اعتبروه المنقذ لثرواتهم.. فطلب منهم 100 مليار جنيه دعم.. وعد بعدم الرجوع لما قبل 25 يناير.. فأدخلوه قصر الاتحادية وحيدًا قال شرعيتى من الشعب.. فخسرت البورصة 20 مليار جنيه
لم يكن أحد يتوقع أن يبدأ الصدام مبكرًا بين المشير عبد الفتاح السيسى، ودولة رجال الأعمال أو "الفلول" حاليًا التى ظهرت بثوب جديد يختلف تمامًا عن ما قبل ثورة 25 يناير. السيسي الذي جاء ترشحه لمنصب رئاسة الجمهورية يمثل طوق نجاة لهؤلاء الذين وضعتهم ثورتي 25 يناير و30 يونيو في القائمة السوداء ليبحثوا عن مخرج جديد في شخص جديد له شعبيه كبيرة شريطة ألا يحاول أن يمس ثرواتهم الهائلة التي طالما جمعوها من دماء فقراء هذا الشعب. في الفترة الأخيرة استرد رجال الأعمال قوتهم المفقودة وبدءوا يلتفون حول السيسي بعد أن علا نجمه بعد عزلة للرئيس المعزول محمد مرسي، واعتبروه المنقذ لهم ولثرواتهم, وعدوه بالمساندة المالية والدعاية, فمحمد فريد خميس، أكد أنه سيتبرع ب30 مليونًا لصندوق دعم مصر, ومحمد أبو العينين، رجل الأعمال، الداعم الأكبر لمبارك في الجيزة منذ سنوات، والذي وعد بخروج ما يقرب من 20 ألف عامل للتصويت للسيسي وغيرهم من رجال الأعمال الذين بدءوا معاركهم الخاصة للفوز بالحصان الرابح, كثير من رجال الأعمال تطوعوا قبل أن تبدأ الدعاية الانتخابية بملء الميادين بصور ولافتات تأييد للسيسي, كثير منهم ملئوا الصحف بإعلانات عن السيسى إلى أن جعلوه فرعون جديدًا. ولكن يبقى رجال الأعمال كالدخان الذي ترقد تحته النار إذا اقترب من أموالهم أحد, وجاءت الصدمة الكبرى عندما اقترب السيسي مما يراه رجال الأعمال منطقة محرمة وعسكرية لا يجوز الاقتراب منها أو التصوير, عندما عقد السيسي لقاءه بهم حيث طالبهم بعمل صندوق ب 100 مليار جنيه للمساعدة في بناء مصر اقتصاديًا, ما طلبه السيسي دفع رجال الأعمال لأن يفتحوا النار عليه فقد كانوا يظنون أن دورهم سوف ينتهي بالدعاية الانتخابية فقط فإذا بالسيسي يطالبهم باقتطاع جزء من ثرواتهم لتنمية الاقتصاد. "وكقرصة أذن" بسيطة ظهرت قوة رجال الأعمال في الانتخابات الرئاسية عندما رفض بعض رجال الأعمال السماح للعاملين بالشركات والمصانع التابعة لهم بالتصويت للسيسي وخالفوا وعدهم بأنهم سيقدمون الدعم الكلى له والذي اعتبرها البعض ضربة معلم للسيسي الذي ظهر على التليفزيون قائلًا: "المصريون كسروا بخاطري"، وهنا كان يقصد رجال الأعمال والفلول فقط. رجال الأعمال الذين لم يتوانوا في العلن عن تقديم الشكر للسيسي, ما زالوا يكتمون الأنفاس انتظارًا لما تسفر عنه الأيام المقلبة من مفاوضات تتم في الخفاء حيث قدم محمد أبو العينين، رجل الأعمال، التهنئة للمشير عبد الفتاح السيسي، بمناسبة تفوقه الكاسح في الفرز بانتخابات الرئاسة، كما وجه التحية لمنافسه حمدين صباحي ووصف أبو العينين خلال تصريحات تليفزيونية الانتخابات الرئاسية ب"النزيهة"، وأنها رسالة للعالم أجمع وتعبر عن اختيار الشعب المصري لرئيسه. فيما هنأ حيدر بغدادي، البرلماني السابق، المشير عبد الفتاح بفوزه بالانتخابات الرئاسية، مؤكدًا أن الشعب هو من اختاره، لأنه بطل قومي استطاع أن يُخلص الشعب من الإخوان، مشيرًا إلى أنه يتبنى مشروعات اقتصادية عملاقة تقدر بأكثر من 200 مليار دولار. وأشار حيدر إلى أن حملة السيسي تخلو من أي أعضاء للحزب الوطني السابق، وهذا سر نجاحها. من جانبه قال أحمد تهامي، المحلل السياسي، إن رجال الأعمال خذلوا السيسي ورفضوا مساندته في الانتخابات الرئاسية، لأنهم خشوا من توجهاته الاقتصادية والتي