ذكرني مشهد الباصات القادمة من ريف مصر إلي اعتصام رابعة العدوية في مدينة نصر إلي جوار منزلي ، بورقة بحثية كتبها صديقي الراحل العظيم حسام تمام حول ترييف الأخوان المسلمين ، فاعتصام رابعة العدوية قام علي القوة القادمة من ريف مصر ، هذا يعكس خلل حدث في جماعة الأخوان المسلمين التي نشأت في مدينة الإسماعيلية والقاهرة ، واعتمدت علي جذب حسن البنا المؤسس لنخب كان أبرزها سيد قطب الذي كان أبرز نقاد الأدب في عصره وله كتاب مشهور في النقد الأدبي ، جذب حسن البنا النخب من خريجي الجامعة المصرية والأزهر ، لكن من سبعينيات القرن العشرين خاصة مع تراجع دور الدولة المصرية في مجال الرعاية الصحية وارتفاع نسبة الأطباء في جماعة الأخوان المسلمين ، ظهرت المستوصفات الطبية في أطراف المدن الكبري كالقاهرة والجيزة ذات الطبيعية الريفية ، وفي غيرها لتقدم خدمة رخيصة جيدة ، امتدت إلي توفير درجة من درجات الرعاية الاجتماعية في زمن السلم مع السلطة المصرية منذ صعود حسني مبارك لسدة الحكم في مصر ، الذي وفر منخا جيدا نمت وترعرعت فيه جماعة الأخوان المسليمن ، دولة فاشلة في التفاعل بصورة جيدة مع متطلبات المجتمع ، جماعة تعيش دور الضحية ، نظام سمح لجماعة دينية بممارسة أدوار دون غطاء شرعي يخضعها للرقابة ، فضلا عن نمو مضطرد لجماعة الأخوان المسلمين .
جذبت جماعة الأخوان المسلمين لصفوفها في ظل تكلس وجمود المؤسسات الرسمية الدينية ( الأزهر / الأوقاف ) أهل الريف ، فاختفاء الكتاتيب جعل أفراد الجماعة يقومون بتحفيظ القرأن الكريم ، متطوعين ، ليكون هؤلاء الأطفال أو بعضهم أعضاء مستقبليين في الجماعة ، فالمؤسسة الرسمية العاملين فيها لا يقومون بدورهم بقدر ماهم موظفين لا دعاة ، فضلا عما شهدته مصر من تضييق أمن الدولة علي الأنشطة الأهلية في المساجد الرسمية فالمجتمع محروم من التفاعل مع المساجد وأداء أدوار كالرعاية الاجتماعية وغيرها، مما فصل المساجد عن المجتمع والتي صار بعضها يغلق بعد كل صلاة ، باتت مساجد الأخوان المسلمين ذات حركية وفاتعلية في مجتمعات ريفية محافظة ومتدينة بطبعها الموروث من عصور قديمة .
تنامت اعداد المنتمين لجماعة الأخوان في بعض قري ومدن مصر الصغيرة في الوقت الذي خطف فيه الدعاة الجدد والسلفيين جزء من جمهور المدن إلي جانبهم فشكلوا تيارا أخر غير تيار الأخوان المسليمن ، ومثلت ظاهرة عمرو خالد والشباب الذي التف حوله تحديا علي سبيل المثال لهذه الجماعة ، صار طلاب الأخوان المسلمين القادمين من الريف إلي الجامعات المصرية وقود جماعة الأخوان داخل الجامعات وفي الانتخابات الطلابية ، فاكتسحت الجماعة منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين اتحادات الطلاب في ظل تراجع اليسار المصري والتيار الناصري والوفد وغيرها من التيارات السياسية داخل الحركة الطلابية المصرية ، ونافس الأخوان المسلمين أما حركات طلابية موالية لنظام حكم مبارك أو حركات طلابية مستقلة غير منظمة ، لكن تحول هام أدي إلي تراجع الأخوان نسبيا في الجامعات وهو ظهور شبكة الانترنت ونمو شبكات التواصل الاجتماعي مما جعل التواصل بين تيارات طلابية أخري في الجامعات والتنسيق بينها أيسر من ذي قبل وعليه بدأ اليسار يستعيد جزء من دوره وبدا الطلاب المستقلين أكثر تنظيما وترابطا من ذي قبل .
