من رحمة الله على الناس أنه يرسل إليهم بين الفينة والأخرى إشارات عاجلة وعلامات واضحة المقصود منها إخراجهم من حالة اليأس والاحتفاظ بجذوة الأمل والتحفيز على العمل .. يتجلى هذا الكلام بأوضح صورة في موضوع المهندس يحيي حسن عبد الهادي عضو لجنة التقييم ورئيس مجلس إدارة شركة الأزياء الحديثة الذي فجر قضية نهب المال العام وتقدم ببلاغ للنائب العام ضد وزير الاستثمار الدكتور محمود محي الدين والمهندس هادي فهمي رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة يتهمهما فيه بالضغط علي لجنة التقييم لتمرير صفقة بيع شركة عمر أفندي بأقل من نصف ثمنها الحقيقي !! لصالح المستثمر السعودي صاحب شركة أنوال ، بمبلغ يقل ستمائة مليون جنيه عن المبلغ الذي حددته لجنة التقييم الذي هو عضو فيها .. فوسط الظلام الدامس تبدى للناس رجل يحمل شعلة الضمير وكأنه يدعوهم (بصمت) للسير وراءه والاحتذاء به .. قد يرى البعض في ما قام به المهندس يحيى حسن عملا بطوليا خارقا لحدود المألوف في زمن شاع فيه الفساد وتحكم فيه كبار المفسدين .. وقد يراه البعض الآخر مخاطرة وسباحة ضد التيار ستنعكس سلبا على مستقبله ومستقبل أسرته .. وهي بالمناسبة حجة كل من يخشى مواجهة الفاسدين .. بل وهي حجة أيضا من قرر الانخراط في صفوفهم والانتفاع بغنائمهم .. فيما يراه هو نفسه - حسب كلامه المنشور في الصحف - عملا عاديا وواجبا وطنيا يتوجب على كل من كان في مكانه القيام به . ورغم نبل الفعل وجسارته ، فان الفاعل لم يسلم من التجريح والتشكيك من بطانة المدافعين عن الفساد الذين ساءهم أن يروا رجلا يستطيع أن يقول لا .. فاتهموه بإفشاء أسرار العمل والإضرار بالاستثمار والاستقرار الاقتصادي !! .. والعجب كل العجب ممن يعتبرون إبلاغ النائب العام جريمة إفشاء إسرار !! .. فهل مطلوب أن نصمت أمام إهدار المال العام ؟ .. وهل نصمت حتى تنفذ الصفقة لنجد أننا قد أهدينا 600 مليون جنيه من أموال الشعب لحساب مستثمر ؟ .. وقد ورد عليهم الرجل في حديث لصحيفة العربي قائلا ان هذه الاتهامات يمكن أن تصدق في حالة مسؤول غيري .. لأنني رجل نظيف السمعة واستشهد بكل من يعرفني بداية من كل من عمل معي .. ونبه إلى أن محمود محيي الدين وزير الاستثمار وهادي فهمي رئيس الشركة القابضة يعلمان أنني أرفض تناول مشروباتي بالشركة إلا علي نفقتي , وكذلك استخدام التليفون . حتى بنزين السيارة أدفع ثمنه من جيبي وأتساءل لماذا يظنون أنه ليس من الطبيعي أن يواجه مسؤول نوعا من أنواع تسهيل الاستيلاء علي المال العام ولماذا أصبح ذلك وضعا شاذا؟ والقاعدة أن يستباح مال الشعب وأن نباركه وما أفعله ليس في بنزايون ولكن وأنا أتولي قيادة مركز إعداد القادة والدكتور محمود محيي الدين والمحاسب هادي فهمي يعلمان ذلك واستخدم من داخل الشركة كارت تليفون منزلي .. وأكد أنه كرجل عسكري لديه قدرة علي إخفاء كل ما يتعلق بعمله حتى عن أهل بيتي .. فكيف أفشي سرا وهل إبلاغ النائب العام بجريمة يقع ضمن إفشاء الأسرار؟ إزاء تلك الحملة الظالمة على الرجل هبت جهات عديدة ونقابات مهنية ومنظمات مجتمع مدني لمساندة الرجل المدافع عن حركة المال العام . على اعتبار أن البلاغ المضاد المقدم من هادي فهمي ضد الرجل هو لحجب المعلومات وقالت نقابة الصحفيين في بيانها إن بلاغ هادي بحجة إفشاء الأسرار يمثل صدمة لأن حق المواطن في المعلومات هو حق أصيل خاصة في قضية بيع أصل عام ملك للشعب المصري كله.. وربط البيان بين حجب المعلومات الذي يؤدي إلي حبس الصحافيين وبين حق يحيي في الدفاع عن المال العام والذهاب للنائب العام . ومن جهتها اعتبرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن الاتهامات الموجهة للمهندس يحيي حسين تتجاهل المادة الدستورية التي تجعل الحفاظ علي المال العام وصيانته واجبا علي كل مواطن فكيف يكون من اتبع الدستور قد خالف القانون؟! وفي نفس السياق تعد لجنة الحريات بنقابة المحامين بيانا تضامنيا مع الرجل الذي تحول إلي متهم بمجرد أنه أدي واجبه في الحفاظ علي المال العام ومحاولة حماية 600 مليون جنيه. وفي كل لقاءات المهندس يحيي علي القنوات الفضائية يتلقى الرجل تأييدا ودعما من مواطنين يرون فيه بطلا يقاوم الفساد ويحارب بدلا منهم في معركة طال انتظارها .. وقد تضامن معه نفر من الكتاب تمنوا أن تؤثر هذه الخطوة الشجاعة للمهندس يحيي في مواطنين آخرين وتشجعهم علي الدفاع عن المصالح الوطنية .. وأن يتحول مقاومة الفساد من عمل فردي إلى جهد جماعي وظاهرة مجتمعية تجتث الفاسدين من تربة هذا البلد المنكوب بتحالف الفساد مع الاستبداد .. وقال عنه جمال الغيطاني رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب: "أن المهندس يحيي حسين الضابط خريج الفنية العسكرية سابقا يجيء إلينا في لحظة مناسبة تماما ، يجيء ليؤكد ان في مصر مازال رجال لا يهابون إلا الله والحقيقة ، يحافظون علي المال العام ويذودون عنه ، وقارن الغيطاني بين يحيي حسين الذي فضح صفقة عمر أفندي وآخرين تسلموا مؤسسات عامرة فخربوها وخزائن تفيض بما فيها فجرفوها ، صحيح أن أمثال يحيي قليل وأمثال آخرين كثير من واجب كل محب لهذا الوطن الذي يستبيحه الفساد كما لم يحدث في عصور الاحتلال الأجنبي أن يقف إلى جانب القيمة ، القدوة . لقد جعلنا نكتشف ما يجري في الخفاء بموقفه الشجاع .. فقد تربي في القوات المسلحة ومازال يحمل قيمها ، وقال في أحد حواراته: "لقد تعلمنا في الجيش أننا يمكن أن نضحي بأرواحنا من أجل حفنة تراب" ، يعلمنا يحيي حسين قيمة الإيجابية مرة أخري ألا نصمت ألا ندلس مهما كان العصف فادحا والفساد شديدا . أمامنا شخصية مصرية صميمة ممن نصفهم بأنهم بيخافوا من ربنا ، ربنا الذي نسيه كثيرون ، كان يمكن أن يمضي ولا نسمع به لولا شجاعته ، يحيي حسين يجب أن يتحول إلي رمز وطني" .. كان بإمكان الرجل السكوت على ما يجري درءا لمخاطر لا قبل له بها .. بل وكان بامكانه أن يغترف من بحر الفساد كما اغترف الآخرون .. ولكنه أراد أن يضرب للناس مثالا في زمن عز فيه المثال .. وأراد ان يعطي نموذجا حيا عساه أن يوقظ الضمائر النائمة والقلوب الغافلة .. [email protected]