تختلف كثيرًا عن توجهاتهم معتبرين أنها ستكلفهم الكثير من وجهة نظرهم, خاصة أن المؤسسة العسكرية لديها دور واضح في الاقتصاد المصري وسيطر على أكثر من نصف مؤسسات الدولة وهذا في حد ذاته غير قانوني ويخلق حالة من الهلع عند المستثمرين سواء بالداخل أو الخارج. وأضاف تهامي في تصريحات خاصة أن قلق رجال الأعمال لم ينحصر فقط في عدم دعم السيسى في الانتخابات بل وصل إلى حد قيام معظمهم بسحب استثماراتهم من البورصة المصرية، والذي أدى إلى هبوط حاد فيها نتج عنه خسارة ما يقرب من 12 مليار جنيه وهي أكبر خسارة تتعرض لها البورصة المصرية على مر السنين لتبدأ أولى خطوات السيسي بالفشل الذريع وينجح رجال الأعمال في الضغط عليه. وأشار تهامي إلى أن السيسي لديه تشريعات معينة قد تختلف عن تشريعات رجال الأعمال مما سيحدث نوعًا من التوتر في المستقبل وهنا سيظهر نوعان من السيناريوهات إما أن يحاول السيسى التنازل وإرجاع صف رجال الأعمال مرة أخرى إليه أو أن يقوم رجال الأعمال أنفسهم بالتخلي عنه تمامًا، مؤكدًا أن ما حدث صدام جزئي لمقياس قوة كل طرف على حده. وأوضح تهامي أن ما يحدث يشبه لعبة "حاوريني يا كيكا"، فالدائرة الآن انغلقت على أي من الطرفين يرضى الآخر, ويظل الشعب المصري هو الحائر والخاسر الوحيد فحكام مصر تعودوا أن ينظروا بعين الرأفة إلى مؤسسة رجال الأعمال وبعين القسوة للشعب. وفي سياق متصل قال سرحان سليمان، المحلل السياسي، إن خيانة أبرز أعمدة الدولة العميقة في مصر، كرجال الأعمال بقوتهم المالية الهائلة، وقادة الحزب الوطني المنحل بقواعدهم الشعبية، وأباطرة الإعلام الذين يملكون عشرات القنوات الفضائية تقليم أظافر للسيسي مبكرًا حتى لا يحاول الضغط عليهم مستقبليًا، قائلًا: "السيسي ظهر خلال حواراته التلفزيونية التي سبقت انتخابات الرئاسة واثقًا بنفسه أكثر من اللازم، حتى أنه أفصح أكثر من مرة أنه سيضغط على رجال الأعمال الأثرياء لتحصيل مبالغ مالية كبيرة يحتاجها لمشروعات عملاقة، كما أنه طالبهم بدعمه اقتصاديًا وتقليل أرباحهم بشكل بدا للكثيرين أنه ليس اختياريًا، وهو ما أقلق رجال الأعمال، وجعلهم يشعرون بأنه ينوي التقرب من الشعب على حسابهم". وأضاف سليمان أن تصريحات السيسي الجزء الأكبر منها نال نصيب الحزب الوطني حينما أكد أنه لا عودة لأوضاع ما قبل ثورة يناير، وشدد على أن حملته لا تضم أحدًا من نظام مبارك، وهو ما أغضب كوادر الحزب الوطني الذين كانوا في صدارة المشهد يوم 30 يونيو، وبذلوا جهدًا بارزًا لحشد الناس ضد الإخوان. واستطرد قائلًا: هنا فقط قرر جال الأعمال والحزب الوطني والإعلام توجيه ضربة استباقية للسيسي قبل تنصيبه، فالجميع داخل مصر وخارجها كان يعلم أن السيسي سيفوز في الانتخابات، لكن هناك فرق شاسع بين أن يدخل قصر الاتحادية عبر انتخابات نزيهة تشهد إقبالًا كبيرًا، وبين أن يحقق فوزًا هزيلًا يجعله يتخلى عن أوهامه عن حب الشعب له وجماهيريته الجارفة المزعومة على حد قوله، بالإضافة إلى أن فوزه بهذا الشكل يجعل مقاومته أسهل عند الجلوس على طاولة اقتسام مغانم ما وصفه بالانقلاب، كما أنه يجعل شرعيته محل شك، فيصبح في احتياج دائم لهم، ويجعله أضعف من أن يهدد مصالحهم السياسية والاقتصادية. وأضاف قائلًا: "فكانت الخطة امتناع قادة الحزب الوطني ورجال الأعمال عن الحشد للانتخابات مع تعليمات من مالكي القنوات الفضائية بعدم الكذب بشأن نسب الإقبال، وترك الصورة الحقيقية تظهر على الشاشات، بل المبالغة في مناشدة الناخبين بالمشاركة لإنقاذ سمعة الرئيس القادم