عهد ساداتى بين العزل والنفي.. وامتيازات بلا حدود مع مبارك.. والسيسى مابين الخيارين أقباط وكنائس، حقوقهم وتعدادهم فى المجتمع، إشكالية عالقة عمرها يتجاوز الأربعة عقود، بدأت بقطيعة بين الدولة برأسها متمثل فى الرئيس الراحل محمد أنور السادات والكنيسة برأسها البابا شنودة، وأعقبها مرحلة من التقارب مبنية على منح الامتيازات والإشادة إلى تزايد أعداد الأقباط فى المجتمع، وفى ظل هذين الخطين اللذين تعامل بهما رؤساء سابقون بات الملف القبطى مطروحًا على طاولة رئيس جديد عليه أن يختار بين الطريق الأول أو الثانى أو يأخذ له مسارًا ثالثًا. السادات وشنودة.. الرئيس الغاضب وبابا رفض المكوث فى صومعة الراهب "إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 2782 لسنة 71 بتعيين الأنبا شنودة، بابا للإسكندرية وبطريق للكرازة المركسية، وتشكيل لجنة للقيام بالمهام البابوية من خمسة من الأساقفة"، قرار جاء على مسامع نواب الشعب فى سبتمبر 1981، ليقطعوه بالتصفيق والتهليل يتوقف السادات هنا لحظات ليعود مجددًا إلى قراءته كاملًا- بصوته الجهورى المعروف، معلنًا به قطع ما تبقى من علاقة كانت تربط بين الدولة بمؤسساتها ورأسها ممثلة فى الرئيس، مع مؤسسة دينية ضمن هذه الدولة تصاعدت القرارات والتوترات بينها وبين الحكومة إلى أن وصلت لحد القطيعة، هكذا كان عهد الكنيسة مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات. بدأت العلاقات بشكل موفق نسبيًا بين السادات وشنودة لقرب توقيت رئاستهم، فعندما تولى السادات البلاد منذ عام 1970 كان شنودة لحق به بشهور، وهو ما ترجم فى إرادة مزدوجة من الطرفين للحفاظ على موقع الكنيسة كمؤسسة دينية، ولكن توترت مع تزايد الاتهامات من قبل الأول للثانى بأنه يريد أن يكون رئيسًا روحيًا للأقباط ويعمل على فصلهم عن الدولة، وهو ما كان دومًا ترفضه الكنيسة. قبل شنودة كان هناك الأب متى "المسكين" الذى عرف بميوله الاشتراكية مما دفع السادات للإطاحة به والقدوم بشنودة باعتبار أنه سيكون رجل دين وللدين فقط، ولكن هذه العلاقة انتهت بعكس ما بدأت عليه، فلم يتقوقع شنودة فى صومعة الراهب بل راح يحتك سياسيًا بالسادات، خاصة وأن السادات كان معروفًا بميوله لفصائل الإسلام السياسى وهو ما دفعه لإصدار قوانين اعترضت عليها الكنيسة، مما زاد من توتر العلاقات. ويعد الموقف الذى كان بداية للسير فى طريق القطيعة الكاملة هو حادث الخانكة، عندما تم حرق جمعية الكتاب المقدس فى منطقة الخانكة 6 نوفمبر 1972، بعد قيام الأقباط الشعائر الدينية فيها بدون تراخيص استعدادًا لاستكمال بناية دينية للجمعية، وهو الأمر الذى اضطر إلى تدخل الأمن ومنع استكمال بناء الجمعية، على خلفيته تحركت الكنيسة واعترضت على تدخل الدولة ممثلة فى قوات الأمن. وفى هذه الحادثة يتهم البابا شنودة بأنه حرض الأقباط وطالبهم بتنظيم مسيرة إلى الخانكة قائلًا لهم: "روحوا اعملوا المسيرة وإن شاء الله ما يرجع نصفكم"، ولكن البابا نفى ذلك قائلاً: "لم تصدر منى تعليمات بتنظيم أى مسيرات". بعد هذه الواقعة زار السادات الكنيسة واتفق خلال زيارته على ضرورة رفع قيم الوحدة الوطنية، وتزامنت هذه الزيارة مع عام 1973 التى أقيمت فيها حرب أكتوبر، حيث استمع السادات إلى كبار رجال الكنيسة، ويتابع البابا شنودة فى مذكراته: "أثناء جلوس الرئيس معنا فى الغرفة الرئيسية بالكاتدرائية، أعطى الفرصة لبعض الأساقفة للحديث، وفجأة نظر فى ساعته ثم قال: لقد حان موعد صلاة الظهر، فطلبت من الكهنة إخلاء مكان ليؤدى الصلاة وإحضار سجادة للصلاة عليها، ثم وقفنا فى الغرفة حتى أتم الصلاة وعدنا لنقاشنا مرة أخرى"، وشدد الباب خلال اللقاء على أن السادات هو أب لكل المصريين بجميع أديانهم. بعد هذه التهدئة عادت مجددًا العاصفة عندما قال السادات فى أحد خطاباته، إن تعداد الأقباط لا يزيد عن 3 ملايين، وفى خطاب لاحق للأول أكد أن أعداد الأقباط تقلصت عن الثلاثة ملايين، وهو ما اعتبرته الكنيسة توجهًا لتهميش المسحيين، واختتم هذه القرارات بإصدار قانون الردة والذى تم بعد عزل البابا شنودة من منصبه وإصدار قانون بنفيه، مما رسخ مشاعر العزلة والقطيعة مع الدولة التى مر بها الأقباط.
