كان الشغل الشاغل للنظام السابق هو البقاء في السلطة و التربح بأي ثمن، ظن أن هذا لن يتحقق الا بالخضوع الكامل للهيمنة الصهيوأمريكية فكان لا يألو جهدا في استرضاء اسرائيل و الخضوع للاملاءات الأمريكية ليس فقط في المحيط الاقليمي كحصار غزة و الجدار العازل و تغذية الشقاق بين فتح و حماس و بيع الغاز لاسرائيل برخص التراب و لكن أيضا بتكسير عظام المصريين و افقارهم و اهانتهم واذلالهم و الموائمات السياسية و زرع الفتنة بين المسلمين و الأقباط، فالمشروع الصهيوني يهدف في المقام الأول لزرع الفوضي الخلاقة و التفرقة بين المسلمين و الأقباط، كان رئيس الوزراء الذي يحاول الحفاظ علي الرقعة الزراعية و يخطط لمشروعات تنموية عملاقة يتم اقالته و الوزير الذي يتحدث عن الاكتفاء الذاتي من القمح و منع المبيدات المسرطنة يعزل و الوزير الذي يفكر في صناعة الدواء محليا للتخلص من مافيا الدواء العالمية يقال!، أي مشروع تنموي يحقق الخير لمصر و للعرب مثل الجسر البري بين مصر و السعودية كان يتوقف تماما اذا لمح مبارك امتعاضا اسرائيليا منه !!، ثمن استقرار مبارك علي الكرسي كان تقزيم مصر و افقار المصريين و اهانتهم و تأجيج نار الفتنة الطائفية !!!. ومن هنا جاءت روعة الثورة المصرية التي ردت مصر للمصريين و حررت الارادة الوطنية و أعادت مصر الي طبيعة الدولة لا العزبة !!! الثورة تمثل نقلة حضارية و انسانية ضخمة لمصر ومن المأمول أن تؤدي الي اصلاح الوضع الداخلي و الاقليمي و الدولي لمصر ووضعها في مكانها الصحيح علي الخريطة. بالطبع هناك أعداء للثورة المصرية داخليا و خارجيا يحاولون بكل طاقتهم اجهاضها، وهؤلاء الأعداء بكل بساطة هم المستفيدون من النظام السابق و المرتعدون من الحساب و سيادة القانون، هؤلاء جميعا لن يستسلموا ببساطة بل حاولوا و سيحاولون اثارة الفتن كلما أمكنهم ذلك، هؤلاء هم الذين هدموا كنيسة أطفيح و أحدثوا الفتنة بين المسلمين و الأقباط في المقطم و أفسدوا مباراة الزمالك و الأفريقي التونسي و قطعوا أذن القبطي و حاولوا زرع الفتنة بين الجيش و الشعب و حتي مأساة امبابة، سيحاولون و يحاولون و لن يكفوا عن محاولاتهم و لن يسمحوا للشعب المصري الاستمتاع بانجازه الهائل أو الاستفادة منه !!. هؤلاء أزعجهم خروج المارد المصري من القمقم و يحاولون اعادته اليه بكل ما استطاعوا. ما هو العاصم من هذه الفتن التي تعصف باستقرارنا و تكاد تقصم ظهر أمتنا و كيف نحمي ثورتنا الوليدة ؟؟ أولا: العدل و المساواة و سيادة القانون (حكمت فعدلت فأمنت فنمت )، فلابد من اعمال سيادة القانون علي كل المصريين و سرعة الفصل في جميع المنازعات، و لا نقع فيما وقع فيه النظام السابق من عمل التوازنات و التحالفات و تعطيل القانون. اذا أدرك الناس أن القانون فوق الجميع لتوجهوا الي السلطات القضائية لحل جميع المنازعات و قل الاحتقان، و لكن ربما ظن المسلمون أن الكنيسة مازالت تتعامل كفوق القانون فتتهرب من استدعاءات النيابة لكاميليا شحاتة أو أن مسلسل اخفاء المسلمات الجدد مستمر من قبل الكنيسة وهو ما دفع البعض الي الظن أن القانون لا يفيد و ربما أدي هذا الي حريق الكنائس، فلا حل الا بالعدالة الناجزة و اعمال القانون علي الجميع. لا يمكن قبول مكان ما في مصر فوق القانون أو خارج عن القانون و بالتالي فلا مناص من خضوع الكنائس و الأديرة للقانون و ذلك بعد اطلاق نار من مبان يسكنها أقباط حول الكنيسة بعد قتل مسلم بيد رهبان دير أبي فانا. البابا شنودة كان حليفا لمبارك حتي أنه دعا الأقباط صراحة لتأييد جمال للرئاسة، و بذا فان البعض ينظر الي الأكليروس كأعداء للثورة أو بأنهم من الثورة المضادة !! بالنسبة للفتن الطائفية أري أن الوحدة الوطنية أصيلة بين المسلمين و الأقباط الذين عاشوا جنبا الي جنب خلال 14 قرنا من الزمان، أما الفتن فأن معظمها يعود الي تحول الدين و خاصة بالنسبة للسيدات و الفتيات المسيحيات الي الاسلام، وهذا بالطبع يثير عائلاتهن الأصلية و يدفع الي احتجازهن بالكنائس وهو ما لا يرضاه المسلمون باعتبار