وبذلك يخضع السيسي لهم وفي كل مطالبهم والتي ستبدأ بإلغاء نسبة 5% ضريبة. على صعيد آخر قال محمد السعدني، الخبير السياسي، إن الحكم على ما إذا كان رجال الإعمال قد خذلوا السيسى من عدمه في الانتخابات الرئاسية ليس الآن، لأن الحشد في الانتخابات ليس مسئولية رجال الأعمال فقط بل هناك عوامل أخرى، بالإضافة إلى أن النسب التي أعلنت حتى الآن توضح أن هناك دعمًا واضحًا معنويًا وماديًا من قبل هؤلاء, مضيفًا إلى أن مؤسسة رجال الأعمال والفلول ستظهر في الاستثمارات المادية التي ستقوم بها مصر والمشروعات التي يجب أن يلقي الضوء عليها كمحور قناة السويس وغيره. من جانبها أكدت أميرة الحداد، أستاذة الاقتصاد المساعد بجامعة القاهرة، أن الرئيس مطالب بخلق مناخ جيد للاستثمار وإصدار قوانين محفزة لرجال الأعمال دون تفرقة بينهم، مؤكدة أن السيسى يواجه حملًا ثقيلًا وتتمثل في التحديات والملفات الساخنة. واعتبرت الحداد أن المصالح مشتركة بين الرئيس السيسي ورجال الأعمال، فالرئيس يسعى إلى تحقيق تنمية اقتصادية والقضاء علي البطالة، وهو ما لن يتحقق دون توفير مناخ استثماري جيد وتشريعات اقتصادية تحفز رجال الأعمال على تعزيز استثماراتهم. من جانبه قال أحمد عبد الخالق، أستاذ اقتصاد وعلوم سياسية بجامعة حلوان النظام الاقتصادي، الأنسب لمصر هو "السوق الاجتماعي" الذي يعتبر رجال الأعمال أحد أضلاعه الرئيسية وأن الشعب المصري يعلق آمالًا كبيرة على الرئيس الجديد لإخراج مصر من كبوتها، لافتًا إلى أنه لن يدخر جهدًا من أجل تهيئة المناخ الملائم لرجال الأعمال بما يسمح بزيادة الإنتاج وحل أزمة البطالة وتمكينهم من القيام بمسئوليتهم الاجتماعية تجاه مصر. وأشار عبد الخالق إلى أن العلاقة بين السيسي ورجال الأعمال علاقة تكاملية، فكلاهما يحتاج الآخر، وتحقيق طفرة اقتصادية يتطلب وجود تعاون بين مؤسسات الدولة ورجال الأعمال بما يعزز مناخ الاستثمار داخل مصر الجديدة مؤكدًا أنه يجب ألا يأتي عليهم أو على الشعب . بدوره أكد رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن وصول السيسي إلى الرئاسة يحقق مصالح رجال الأعمال, وذلك يعني عودة الاستقرار والأمن بما يخلق جو استثمار يتيح لرجال الأعمال ضخ المزيد من أموالهم في السوق المصرية، مشددًا على أن المصالح مشتركة بين السيسي ورجال الأعمال وكلاهما يحتاج الآخر، ولا يمكن أن يكون بينهما عداء من أجل تحقيق النمو الاقتصادي للبلاد. وأضاف عبده أن السيسي كرئيس سيضمن زيادة فرص الاستثمار والسياحة ودوران عجلة الاقتصاد بما يخدم مصالح المستثمرين الساعين إلى مزيد من الأرباح وسيحقق مصلحة البلد في القضاء على البطالة وزيادة الاستثمارات وارتفاع الدخل القومي. وعلى الجانب الآخر قال حمدي عبد العظيم، رئيس أكاديمية السادات للتنمية الإدارية السابق، أن القطاع الخاص سيكون له دور في التنمية في عهد الرئيس السيسي، مؤكدًا أن وجود مقاطعة بين السيسي والمستثمرين أمر خطير، مشيرًا إلى أن أي رئيس لن يستطيع تنفيذ برنامج اقتصادي ناجح دون الاستعانة بالقطاع الخاص. وأشار عبد العظيم إلى أن مواقف السيسي ستحددها مصلحة البلد ولن يعادي أحدًا على حساب مصر، لافتًا إلى أن رجال الأعمال يحتاجون إلى السيسي أكثر من احتياجه إليهم، مشيرًا إلى أن رجال الأعمال بحاجة إلى الحفاظ على علاقات طيبة مع الرئيس من أجل توفير جو استثماري ملائم والحصول على امتيازات وتسهيلات ضريبية واستثمارية لزيادة استثماراتهم، وشدد على أن الرئيس سيستعين برجال الأعمال في مواجهة أزمة البطالة.