بعيدا عن سياق الحوار الدائر ,قاطع الإعلامي محمود سعد مداخلة الدكتور عصام شرف حول التيار الرئيسي متسائلا إن كان لايزال ممكنا وضع دستور جديد للبلاد قبل إجراء الإنتخابات البرلمانية أم أن الأمر أصبح مقضيا-وهي دعوة لاقت رواجا في بعض الأوساط في الأيام الاخيرة- فكان رد رئيس الوزراء أنه وبشكل شخصي كان يتمنى لو صار الأمر كذلك – وقد عبر الرجل عن أمنيته حين اختار كما قيل أن يصوت ب"لا" على التعديلات الدستورية – ولكنه استطرد أن هناك قواعد قد وضعت- في إشارة واضحة الى نتائج التعديلات الدستورية التي حددت معالم الفترة الانتقالية - لكن الأستاذ محمود سعد أراد أن يضفي مزيد من الغرابة على سؤاله فعقب مندهشا :" اذا كنت أنت تتمنى وأنت رئيس الوزراء فماذا نفعل نحن كمواطنين عاديين " ثم أردف أنه من الضروري تغيير ألية وضع الدستور بحجة أن هناك تيارات بعينها ستكون لها الغلبة في الانتخابات البرلمانية ومن ثم سيكون لهم التأثير في صياغة الدستور القادم للبلاد ومن هنا طالبه بالتدخل في ذلك بصفته رئيسا للوزراء أو على الأقل التوسط لدى المجلس العسكري )في حال كان الأمر خارج صلاحيات رئيس الوزراء (. وحتى يصبغ ذلك الطلب بصبغة ديمقراطية زاد الأستاذ محمود قائلا )أنت وزير ميدان التحرير الذي اختاره الشعب وبالتالي فكلمتك مسموعة ( فما كان من دكتور شرف الا أن أعاد ماقاله مرة ثانيه وهو أنه هناك أليات ( في إشارة الى اختيار نفس الشعب الذي عبرت عنه نتيجة الإستفتاء ( وهنا تدخل دكتور معتز بالله عبد الفتاح ليقول صراحة : ( لأ فيه استفتاء يا أستاذ محمود (. واذا تأملنا سريعا هذا الحوار سنرى عدة ملاحظات , أولها أن البعض لايزال يعيش أجواء ماقبل الثورة حيث رئيس الوزراء المطاع ورئيس الدولة الحاكم بأمره بغض النظر عن اختيار الشعب ورأيه. لقد هالني ماسمعته من الأستاذ محمود وهو يتساءل في دهشة عن حال المواطن العادي مع أمنياته إذا كان رئيس الوزراء لايستطيع أن يحقق ماتمناه !!! وكان رد دكتور شرف رائع إذ قال )تمنوا زيي ( فقد أراد أن يوضح بما لايدع مجالا للنقاش أننا في عصر رئيس الوزراء المواطن العادي الذي ليس له أن يوجه الشعب وفقا لرغباته لأنه لا يملك مطلق الصلاحيات وإن اختاره الشعب لأن عصر الإنفراد بالرأي قد ولى . الأمر الآخر هو أننا سواء اتفقنا مع نتيجة الإستفتاء وجدواه و مآلاته أو اختلفنا فيجب أن ندرك أنه صار واقعا ونتيجته ملزمة للجميع أو على الأقل لمن يؤمن بمعنى الديمقراطية واحترام اختيار الأغلبية. لقد كان واضحا أن الأستاذ محمود لايستطيع أن يكتم رجاءه(أو قل مخاوفه ( للدرجة التي دعته يسأل سؤاله البعيد عن الموضوع بشهادته, ولكن للحق أقول أن ذات الكلام هو لسان حال الكثيرين ممن يدعون بالنخبة وهم الذين دأبوا في الفترة الأخيرة على البحث عن مخرج للشعب المصري من مأزق نتيجة الإستفتاء, ذلك المأزق الذي أشعر أنه لايراه الكثير غيرهم. بات ذلك واضحا في حزمة من المقترحات انهالوا بها علينا فيما يشبه الانقلاب على الديمقراطية المتمثلة في نتائج الإستفتاء, فسمعنا عن مؤتمرات لوضع مبادئ عامة للدستور ومطالبات