جاء المقترح بعقد مصالحة مع رجال الأعمال المتهمين في قضايا فساد إبان عهد النظام السابق، ليمثل من وجهة نظر المتبنين الحل لاستعادة أموال الدولة من جانب هؤلاء الذين استطاعوا أن يحصلوا على تلك الأموال بطرق غير شرعية، سواء في صورة تسهيلات وإهدار للمال العام، أو من خلال ممارسات احتكارية، وهذا الفريق يشدد على ضرورة الحاجة إلى ذلك، خاصة وأن مصر في أمس الحاجة إلى موارد مالية لإنقاذ للاقتصاد المتعثر من أزمته الراهنة، مقابل من يرون أنه لا مصالحة مع أي فاسد، حتى وإن لم يسترجع أي مليم من تلك الأموال، باعتبار أن المحاكمة هي الغاية التي قامت من أجلها الثورة ولا جدال في ذلك. ويقف ضمن الفريق الأول، الدكتور حمدي حسن المتحدث الإعلامي السابق للكتلة البرلمانية ل "الإخوان المسلمين"، قائلاً ل "المصريون"، إنه من الممكن إيجاد إطار للمصالحة مع رجال الإعمال الفاسدين، مع مراعاة عدم التنازل عن حق الشعب، فإن صدق أي منهم في استرجاع كافة الأموال التي جمعها بطرق غير مشروعة، عندئذ يمكن النظر إلى تخفيف عقوبته، لكن دون الإفلات من العقاب. ويتمسك بضرورة تحقيق تلك المعادلة: المصالحة والعقوبة المخففة، لأن هؤلاء أشروا الفساد في البلد بشكل سرطاني غير مسبوق، والإعفاء من العقوبة بشكل كلي يمثل جريمة أخري برأيه، لكنه إذا ما قام أي منهم باسترجاع كافة الأموال التي حصل عليها بطرق غير مشروعة، وأعلن توبته، وتعهد بأنه سيعمل بشرف، فمن الممكن أن ينظر في أمره بتخفيف عقوبته دون إلغائها كلية. وأكد أن استرجاع تلك الأموال أمر سهل من خلال أياد ظاهرة تقوم بإظهار العين الحمرة لهؤلاء الفاسدين، فإذا بادرت الإدارة المصرية في تلك المرحلة بأن تتعامل مع كل ملفات الفساد بشفافية وبدون تكبيل فسيتم استرجاع تلك الأموال بسهولة. على النقيض، يرفض محمد جمال حشمت القيادي الإخواني البارز مبدأ المصالحة لأن بها تجاوزًا على جنايات تمت عبر الاعتداء علي المال العام، ولأن هذا السلوك لو تم تعميمه في التعامل مع كافة الفاسدين، سيقوم آخرون بحذو حذوهم في ارتكاب جرائم الفساد مقابل عمل مصالحة لا نعرف هل هي منصفة أم لا. ورأى أن القضية ليست قضية أموال، وإنما هي قضية فساد بالدرجة الأولي، فهناك محاولة لتحجيم قضايا الفساد والإفساد والخيانة العظمي التي جرت في مصر، بجعلها مشاكل مالية على غير الحقيقة، لأنها جزء من المشكلة، فتلك الأموال هي أموال دولة، وأن من استولى عليها يحب أن يعيدها مرة ثانية. وحذر من التصالح مع هؤلاء المتهمين بالفساد سيشجع الكثيرين على سرقة مال الدولة، وفي تلك الحالة يمكن أن يفلت بتلك الأموال فيغنم بها، أما إذا اكتشف فسيكون بالإمكان عمل مصالحة لنيل البراءة، وهذا ليس من العدل وليس من باب نشر العدل وإعلاء قيمته، بل هو نوع من التحايل كما يرى، مؤكدا أن رأيه هنا هو رأي القانون وليس الاستفتاءات ولا العواطف. وأكد أن هناك العديد من الأساليب الشرعية التي يمكن من خلالها استرجاع تلك الأموال بالداخل والخارج، سواء بالقانون، إن بتحركات دبلوماسية أو قانونية دولية على مستو عال، فهناك قنوات اتصال مع الدول الخارجية، وهناك أحكام قضائية نهائية من محاكم طبيعية سوف تصدر ضد هؤلاء الفاسدين، ومن خلالها يمكن استرجاع تلك الأموال. متفقا معه في الرأي أكد الدكتور أوضح يحيى القزاز عضو حركة "9 مارس" لاستقلال الجامعات، أن