قالت هيئة الإذاعة السويسرية "سويس إنفو"، إن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ستجد نفسها في مأزق جديد بعد اكتساح المشير عبدالفتاح السيسي لانتخابات الرئاسة في مصر بنتيجة فاقت حتى نسبة فوز الرئيس المخلوع حسني مبارك في انتخابات 2005 بنسبة 88%. وأشارت إلى أن إدارة أوباما "مترنّحة ما بين مطالبها المعلنة بتحقيق مطالب الشعب المصري في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، في وقت ازداد فيه القمع والإقصاء وتوارت التعددية السياسية في مصر، وبين قانون أمريكي يحُول دون تقديم المعونة الأمريكية لأيّ دولة يُطيح فيها انقلاب عسكري بالرئيس المنتخَب، وبين مصالح أمريكية كبرى تستوجِب الحفاظ على التعاون الإستراتيجي مع المؤسسة العسكرية المتنفذة في مصر". وتابعت: "لذلك، لم يكن غريبا أن ينعكس هذا التخبّط في خطاب الرئيس أوباما في وست بوينت والذي حدّد فيه ملامح السياسة الأمريكية في مصر بقوله: "نقر بأن علاقاتنا بمصر تستند إلى المصالح الأمنية، بدءا من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وحتى الجهود المشتركة ضد عنف المتطرّفين. ولم توقف الولاياتالمتحدة تعاونها مع الحكومة المصرية الجديدة، ولكنها تستطيع وستواصل الضغط المستمر عليها من أجل تنفيذ الإصلاحات التي طالب بها الشعب المصري". ونقلت عن المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية عن ملف التحوّل الديمقراطي في مصر، إيمي هوثورن، قولها إن "تصريح أوباما يعكِس وقوع الولاياتالمتحدة في خيار صعب بين مبادئها ومصالحها". وأضافت: "لذلك جاءت رسالته مرتبِكة. فهي من جانب تؤكّد أهمية الحفاظ على العلاقات الخاصة مع القوات المسلحة المصرية في مجال الدفاع والأمن، ومن جانب آخر، لا تخفي قلق واشنطن من العُنف والقمع السياسي في مصر، المتمثل في انتهاكات حقوق الإنسان منذ وقوع الانقلاب العسكري وعمليات الاعتقال بعشرات الآلاف وأحكام الإعدام بالمئات". وترى هوثورن، التي تعمل حاليا في برنامج الشرق الأوسط بمجلس الأطلسي في واشنطن، أن قرار إدارة أوباما الأخير بالإفراج عن نصف المساعدات العسكرية الأمريكية المَوقوفة، سيعطي الانطباع بأن واشنطن لا تولي القمع السياسي في مصر نفس الأهمية التي توليها لمصالحها الأمنية، وأنها مستعدة للتعامل مع مَن يصل إلى السلطة في مصر، ما دام سيخدم مصالحها". وتوصي بأن تحاول إدارة أوباما بناء علاقات متنوّعة مع كافة أطياف القوى السياسية في مصر، وليس فقط مع الرئيس والحكومة والمؤسسة العسكرية. من جهته، لا يرى بول سالم، نائب رئيس البحوث والسياسات في معهد الشرق الأوسط في ملاحظات أوباما تناقضا. وقال: "لم يخف الرئيس أوباما ترتيب أولويات إدارته، بل أوضح أنها مكافحة الإرهاب، والحفاظ على تفوّق إسرائيل كأقرب حليف في المنطقة وتأمين تدفق إمدادات البترول من الخليج والحيلولة دون حيازة إيران للسلاح النووي، ولم يعلن أبدا أن من بين أولوياته أن تقود مصر عملية التحوّل نحو الديمقراطية". وأقر بأن الرئيس أوباما قد لا يكون راضيا عن المسار السياسي المتخبّط في مصر، ولكنه "لا يرى أن التحوّل نحو الديمقراطية الحقيقية في مصر ضِمن أولويات الإستراتيجية الأمريكية". من جهتها، ترى ميشيل دون، الباحثة الأمريكية المتخصّصة في التحوّل الديمقراطي في الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي للسلام العالمي، أن أوباما يواصل السياسة غير الحاسمة التي اتّبعها منذ ثورة يناير 2011 في مصر، وهي التواصل مع مَن يكون في السلطة ومحاولة ركوب موجة التغيير في مصر بهدَف استمرار التعاون الأمني، وهي سياسة أنتجت مشاعر عدائية إزاء الولاياتالمتحدة لدى كل الأطراف، سواء العلمانيين أو القوميين، بل وحتى الإسلاميين، وأثارت الرَّيبة لدى المصريين في النوايا الأمريكية، وقالت: "لا شك أن جزءا من اللَّوم عن تنفير كل الأطراف في مصر من الولاياتالمتحدة، يقع على عاتق إدارة أوباما بسبب انتِهاج سياسة تتّسم بقِصَر النظر". وتابعت: "لذلك، فبمجرد أن تبدأ رئاسة السيسي، تصبح الولاياتالمتحدة بحاجة ماسّة إلى استراتيجية جديدة في علاقاتها مع مصر، تجمع بين الحفاظ على التعاون الأمني