اتفق مع ما ذهب اليه الراحل حسام تمام في تأثر جماعة الأخوان المسلمين بالقيم الريفية في تنظيمها ، كالطاعة الأبوية للأكبر أو القائد ، وتحول الجماعة لقرية كبيرة تشيع فيها النميمية ، مع استخدام تعبيرات مشتقة من الهيراركي الريفي مثل ( عم الحاج ، الحاج الكبير ، بركتنا ، بركة الجماعة ، تاج رأسنا ) وتمام محق تماما فيما ذهب إليه وأكد في دراسته إلي أن غلبة الريفيين علي مكتب الارشاد هي نتيجة طبيعية لذلك ، لكن في ذات الوقت حينما تسرب التشدد إلي جماعة الأخوان المسلمين نجد من هم منها من أصول ريفية تذهب نحو الوسطية والاعتدال علي غرار التدين المصري التقليدي انشقوا عن الجماعة أو نحوا جانبا علي غرار الدكتور ابراهيم الزعفراني القيادي الأخواني القادم من ريف محافظة كفر الشيخ إلي الاسكندرية والدكتور محمد حبيب القيادي الاخواني في صعيد مصر .
لكن يظل التعاطف مع جماعة الأخوان المسلمين علي المحك ، إذ فقدوا تعاطفا من مساحات كبيرة في الريف المصري ، إذ أن الصعود للسلطة وممارستهم المتعجله للحكم جعلهم يفقدوا جزءا لا بأس به من أرضيتهم ، في ظل دولة تمر بأزمة اقتصادية حادة، ويعتمد أهل الريف علي الخدمات التي تقدمها الدولة خاصة في مجال التوظيف أو الخدمات العامة كمرفق الكهرباء أو الوقود أو حتي الأسمدة المدعومة من الدولة للفلاحين ، فعجزت الجماعة عن تلبية متطلبتات أهل الريف بل عجزمن وضعتهم في مسؤليات الحكم المحلي كرؤساء المدن والاحياء عن تقديم الخدمات أو حل مشكلات الأهالي المتعلقة بحياتهم اليومية ، كل هذا جعل رصيد الجماعة يتأكل ، فضلا عن أن عدم اصلاحها نظم الرعاية الصحية والاجتماعية يبدو للبعض أنه قائم علي استمرارية جماعة الاخوان في ممارسة ذات الأدوار كجماعة تحظي بدعم السلطة الحاكمة فبالتالي يزيد دور الجماعة علي حساب دور الدولة .
إن القول بأن ما يجري حاليا سينهي جماعة الأخوان المسلمين هو من قبيل الهراء ، اذ ستظل الجماعة تمارس أدوارها وتعيد بناء صفوفها في ظل دولة تحتاج إلي اصلاح جذري وشامل ، ومجتمع مدني في حاجة إلي اطلاقه ليمارس أدواره ، ونظام حكم محلي قائم علي هيمنة المركز ، دون أن يكون للريف أي دور في ادارة شؤونه . غير التساؤل الكبير الذي سيواجه الجماعة وقواعدها في ريف مصر هو العلاقة الملتبسة بين الممارسات السياسية والدعوية وأموال الجماعة وما أثير حولها إذل أن عدم وجود ردود مقنعة لدي أفراد الجماعة سيجعل منها خصما سهل المنال لخصومهما ، خاصة أن ما حدث مؤخرا في شهر تموز يوليو من عزل الرئيس الأخواني محمد مرسي أعاد لبعض القوي التقليدية جزءا من نفوذها ودورها في الريف كالعائلات الكبيرة ، وكذلك امتداد الحركات الثورية الشبابية للريف المصري وهو تحدي غير مسبوق للأخوان المسلمين وغيرهم من التيارات الإسلامية فالحراك السياسي المصري سيفرض علي الأخوان تحديات غير مسبوقة ؟