نصحت الجماعة الإسلامية عبير لطفي بتسليم نفسها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبالفعل اصطحبها بعض أعضاء الجماعة إلى هناك. نتمنى أن يخفف ظهور عبير وقصتها الاحتقان الطائفي الذي زاد في السنوات الأخيرة بسبب تحول أعداد من المسيحيات إلى الإسلام. عبير اعتنقت الإسلام ليس عن معرفة ولا إيمان بعد دراسة. إنها إنسانة بسيطة جدا كما وصفت نفسها للأستاذ محمود سعد، لكنها اختنقت بسبب تشدد الكنيسة الأرثوذكسية في موضوع الطلاق إلا لعلة الزنا، فحياتها مع زوجها كانت جحيماً لا يطاق، ضرب وإهانات وعشرة مستحيلة. وحتى عندما انجبت منه زاد تعذيبه لها لأن المولود أنثى! كيف لعبير أو أي إمرأة أخرى غيرها أن تعيش هذه الحياة في ظل تشدد فقهي لا تبذل معه الكنيسة أي اجتهاد لتخفيفه والتيسير على رعاياها؟! هذا التشدد الكنسي أضير منه المسلمون، وحُملوا تبعات لا شأن لهم بها، فالكنيسة وخطاب أقباط المهجر نشرا على نطاق واسع ما أسموه "أسلمة المسيحيات وخطفهن" وصار ذلك بالفعل أحد المآخذ في لجان حقوق الإنسان بوزارة الخارجية الأمريكية والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي. ووقع بعض المسلمين دون قصد منهم في ممارسات تؤكد تلك المزاعم، وكانت أكبر الأخطاء في رأيي تظاهراتهم أمام الكاتدرائية، فأي راغب في حريق يأكل الأخضر واليابس بمصر، لا يجد أكثر ملائمة من مظاهرات كهذه. ثم ذهابهم إلى كنيسة مار مينا للتفتيش عن عبير بأنفسهم، فقد وقعوا في مخالفة للقانون، لأنهم ليسوا جهة مخولة بذلك، فحدث الصدام والاقتتال الدامي والضحايا. لكن المشكلة أيضا غياب الثقة في الجهات الرسمية، فهي لم تفعل شيئا في حالات سابقة أمام رفض الكنيسة الخضوع للقانون المدني، واعتبار نفسها دولة داخل الدولة لها قوانينها الخاصة بها التي تحكم رعاياها ولا يخضعون إلا لها. لقد ثبت من التحقيقات أن المسلمين أبلغوا أولا مدير أمن الجيزة ببلاغ الشاب عن احتجاز "عبير" في بيت من 8 طوابق مجاور للكنيسة، وجاء إلى المكان ولم يفعل شيئا استنادا على تجارب سابقة اعتبرت "الكنيسة" وملحقاتها أرضا مستقلة لا يجوز تفتيشها، ولو كان الحكم للقانون والدولة المدنية لاستصدر مدير الأمن أذناً من النيابة لتفتيش البيت. كانت مصر في حاجة إلى هذه البداية القانونية للتعامل مع احتقان يمكن أن يكون عادياً لو لم يعتبره جهاز أمن الدولة السابق ملفاً دينياً، وهو الملف الذي جعل الكنيسة تنتهك حرية العقيدة للمسيحيين وجعلتهم تحت ولايتها في شئونهم الحياتية والشخصية. ظهور عبير وتسليم نفسها للمجلس العسكري وما ستقوله في التحقيقات الرسمية، ويجب أن يكون شفافاً وعلنياَ، قد يكون فاتحة خير لعلاج المسبب الرئيسي للفتنة الطائفية، فقد قالت إنها احتجزت في أماكن داخل الكنائس أشبه بالسجون، ولم يكن يسمح لها بالخروج، بل إن آخر مكان احتجرت فيه كان غرفة لا نوافذ لها ولا "بلكونة". لا نستطيع أن نطالب الكنيسة القبطية بعلاج مشكلة منع الطلاق، هذا شأنها وشأن المسيحيين، لكننا نطالبها بأن يكون ما قالته "عبير" سببا في انهاء عهد "الدولة الدينية" التي أنشأتها الكنيسة، وأن تصبح الكنائس والأديرة مكاناً للعبادة والروحانيات، لا أن تقوم بمهمة المباحث وأجهزة السجون. لأول مرة يتاح لنا أن نعالج المسألة خارج الحل الأمني المعتاد أو جلسات العرف التقليدية بين الشيوخ والقساوسة. يجب أن نعترف جميعنا بأخطائنا مسلمين ومسيحيين من أجل أن ننقذ أمتنا "مصر" من الخطر الذي يوشك أن يهلكها. حرية العقيدة هي الحل. لا يمكن أن تقوم أمة وتنهض وتتحضر، وفيها سجون يحتجز داخلها من يغير عقيدته أو دينه. لن تقوم دولة مدنية حقيقية فيما رجال الدين المسيحي ينصبون أنفسهم قضاة ومشرعين وسجانين ويفرضون سلطة الدولة على رعايا دينهم. لن تقوم دولة وينتشر أمن ويُفرض قانون، فيما بعض المسلمين يعتقد أن من حقه وما يفرضه عليه دينه، أن يدخل كنيسة ليحرر سيدة مقهورة من زوجها ولا يمكن لها حسب عقيدتها الطلاق منه، فهربت مع شاب مسلم وتزوجته وحملت منه بينما ما زالت في الأوراق الرسمية على ذمة زوجها المسيحي. الإسلام ليس ذلك أبدا!