مع النص القرآني كغيره من النصوص الأدبية، وقال بأنه لا يوجد دليل قاطع وملموس على صحة ما ورد في القرآن من القصص القرآني، يقول طه: "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا أيضاً، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي...وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح"، كما يقول في موضع آخر: "نحن قرأنا التاريخ ولم نجد فيه عاداً".. فهل هذا يُعقل يا دكتور خالد أن نتعامل مع النص القرآني بهذه الجرأة باسم المنهج العلمي؟! ثانيا: كشفت الأيام والدراسات اللاحقة عن أن كتاب (الشعر الجاهلي) لم يكن خالصًا للدكتور طه حسين؛ وإنما أُخذت أفكاره بقضِّها وقضيضها من المستشرق الإنجليزي (مرجليوث D.S. Margoliouth 1885 - 1940) وهو معروف بتعصُّبه وراجع إن شئت ما كتبه الأساتذة: مصطفى صادق الرافعي وحسن البنا ومحمود شاكر وأنور الجندي وغيرهم. ثالثا: كتاب (الإسلام وأصول الحكم) الذي نُسب إلى الشيخ علي عبد الرازق هو في حقيقة الأمر من تأليف الدكتور طه حسين؛ وأرجو ألا أُتهم هنا بالتجديف الفكري أو التخريف، ولكن بإمكانك التأكد من هذا الأمر بنفسك من خلال الأستاذ الدكتور محمد السيد الدسوقي – الأستاذ بقسم الشريعة بكلية دار العلوم، والذي عمل سكرتيرًا خاصا لطه حسين لما يربو على عشر سنوات؛ ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن بشدة هو: لماذا لم ينسب الدكتور طه الكتاب لنفسه؟!، والإجابة تكمن في أن الدكتور طه قد خشي من ردة فعل المجتمع المصري آنذاك؛ ففكر في شخص ذي حيثية ووضع اجتماعي مرموق يسمح له بمواجهة الإعصار المحتمل من قِبل المجتمع المحافظ آنذاك؛ فلم يجد أفضل من الشيخ علي عبد الرازق، شقيق الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر وهو بالمناسبة أول شيخ للأزهر يُعين من قِبل الملك وليس باختيار هيئة كبار العلماء. إذًا فلم يكن الدكتور طه أمينا ابتداءً في نَحْلِ الكتاب إلى الشيخ عبد الرازق، ولا انتهاءً في نقله لأفكار (مرجليوث) ونسبتها إلى نفسه. رابعا: عندما حضرت الوفاة الدكتور طه حسين كان من بين جلسائه العلامة الدكتور عبد المنعم خفاجي، والدكتور علي صبح، فسأله أحدهما: هل كتبت ما كتبت عن اقتناع أم لا؟! قال: لا والله، لم أكتبه عن قناعة وأرجو الله أن يغفر لي. وقد ذكر الأستاذ محمود شاكر أن الرجل قد رجع عن أقواله التي قالها في الشعر الجاهلي بما كتبه في (جريدة الجهاد)، وبما صارح به شاكر نفسه بعد ذلك، وصارح به آخرين، من رجوعه عن هذه الأقوال. غير أنه لم يكتب شيئا صريحاً يتبرأ به مما قال أو كتب. وهكذا عادة الأساتذة الكبار يخطئون في العلن ويتبرأون من خطئهم في السرّ. وأخيرا .. سيدي فأرجو ألا نتعامل مع قضية الدكتور طه بمنهج العناد والمكابرة الذي هو دأب كثير من الليبراليين واليساريين الذين يحملون على عاتقهم مهمة الدفاع عن الرجل لا لشيء إلا أن الأزهريين والإسلاميين هم الذين حملوا لواء التصدي له ومواجهة أفكاره؛ ومن ثم وجد هؤلاء لزامًا على أنفسهم أن يتصدوا لكل من يُهاجم الفكرة وصاحبها. وصدقني سيدي؛ لقد قرأت أكثر ما كتب الدكتور طه الذي يملك أسلوبًا أدبيًا رصينًا وأفدت منه إفادة بالغة، ولم أتعامل مع كتاباته بهذه العداوة التي تكتنف الحاملين للواء العلمانية عند تعاملهم مع أدبيات مخالفيهم، ولا أجد غضاضة في أن أقرأ لأكثر العلمانيين إغراقًا في العلمانية طالما لديَّ عقل يفكر.. فهل ستواتيك الشجاعة لتعيد التفكير بموضوعية في هذه القضية لتضع الأمور في نصابها؟! وأخيرا تقبل تحياتي... وليد عبد الماجد كساب كاتب وإعلامي مصري