بتشكيل مجلس رئاسي وتأجيل الإنتخابات الى حد المطالبة ببقاء المجلس العسكري – على الرغم من تكراره اكثر من مرة عدم الرغبة في ذلك – في السلطة واخيرا سمعنا عن اقتراح غريب بإجراء استفتاء شعبي –وكأن الاستفتاء السابق كان مقصورا على فئة بعينها – على وضع دستور جديد للبلاد. وقطعا فلا أحد يحجر على رأي احد أو رؤيته وكل السعي مشكور طالما كان في مصلحة البلاد ,لكن أرى من الأحرى الأن الكلام فيما هو آت لا ما تم حسمه حتي و إن اختلفنا مع طريقة الحسم لأن ذلك إضاعة للوقت والجهد . أمر ثالث هو أن النخبة لا تقدم لنا تفسيرا عقلانيا لحالة الذعر التي تعيشها- والتي تريد للمجتمع كله أن يعيشها- إلا ثلة من المخاوف التي تبدأ بخطورة إجراء الإنتخابات في ظل تردي الوضع الأمني – على الرغم من تعهد الجيش بتأمينها – الى الخوف من سيطرة تيار بعينه على البرلمان مما ينتج عنه دستور مشوه لا يعبر عن رغبات الجماهير – وهنا أتسائل: وأين الجماهير من تلك المؤتمرات واللجان التي تعقد ضحى وعشيا -من أجل وضع مسودة أو مبادئ عامة للدستور ,هل يسمع بها من أحد ؟!! واذا سلمنا بضرورة وضع الدستور الآن قبل الإنتخابات, ألا يقودنا ذلك لانتخاب اللجنة التأسيسية لهذا الدستور في نفس الظروف الأمنية – إن لم يكن أسوأ- أم أن هناك من سيخرج علينا منفردا بدستور وقد أعده لنا آنفا ؟! أم سيتم تعيين هذه اللجنة لندخل في ذات الجدل الذي دار إبان تعيين لجنة التعديلات الدستوريه ؟! ولو سلمنا أن المجلس الرئاسي هو الحل الفعال لتلك المرحلة,فهلا أوضح أحد لنا ألية اختياره آخذا في الإعتبار استبعاد مبدأ تعيينه لما في ذلك من تبعات رأينا ظلالها في حركة المحافظين ومن ثم تكون الانتخابات هي الآلية المقبولة شكلا وموضوعا في كلا الحالتين )اختيار مجلس رئاسي ولجنة تأسيسية للدستور (. فهل نضمن الوضع الأمني آنذاك ؟؟ وهل نأمن سيطرة ذات التيار على كل من المجلس واللجنة ؟!! إن في كلا الحلين - في رأيي- إضفاء مزيد من الفوضى إلى فوضتنا التي نعيشها ومزيد من أحاديث السياسة التي صار لاطائل منها إلا ملء فقرات البرامج الحوارية . لا داعي لإضاعة المزيد من الوقت فيكفي ماضاع ونحن نناقش مفاهيم الدولة المدنية والدولة الدينية – ذلك النقاش الذي لاأظنه قد انتهى بعد – دون التطرق للنظر لحال تلك الدولة أصلا . إن مانراه ونسمعه من تلك المطالب – إن أحسنا الظن بأصحابها – لا يسعني إلا القول بأنها تبدو وكأنها استحضار لأسلوب ونهج مبارك في فرض رأيه على الشعب وعمل مايراه صوابا دون الإلتفات للشعب – الذي لم يكن له أي خيار – بدعوى أنه الأعلم بالصالح العام . أم لعله الحنين للقهر والشوق لأيام كسر الإرادة وتحطيم أمال الشعوب على صخرة الإستبداد ؟!! هل خلف مبارك بداخلنا نفوسا لاتقوى على العيش دون أن يقهرها احد حتى صرنا نتوق للقهر ؟!! هل كان عمر سليمان محقا حين أعلن أننا غير جاهزين للديمقراطية لأنه كان يعلم أننا لن نحتمل أن تأتي الرياح ) صناديق الاقتراع ( بما لا تشتهي السفن ) رغباتنا ومصالحنا ) , حتي بتنا نبحث عمن يقهر لنا المخالفين في الرأي ويفرض إرادتنا عليه ؟!!