ديانتهن الجديدة، فتبدأ مطالبة المسلمين بالمسلمة و تكابر الكنيسة بالرفض و التموية و الأساليب الملتوية ومن هنا تنشأ الفتنة، و أري أنه من أراد تغيير دينه فانه لا يفعل ذلك الا بعد ابلاغ النيابة العامة التي تستجوبه و تطمئن الي رغبته الحقيقية في تغيير دينه، فتخاطب النيابة العامة عائلته و أهل دينه، و بالتالي تكون النيابة العامة مسئولة عنه مسئولية تامة حال تعرضه لمكروه من أتباع دينه الأول. أن يمثل المتحول أمام النيابة العامة و يقر بتحوله سوف يوفر له حماية ضد الخطف أو التدليس وهو ما من شأنه أن يحمي الوحدة الوطنية و يزيل سببا أساسيا لأي فتنة طائفية قادمة. بالنسبة للمحافظين فيري البعض أن بعض المحافظين الجدد و الوزراء فاسدون وهو ما يفتح الباب الي كيفية اختيار القيادات، الثورة قامت لاعلاء الديموقراطية و بالتالي لا مناص من استصدار قانون لجعل المحافظين بالانتخاب الحر المباشر و كذا اعادة قانون انتخاب العمد و عمداء الكليات، كما ينبغي المبادرة بحل المجالس المحلية باعتبارها وقود الثورة المضادة. الثورة تسير بخطي ثابتة و بدون أي اجراء استثنائي، و لكن لا نري مشكلة في اعتقال المخربين أو من تدور حوله الشبهات في اثارة الفتن أو الاضرار بالأمن العام. بالنسبة للفراغ الأمني: أري أنه قد أن الأوان لمحاسبة أفراد و ضباط الشرطة المتقاعسين عن العمل، فمن لا يعمل يجب محاسبته أو فصله عن العمل، و أري أنه يمكن فتح باب التطوع للعمل في جهاز الشرطة من شباب الخريجين العاطلين عن العمل بعد تأهيلهم لذلك تأهيلا سريعا بأكاديمية الشرطة، أثناء الحروب كانت الكلية الحربية تخرج دفعات تدربت في الكلية ثم تدفع بهم مباشرة الي ميدان القتال، و أري أنه بعد الانفلات الأمني يمكن استبدال الضباط المتقاعسين عن العمل بخريجي الجامعات المدنية و خاصة خريجي كليات الحقوق بعد تأهيلهم في كلية الشرطة، كما يمكن الاستعانة بأصحاب المؤهلات المتوسطة كأمناء شرطة أو مساعدي ضباط بعد تأهيلهم، و بذا يمكن سد الفراغ الأمني سريعا . الثورة أطلقت العنان للمصريين جميعا فظهر شغفهم بالعمل العام وهذا حسن جميل، و لكن المشكلة أن بعض الناس لم يعتد الممارسة السياسية و يريد أن يفرض رأيه علي المجتمع و من هنا تكمن الخطورة، بعض الأقباط متخوف من الجماعات الاسلامية التي زال الحظر عنها و بدأت التحرك بحرية و تشكيل أحزاب و جماعات ويريد أن يدفع المجتمع لفرض قيود عليهم، السلفيون يرفضون اقامة القبور في المساجد و الاحتفال بالموالد، و لكن ليس من حقهم اجبار المجتمع علي هدم الأضرحة. يجب أن يتوجه الخطاب الاعلامي العام لكي يبين للناس أنه من حقهم أن يعبروا عما يريدونه و لكن لا يمكن اجبار المجتمع علي ما تريده الا بعد الفوز في الانتخابات عن طريق صندوق الانتخاب. الخطاب الاعلامي يجب أن يعلم الناس أن المطالبة بما تريد أو ما تعتقد أنه الصحيح لا يلغي حق الأخر في اعتقاده و تبقي الكلمة العليا لصندوق الانتخاب، مثلا أيام الاستفتاء علي تعديل الدستور كانت الغالبية العظمي من النخبة التي استضافتهم كل برامج (التوك شو) علي الفضائيات علاوة علي الأقباط الذين حركتهم الكنيسة، كان كل هؤلاء يرفضون تعديلات الدستور، ثم كانت النتيجة أن كل هؤلاء لا يمثلون الا 20 % من المصريين الذين شملهم الاستفتاء !. جميع المصريين يطالبون بالدولة المدنية، فلا مكان في مصر للدولة الثيوقراطية التي يحكم فيها رجل الدين المعصوم بتفويض الهي، و لكن بعض العلمانيين يتحدثون عن الدولة المدنية بمعني الدولة اللا دينية و تناسوا أن مصر دولة اسلامية و أن الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع بحسب الواقع و بحسب كل دساتير البلاد، و لا يمكن فصل المسلمين عن دينهم باعتبار أن الاسلام دين و دولة، فالعلمانيون يطلقون كلمة الدولة المدنية كحق يراد به باطل. ثورة 25 يناير المجيدة قامت لتفعيل الديموقراطية، و بالتالي فالنخبة المتحمسة ينبغي عليها أن تحاول اقناع الأخر بفكرتها ثم الرضوخ في النهاية لرأي الأغلبية حسب صندوق الانتخاب.