من يتحدث عن المصالحة ثم المصارحة مقابل أداء الدين يريد أن يبيض وجه النظام، وأن يقوم بعمل غسيل مخ للشعب المصري كي يتقبل فساد الآخرين وفي المقابل يقوم الشعب بالإعفاء عنه، وفي النهاية فلن تعود لخزينة الشعب المصري سوى ملاليم، على حد قوله. وقال إنهم إن أرادوا مصالحة حقيقة، فعليهم أن يأتوا بتلك الأموال وفق أرقام الإحصائيات الدولية، وبعدها يطرح الأمر علي الشعب وله أن يقرر، مشيرا إلى أنه على المستوي الشخصي من الممكن أن يغفر فيما وقع عليه من ضرر، لكن حق الوطن والذي دفع ثمنه شباب وأبناء هذا الوطن الذين استشهدوا في ميادين التحرير فالمحاسبة ورد الأموال بحكم القانون ولا غيره. وأضاف إنه لا يوجد وجه للمقارنة في التعامل مع قضايا رجال الأعمال المتعثرين في سداد القروض للبنوك وبين هؤلاء الذين نهبوا أموال الشعب، "فنحن هنا أمام مجموعة من لصوص المال الذين ادعوا ظلما أنهم رجال أعمال وقاموا ليس بنهب البلد فقط بل بتجريفها حتى جعلوها بورا غير قابلة للإصلاح أو الاستزراع قط"، لذا فإنه لا ينبغي أن يكون هناك حديث عن رد الأموال مقابل إعفائهم من العقوبة، لأن هذا هو حق الشعب وإذا قبل بهذا فلا بأس، على حد قوله. لكنه لا يبدو مقتنعا بإمكانية أن يقوم هؤلاء بإعادة الأرقام الحقيقية للأموال، إذ أن هناك إحصائيات عالمية تؤكد أن ما نهب وهرب من مصر يتراوح ما بين 3 إلى 7 تريلون دولار، مضيفا: السؤال هنا هل لديهم النية لإعادة تلك الثروة الهائلة خاصة؟. وضرب مثلا بسوزان ثابت زوجة الرئيس السابق حسني مبارك، والتي تم الإفراج عنها تسوية بموجبها قامت بالتنازل عن ملاليم، على حد تعبيره، إذ أن ما أعادته 29 مليون جنيه من إعانات أجنبية، فأين ذهبت أموالها الأخرى؟. فيما أكد الدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز "يافا" للدراسات، أنه لا بد من تفعيل القانون في مواجهة هؤلاء الفاسدين وألا يتم تفعيل العلاج السياسي، فالعقاب سيأتي لنا بالأموال على عكس ما يشاع أن العكس هو الصحيح، ومن ثم يكون العقاب رادعًا لكل من تسول نفسه عمل ذلك، فيما سيؤدي استرجاع تلك الأموال عن طريق المصالحة إلى لجوء كثيرين للأسلوب ذاته للتحايل على القانون. وشدد على أن الحساب والعقاب القانوني الشرعي هو السبيل الوحيد لاسترداد الأموال التي نهبها هؤلاء حتى ولو ضاع جزء منها، لكن في المقابل سنفعل قاعدة قانونية للمستقبل، مؤكدا أهمية تفعيل دولة القانون وترك الأمر في يد القضاء في النهاية، وهذا سيكون بداية لوضع مصر على الطريق التي نتمناها. وأكد أنه لو تم تطبيق قواعد القانون علي الجميع، فإن كثير من تلك الأموال ستأتي ألينا، وإذا ما تمت المحاكمات بشكل عادل فإن كافة الدول التي لديها أموال خاصة بهؤلاء ومؤسساتها المالية سوف تعيد تلك الأموال إلينا، مقللا مما يثيره البعض حول أن تلك الأموال ستساهم في إنقاذ مصر واقتصادها. وأشار إلى أن الشعب الذي أستطاع أن يصنع ثورة هو نفسه قادر على أن يبني اقتصادا قويا وجديدا، فبحسب التقرير الاقتصادي الدولي فإن مصر بها 160 ملياردير، ما سجن منهم هم المرتشون أما الذين رشوهم فما زالوا طلقاء، وهؤلاء الذين استولوا على 40 % من اقتصاد مصر مازالوا خارج السجون، على الرغم من تجاوزاتهم المالية ولو تم تطبيق وتفعيل القانون علي الجميع فسيصل إلي خزانة الدولة مليارات لا حصر لها.