ثلاثة عقود مباركية مع الكنيسة.. "وعادت المياه لمجاريها" "أفضل عهود مرت علينا.. رئيسًا للجميع.. رجل عظيم"، هكذا تدور آراء الأقباط أو على الأقل أغلبهم -على وجه الدقة- فى حقبة الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، رأوا فيه منقذهم من عهد السادات ومعطيهم حقوقهم، وهو ما ترجم فى دعم بعض منهم له رغم علمهم بعدم صلاحية حكمه، وإدراك بعض منهم أن نظامه فى نهاية حكمه كان له يد فى الحوادث الطائفية لترسيخ وجوده. رأوا فيه أفضل الموجودين فراحوا يترحمون على عهده، فى ظل إعطائهم الامتيازات كانوا قد حرموا منها فى عهد سلفه، ويؤكد هذا التوجه من مصير الدولة ما تناقله موقع "ويكليكس" والذى كشف رأى سفيرة أمريكية سابقة فى القاهرة مارجريت اسكوبى عن حب مبارك للأقباط ومعارضته لقرار السادات بعزل شنودة عندما كان نائبًا لرئيس الجمهورية. ونقلت فيها السفيرة مارجريت اسكوبي، العديد من الملاحظات حول علاقة الرئيس الأسبق بقداسة البابا فى لقاء معه بأنه يحب الأقباط ولا يخاف منهم وأنه أكثر رئيس متفهم لمشاكل الأقباط فى مصر ولديه علاقة طيبة وقوية مع قداسة البابا وباقى الكنائس المصرية. وأضافت الوثيقة، أن مبارك كان دائم اللقاءات مع قداسة البابا وكان ينفذ له كل مطالبه، مؤكدة أن البابا إنسان مخلص ورجل دين يجيد السياسة وأنه الوحيد من رجال الدين فى مصر الذى يرتبط معه بعلاقة حميمة، واصفًا البابا بالصديق. وأشارت الوثيقة، إلى أن مبارك كان يرفض قرار الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بتحديد إقامة قداسة البابا فى سبتمبر سنة 1981 وقراره بعزل قداسة البابا ووضعه فى الدير، وهو ما جعل الرئيس السادات يتخذ قرارًا ضده بعزل مبارك عن منصب نائب الرئيس لولا عملية اغتيال السادات. وأوضحت الوثيقة أن مبارك كان يحذر أمريكا من وصول التيارات الإسلامية المتشددة والإخوان المسلمين فى مصر والتى تضر مصالح أمريكا، واصفًا الجماعات الإسلامية ب"المتطرفين الإسلاميين".