والإقرار بأن مصر لن تشهد انتقالا للديمقراطية في الوقت الحالي، ولكن على الأقل يجب أن يتوجّه الدعم الأمريكي للمساعدة في الوفاء بمطالب الشعب المصري في الخبز والحرية والعدالة، من خلال الاستثمار في الاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها من المجالات التي تحسِّن معيشة المواطن المصري". وترى أيضا أنه لن يكون بوسع الولاياتالمتحدة التخلّي عن علاقاتها الإستراتيجية مع مصر، بعد أن استثمرت مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية واقتصادية على مدى قرابة أربعين عاما، ولكن يجب على إدارة أوباما أن تواصل تنبيه السيسي إلى قلقِها من أن استمرار القمع والإقصاء، سيمد في أجل عدم الاستقرار والذي قد تتصاعد وتيرته بشكل يهدِّد الشراكة المصرية الأمريكية، ويجب أن لا تكرر واشنطن مع السيسي خطيئة السكوت عن خطايا الرئيس مرسي، إذا رأت خروجا من الرئيس الجديد على مطالب الشعب المصري وطموحاته. إلا أن إيمي هوثورن ردت بالنفي على هذا السؤال، واستشهدت بأنه رفض الاستجابة لعشرات من النصائح والتوصيات التي قدّمها له وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل في أكثر من ثلاثين مكالمة هاتفية، عندما كان السيسي وزيرا للدفاع. وتقول: "مع أن تصريحات السيسي خلال حملته الانتخابية أكّدت رغبته في استمرار العلاقات الإستراتيجية مع الولاياتالمتحدة، فإنه أشار إلى أن تلك العلاقات يجب أن تستنِد إلى رًؤيته الخاصة بتوجّه المسار السياسي في مصر وأسلوبه في إدارة البلاد، وهو ما لن تكون الولاياتالمتحدة مستعدّة لقبوله. ولذلك، أتوقّع استمرار التوتّر في العلاقات المصرية الأمريكية". في سياق متصل، تشرح الدكتورة تمارا ويتيز، النائبة السابقة لمساعد وزير الخارجية للشرق الأوسط والمديرة الحالية لمركز صبان لسياسات الشرق الأوسط، حالة التوتر الحالي في العلاقات بين واشنطن والقاهرة. وقالت: "لا أحد يستطيع التنبُّؤ بمستقبل العلاقات المصرية الأمريكية. فمع أن كل طرف يُدرك تماما أهمية الحِفاظ على علاقات وثيقة مع الطرف الآخر، فإنه لا الولاياتالمتحدة ولا مصر السيسي، ترغب في أن تنطلِق العلاقة من موقِف ضعف". توجهت swissinfo.ch عبر الهاتف للسيد عمرو موسى، وزير الخارجية المصري الأسبق ورئيس الهيئة الإستشارية لحملة السيسي، لمعرفة رأيه في مستقبل علاقات مصر بالولاياتالمتحدة بعد انتخاب وزير الدفاع السابق رئيسا للبلاد فقال: "يتعيّن الدخول فورا في حوار عميق وصريح وبنّاء للوقوف على حقيقة ما يريده كلّ طرف من هذه العلاقة، والشكل الذي يريده لتلك العلاقة، وذلك للتوصّل إلى تفاهُم يأخذ في الإعتبار حقيقة أنه لم يعُد بوسع الولايات المتّحدة أن تبلغ الرئيس المصري بما تريد وتتوقّع أنه سيستجيب فورا، فقد مضى ذلك العهد". السيد عمرو موسى نبّه أيضا إلى ضرورة الفصل فورا بين المساعدات التي تقدّمها الولاياتالمتحدة وبين وسائل الضّغط في اللّعبة السياسية، لأن الولاياتالمتحدة أوقفت تقديم معُونة بقيمة مائتي مليون دولار، فسارعت دول الخليج الصديقة لتقديم اثني عشر ألف مليون دولار، وإذا استمرت في استخدام المساعدات كأداة للضّغط، فستسوء العلاقات المصرية الأمريكية. ميشيل دون بدت متفقة مع السيد عمرو موسي في أن السُّبل المتاحة أمام إدارة أوباما للتأثير فيما يحدث في مصر، قد انتقلت من مستوى الضغط والإملاء إلى مستوى النّصح والإقناع في ظلِّ اقتِناع السيسي بأهمية استمرار الحصول على المساعدات العسكرية والتعاون الإستراتيجي مع الولاياتالمتحدة، ولذلك ترى في التصريح الفريد الذي صدر عن الجنرال مارتن ديمسي، رئيس الأركان الأمريكية، مؤشرا هاما، وتقول: "من النادر أن يصرّح قادة عسكريون أمريكيون بما قاله الجنرال ديمسي، من أن العلاقات العسكرية مع المؤسسة العسكرية المصرية سوف تتأثر بمدى ما سيتحقّق في مصر من تقدّم في الإنتقال السياسي، وهذه وسيلة تأثير لا يمكن إنكارها في الجمع بين رغبة السيسي في الحفاظ على الشراكة الإستراتيجية مع الولاياتالمتحدة ورغبة الإدارة الأمريكية في مساندة مطالب الشعب المصري وإقامة علاقة جديدة بعيدة عن نظريات المؤامرة التي تروِّج لها وسائل الإعلام العام والخاص