كان للفنان العبقرى صلاح جاهين كاريكاتيراً مازلت أذكره حتى الآن يظهر فيه إثنين من المواطنين البسطاء ينظرون إلى إعلان لمسرحية "كعبلون" فيقول أحدهما للآخر: "يا أخى المثقفون دول عليهم كلام ، فاكر الإسبوع إللى فات لما طلعوا لنا فى كلمة دورينمات؟" و كان هذا بمناسبة زيارة الكاتب المسرحى السويسرى دورينمات لمصر حيث إحتفى به المثقفون المصريون أيما إحتفاء دون أن يعرف أغلب الناس من هو هذا الرجل و لماذا يستحق كل هذا الإحتفاء. و يرحم الله الولد الشقى الكاتب الساخر "محمود السعدنى" الذى كان دائم السخرية من المثقفين الذين يتقعرون فى الكلام ليُشعروا الآخرين بأهميتهم و عبقريتهم ، و من القصص الطريفة التى ذكرها فى كتابه "الطريق إلى زمش" عندما كان نزيلاً فى سجن الواحات و دخل أحد الصولات إلى الزنزانة و قال : عاوز واحد يكون نِوِر و بيفهم. و هنا قام الدكتور لويس عوض - أحد نزلاء الزنزانة – و أحد رواد ما يُسمى بالتنوير فى مصر – و قال: أنا. فقال له الصول: تعال عشان تسلك البكابورت. و قد كان ، حيث نجح الدكتور لويس عوض فى القيام بالمهمة على خير وجه. و هذه الحادثة بالمناسبة تثبت كذب الإدعاءات بأن التنويريين فى مصر لا يجيدون فعل أى شئ و أنه لو تحولت مصر إلى دولة ديمقراطية فإنهم لن يجدوا عملاً ، حيث أن مصر سوف تحتاج دائماً إلى من يسلك البكابورت سواءً كانت دولة ديمقراطية أو ديكتاتورية. هؤلاء المثقفين ماإنفكوا يخترعون الكلمات الكبيرة التى "تخض" دون أن تحمل معنىً حقيقياً يمكن فهمه أو التعامل معه أو حتى الإتفاق عليه. و من هذه الإختراعات ما يسمونه الآن ب "المواد فوق الدستورية" . فلما إكتشف المثقفون العلمانيون أنهم عاجزون عن التأثير فى جماهير الشعب المصرى و أنهم لن يكون لهم أى دور فى وضع الدستور الجديد للبلاد قرروا أن يضعوا أنفسهم فوق الشعب و إرادته و إختياراته و يخترعوا لنا هذه المواد الفوق دستورية التى – حسب فهمى المحدود – لا يستطيع تغييرها البرلمان المنتخب و لا الشعب فى إستفتاء و لا حتى الجن الأزرق. لماذا؟ ببساطة لأنها مواد فوق دستورية. و مشكلتى الآن هى أين سيتم كتابه هذه المواد؟ فالدستور هو أبو القوانين و بالتالى هى لا يمكن أن تكون جزءاً من قانون ، كما أنها لا يمكن أن تكون جزءاً من الدستور و إلا فإنها تصبح مواد دستورية عادية يسرى عليها ما يسرى على مواد الدستور الأخرى ، و المثقفين لم يريحوا أمثالنا من الدهماء و يحلوا لنا هذه المعضلة ربما لأنهم هم أنفسهم لم يعرفوا الحل بعد. و لذلك أقترح أن نخترع فى مصر شيئاً نتفرد به عن العالم و هو الوثيقة التى ستُكتب فيها المواد فوق الدستورية و لنسمها ب " الفُستور" – ال "فاء" من "فوق" و ال "ستور" من "الدستور" ، فيكون لدينا دُستور و فُستور و بهذا نكون قد حللنا المشكلة الأولى ، و أنا هنا أسجل براءة هذا الإختراع بإسمى. أما المشكلة الثانية فهى ماذا إذا قام البعض و طلب وضع مواد تكون "فوق فوق دستورية" و "فوق فوق فوق دستورية" و هكذا إلى ما لا نهاية؟ هذا الأمر يحتاج إلى دراسة موسعة من المثقفين فأنا لن أحل كل مشاكلهم مجاناً. المشكلة الثالثة حلها معروف و هى من سيضع هذه المواد؟ فالشعب جاهل و لا يمكن إئتمانه عليها ، كما أن البرلمان المنتخب من الشعب الجاهل لا يصلح ، لذلك لم يبق أمامنا غير هؤلاء المثقفين الذين إخترعوا هذا الإختراع العظيم و على رأسهم الفقية "الفُستورى" الدكتور عمرو حمزاوى