لقد انتظرت حتى الإنتهاء من الإنتخابات الرئاسية حتى يكون هناك رئيسا منتخبا، يقع على عاتقه المحافظة على هذا الوطن وإستقراره ونموه وإزدهاره. فالنمو والإزدهار لن يتأتى إلا بتحقيق الأمن والإستقرار والجدية فى العمل. ولا يمكن تحقيق اى منها إلا بالمصالحة الوطنية. بل إننا لو إفترضنا تحقيق الأمن والإستقرار بإستخدام القوة –مع عدم إقتناعى بذلك- ولكننا لن نستطيع إجبار المواطنين على الجدية فى العمل والتى قد تظهر كنوع من المقاطعة السلبية. وستكون هى وحدها بكافية لتدمير الوطن. إن الامر جد خطير فالمعارضة الحالية لا تقف عند الإخوان فقط كما يصور البعض ممن طغى كره الإخوان على فكره، وتتعداهم الى بعض القوى السياسية والثورية. بل وتتعدى ذلك أيضا الى غالبية الشباب وهم يزيدون على نصف المجتمع عددا بل وغالبية قوته الإنتاجية. وهذا واضح من عدم مشاركتهم فى الاستفتاء والإنتخابات الأخيرة. بل الأخطر إن الخصومة تعدت الى الدماء، وتعدت الافراد الى عائلاتهم واصدقائهم وذويهم وخاصة لكل من أصيب أو استشهد أو أعتقل من جميع القوى السياسية والشبابية. وفى المقابل هناك الرغبة فى الإنتقام من الطرف الآخر من زملاء وعائلات من أصيب أو استشهد من الجيش أو الشرطة. إن المجتمع أصبح للأسف الشديد منقسما بوضع غير مبشر بخير لوطن نأمل ببنائه. إن معالجة المشاكل تتطلب التشخيص الصحيح لها والتحليل الدقيق لأسبابها. كما تتطلب الحكمة فى علاجها، وهو ما قد يكون بالتعلم من تجارب الماضى وحكمة التاريخ. فمابالنا بالتعلم من الحكمة الإلهية فى هذا الأمر. فقد رأينا كيف أعد الله بلدا ليأخذ الصدارة في قيادة العالم وتغييره ولينشر النور إلى البشرية جمعاء، بعد أن كان بلد يتقاتل أبناؤه ولا يعلم به أحد. وكان من أوائل وأهم هذا الإعداد هو المصالحة. فقد ألف الله بين قلوب المتحاربين من أهل المدينة من الأوس والخزرج، فإنتهى التشاحن والتقاتل فيما بينهم. وفى ذلك قال عز وجل "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" ولو إستمرت الحرب فهل كانوا سيقفون صفا واحدا خلف رسول الله (ص) ؟ أم كانوا سينشغلون في التقاتل فيما بينهم ؟! ونظرا لأهمية ترابط النسيج الوطنى فى بناء الأمم، فنرى دائما أعداء الوطن يسارعون لتفتيته. وهو نفس ما تم بالمدينةالمنورة، حيث قام يهودي بالجلوس مع مجموعة من الأوس والخزرج وأخذ يذكرهم بما كان بينهم من حروب وتقاتل، فأخذ كل فريق يتفاخر بما كان يعمل، وتحزبوا وكادوا أن يتقاتلوا. فبلغ ذلك رسول الله (ص) فخرج إليهم مسرعا قائلا : (أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام،... وألف بين قلوبكم) فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا وتعانقوا، وقد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم. لذا فإنني أقول أدعوى الجاهلية هو ما نفعله الآن !! .. أنني على يقين إننا إذا أردنا أن ننهض ببلادنا لنصل لقيادة العالم، فأول ما نفعله أن نقتفي خطوات الإعداد الإلهي للإصلاح بأن نتآلف بيننا وأن نكون على قلب رجل واحد، والا ننشغل بالتقاتل فيما بيننا. ويبدأ هذا بالتصالح والمسامحة والعفو. ووقف مسلسل إستهداف كل طرف للأخر. ونبذ التعصب والإنتقام. وأن نتجنب دعاة الفتنة والنافخين في النيران فهم مثل أصحاب "قميص عثمان". ويعفوا أصحاب الدماء من جميع الأطراف عن الأطراف الأخرى (كأقرب لموقف سيدنا على فى الفتنة الكبرى) وتتحمل الدولة عن الجميع ديات من قتلوا. ويتم الإفراج عن جميع المعتقلين في هذه الأحداث ووقف قضاياهم للصلح الشامل بين أبناء الوطن. ويشمل هذا التصالح الدولة والإخوان ورافضي 30 يونيه وداعمي الشرعية والثوار والشباب وغيرهم. وأن يكون هناك إلتزاما بالمعايير الإنسانية وبمبادئ حقوق الإنسان والمحافظة على الكرامة الإنسانية وتحقيق العدالة بالمعايير والضوابط التي يطمئن بها المواطن إلى تحقيق العدالة فعليا. وسيكون عملنا هذا ليس من منطلق وطني فقط ولكنه أيضا إلتزاما بالأمر الإلهي القائل "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وكما قال الرسول الكريم (ص) "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما من يبدأ بالسلام". فإذا كان لا يحل التخاصم، أفيحل التقاتل ؟! وختاما يكفينى الإشارة الى كلمات موشى يعالون وزير الدفاع الإسرائيلي " والوقت يعمل لصالح من يستغله، ونحن نستغله جيداً، فنحن نبني وحولنا يقتل بعضهم بعضاً" !! آلآ توقظنا هذه الكلمات، أم إن كره بعضنا البعض غلب على حبنا لوطننا. إن دعوتى هنا هى دعوة للتصالح الوطنى المبنى على التسامح وتغليب الصالح العام والمصلحة الوطنية ، على المصالح والاراء والرغبات الشخصية مهما علت. بل إننى أرى أيضا إنها التطبيق الصحيح للدين. آملا أن يتم تطبيقها على ارض الواقع، وأن تكون أساسا لمصالحة وطنية شاملة. حفظ الله وطننا وابناءنا وسدد خطانا، وبالله التوفيق.