"الأقباط".. أول المستبشرين بحكم المشير السيسى طلب من رجال الأعمال بناء جميع الكنائس التى تم هدمها.. وسيخرجنا من بحر الظلمات وأمام عهدين لرئيسين مختلفين الأول زار الكنيسة مع قطيعة معها والثانى لم يزرها ولكن مدها بامتيازات كانت فاقدة لها فى عهد سلفه، يبقى ملف الأقباط مطروحًا أمام رئيس جديد للبلاد عليه أن يختار بين التوجهين أو يختار لنفسه طريقًا ثالثًا. وفى هذا الإطار قال الأنبا رفائيل، أسقف عام كنائس وسط القاهرة، إن المعادلة السياسية للأقباط فى ظل حكم المشير عبد الفتاح السيسى ستختلف كثيرًا عن المعادلة فى ظل حكم أنور السادات وحسنى مبارك ومحمد مرسى, حيث إن نظام الدولة سابقًا ضد الأقباط كان اضطهادًا منظمًا، وهذا ما كنا نعانى منه كثيرًا حينها أما عقب ثورة 30 يونيو فنحن نقدر ونقيّم العمل بأنه إرهاب لأن الدولة لا تقف وراء ما نتعرض له من حوادث بل جماعات إرهابية، على حد قوله. وأضاف رفائيل، فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، على مدار 18 سنة كنت شاهدًا على علاقة الكنيسة بالأنظمة السياسية المختلفة، منذ أن خرجت من الدير لأتولى بعض الخدمات فى الكنيسة، لأشاهد ما تعرض له المسيحيون فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك من اضطهادات واضحة استمرت إلى بداية الثورة فى يناير 2011 وحتى نهاية المرحلة ألانتقالية, التى انتهت بتسليم المجلس العسكرى السلطة التنفيذية للرئيس المعزول محمد مرسى بنهاية يونيو 2012، وقد تعرضنا لسلسلة من هجمات العنف الطائفي, والتى مرت دون محاسبة للمتورطين. وأوضح رفائيل، أن تصاعد وتيرة العنف الطائفى واتساع رقعته الجغرافية على مدى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك، فإن الفترة التالية لخلعه والتى تولى فيها المجلس العسكرى السلطة شهدت تصاعدًا ملحوظًا فى جسامة الاعتداءات التى وصلت إلى حرق وهدم الكنائس والقتل بالرصاص الحى والدهس تحت المدرعات، قائلًا: "يعنى الأقباط دفعوا كثيرًا لرؤساء مصر وهم استخدمونا كروتًا بس فى الفوز، على حد قوله. وعن حكم الأقباط فى عهد السيسى، قال رفائيل، إنها تختلف كثيرًا فهناك علاقات متميزة جدًا بين الكنيسة، والأزهر وبين شيخ الأزهر وقداسة البابا، وهناك نوع من التفاهم والحوار، مؤكدًا أن بعد ثورة يونيو زادت صداقتنا مع الأزهر لأن الأزهر والكنيسة صمام أمان للبلد، مضيفًا أن السيسى أخذ برأى الأنبا تواضروس، بابا الكنيسة الأرثوذكسية بالإسكندرية، وهذه تحدث لأول مرة ويعرف جيدًا التعامل معنا ولكن نتمنى ألا يتغير لأن رؤساء مصر يختلفون كثيرًا بعد الجلوس على الكرسى. ومن جانبه، قال هانى دانيال، الباحث القبطى، إن فترة حكم المشير عبد الفتاح السيسى ستكون مختلفة تمامًا ولا يمكن تشبيها بأى من فترات حكم حسنى مبارك أو محمد مرسى أو السادات، خاصة وأنه فى ظل حكم الرؤساء السابقين عانى الأقباط كثيرًا من تكميم الأفواه وحرق الكنائس دون تدخل أى من الرؤساء لإيجاد حل مناسب. وأضاف دانيال، أن السيسى طلب من بعض رجال الأعمال بناء الكنائس التى هدمت منذ 14 أغسطس الماضى، مؤكدًا أنها محاولة تدعيمية للدولة، قائلًا: "نحن استشعرنا أن الدولة والجيش صادقان فى نيتهم أن يعيدا بناء الكنائس التى أضيرت، ولكن عدد الكنائس التى أضيرت كبيرة وتحتاج ميزانية كبيرة، وقد تكون الدولة لا تستطيع أن توفى بتلك المطالب وتستشعر نوعًا من الحرج لبناء الكنائس من أموال الجيش أو الدولة، ونحن متفهمون جدًا لهذا الأمر، وإذا كان رجال الأعمال سيمولون فهذا شىء جيد ولكن المهم أن تبنى الكنائس قبل عيد الميلاد فى يناير المقبل حتى يستطيع الناس أن يصلوا الأعياد فى كنائسهم، حتى لا تحدث أزمة نفسية للأقباط، على حد قوله. وأضاف دانيال، أن السيسى طلب من البابا تواضروس، خلال اللقاء الذى جمعهما، بضرورة العمل على التكاتف والحفاظ على وحدة الحب وهى موجودة بالفعل، والوحدة العقائدية والإيمانية وهى تحتاج إلى تريث، لأن أى وحدة غير قائمة على إيمان مشترك تصبح وحدة ظاهرية مزيفة وسريعًا ما تسقط، وهناك حوارات قائمة من أجل تلك الوحدة بين الكنائس منذ سنين، وقد نشعر أنها طويلة المدى وتأخذ سنين، لذا فنحن نتعاون فى إطار وحدة الحب، والحوارات الإيمانية تأخذ وقتها ومسارها حتى تصل فى النهاية إلى الوحدة الإيمانية.