أنعم الله سبحانه وتعالى على الأمة الإسلامية بأن شرع لها عبادات وطاعات تصلح دنياها وآخرتها، ومن بين هذه العبادات الجليلة صوم شهر رمضان الفضيل الذي يعد أعظم مدرسة تطهر النفس والقلب وتُقَوِم السلوك وتنمي الفضائل وتقرب الله من عبده وترتقي به إلى أعلى الدرجات.. وحتى يظل عطاء عبادة الصوم مفتوحًا متنوعًا تظهره التجربة التاريخية الاجتماعية والواقع المعاش، لم يعدد لنا الله جلت قدرته في آيات الصيام أنواع الخيرات التي سنحصل عليها من وراء هذه العبادة.. فإن لله في شرعه أسرارًا، وله في أحكامه حِكَمًا، وله في خلقه مقاصد، فمن هذه الأسرار والحكم والمقاصد ما تدركها العقول، ومنها ما تقف عندها كآلة، فقد أرشدنا الله سبحانه إلى الصيام فقال تعالى: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون}البقرة: 184 وذلك لما له من فضائل وفوائد عظيمة، ومن بينها:
أولًا: الصوم عاصم وحاجز من الشهوات وحماية من ارتكاب الفاحشة، وقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم للأعزب الذي لا يقدر على الزواج فقال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء". ثانيًا: يقي الصوم العبد من المعاصي وارتكاب ما حرم الله من الذنوب المختلفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري. ثالثًا: الصوم يحمي العبد من مجاراة العصاة والسفهاء ويدربه على العفو وحسن الخلق.. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " والصيام جُنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم" رواه البخاري ومسلم. رابعًا: الصوم من أعظم حسون المسلم الواقية من المهالك، حيث يحميه من كل ما يشينه في الدنيا ويهينه في الآخرة لأنه يهذب خلقه ويقوي إيمانه ويزكي نفسه وبالتالي يكون سبيله إلى الفوز بالجنة والنجاة من النار.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصيام جُنة وهو حصن من حصون المؤمن وكل عمل لصاحبه إلا الصيام، يقول الله: "الصيام لي وأنا أجزي به" رواه الطبراني وحسنه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: "الصيام جُنة من النار كجنة أحدكم من القتال" رواه أحمد والنسائي.
خامسًا: تنمية مراقبة الله في قلب العبد ونفسه، وتدريبه على التحكم في نفسه وشهواته وكبح جماحها. سادسًا: الصوم يزيد من تقوى الإنسان وقربه إلى الله: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كُتِب عليكم الصيام كما كُتِب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} البقرة: 183
سابعًا: في الصيام فوائد صحية واقتصادية واضحة: حيث يخلص الجسم من بعض ما تراكم فيه من الدهون، ويريح المعدة من العمل الشاق الذي تقوم به على مدار السنة مع فوائد طبية أخرى لا حصر لها.. وفي الصيام توفير إجباري لنسبة كبيرة من استهلاك الأطعمة والأشربة الذي تعوده الناس في أيام الفطر، وفي هذا نوع من المحافظة على الموارد الغذائية للأمة المسلمة. ثامنًا: من خيرات رمضان أنه أضحى ظرفًا لأداء أنواع من القربات لله: فقد تجاوز صيام هذا الشهر مفهوم التلبس بعبادة من العبادات ليصبح نوعاً من الامتثال لمفردات كثيرة في المنهج الرباني، ففيه قيام الليل والإكثار من قراءة القرآن والاعتكاف في المساجد ولزوم الجماعات من قبل كثير من المسلمين، وإخراج زكاة الفطر والاستبشار بعفو الله وكرمه بما تظهر الأمة من البهجة والسرور في يوم عيدها. تاسعًا: يمثل الصيام نوعاً من الاتصال والتواصل الاجتماعي: فالظروف اليومية والمصالح والأوضاع الاجتماعية والطموحات الخاصة تعتبر أمورًا عازلة لكل إنسان عن غيره، مما يؤدي إلى فقد الاتصال أو ضعفه، وفقد الاتصال في أي مجتمع من أكبر المعوقات له عن التجانس والصمود في وجه الكوارث وألوان العدوان الخارجي، ومن ثم فإن امتناع أبناء المجتمع المسلم عن الطعام في وقت واحد مهما كانت أوضاعهم الاجتماعية وتناولهم له في وقت آخر محدد، إلى جانب الشعائر الجماعية الأخرى التي تعودها المسلمون في هذا الشهر المبارك من أهم ما يوحد الشعور بالتجانس، ومن أهم ما يزيل الحواجز التي تولدها الظروف المختلفة. عاشرًا: الصيام يرقق القلب ويلينه، ويجعل الأغنياء أكثر شعورًا بمعاناة الفقراء والمساكين، حيث يعرف الغني من خلال الصيام قدر نعم الله عليه التي يسرها له، فحينما يمتنع الغني عن تناول الطعام والشراب في وقت مخصوص ويحصل له جوع أو عطش يتذكر مَن مُنِع من ذلك على الإطلاق مما يدفعه إلى شكر الله على نعمه الكثيرة والإحسان إلى الفقراء المحتاجين، والإنفاق عليهم من مال الله المستخلف عليه. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.