لاشك أن مهمة الرئيس القادم هى مهمة ثقيلة وصعبة للغاية لأنه سيأتى بعد قيام المصريين بثورتين متتاليتين أطاحت بنظامين أحدهما جثم على صدور المصريين لمدة 30 سنة ذاقوا خلالها كل أنواع الفساد والديكتاتورية والتسلط ، والآخر أراد أن يحول مصر الى عزبة تديرها جماعة غير قانونية لها ميليشيات مسلحة وتنظيم دولى يمولها. وشهدت مصر خلال عهد النظامين البائدين انتهاكات جسيمة وعديدة لحقوق الإنسان بدءاَ من الإعتقال التعسفى خارج اطار القانون وانتشار حالات التعذيب فى السجون وأماكن الاعتقالات ، وتردى الأحوال الاقتصادية والإجتماعية ، وانتشار البطالة وتفشى الفقر فى كل ربوع مصر، الى كبت الحريات لاسيما حرية الرأى والتعبير وحق التظاهر السلمى، الى العنف والتمييز ضد المرأة وعمالة الأطفال...الخ، ولعلى لا ابالغ اذا أجزمت بأن ثورتا 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 يعتبرا ثورات لحقوق الإنسان، واحترامها وتعزيزها أصبحا يمثلا الآن احدى أهم المطالب للشعب المصري، واحدى أكبر التحديات الرئيسية في بناء الدولة المصرية المدنية الحديثة. على الرئيس القادم – أياَ كان اسمه – أن يعلن صراحة من أول يوم لتقلده المنصب عن رؤيته لأوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة وأن يضع قضايا الحقوق والحريات فى صميم صميم أولوياته، لأن اهمالهما ببساطة سيعنى ثورة جديدة من الشعب المصرى عليه. وبنظرة سريعة سنجد أن هناك الكثير من الإشكاليات والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان فى مصر والتى يجب على رئيس مصر القادم التعامل معها وايجاد حلول جذرية لها ولعل من ابرزها مايلى: - تحقيق المساواة بين جميع المواطنين وعلى جميع الأصعدة بدون تمييز على أساس الجنس أو اللون أو الدين..الخ، واعلاء قيم المواطنة وحماية الدولة المدنية. - خلق مناخ صحى وحقيقى لممارسة الشعائر الدينية. - تجريم التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والمهينة، وإشكالية استمرار التعذيب فى أقسام الشرطة ومقار الاحتجاز، وخطوات وزارة الداخلية لمحاسبة الضباط المتورطين فى جرائم التعذيب. - اصدار حزمة من التشريعات المكملة للدستور والداعمة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية مثل: قانون دور العبادة الموحد، وقانون منظمات المجتمع المدنى ليحررها من سيطرة الدولة بدون أن يعنى ذلك عدم وجود رقابة وفقاَ للقانون ، بالإضافة الى تعديل قانون التظاهر المعيب ليتفق مع المعايير الدولية ومع دستور مصر الجديد لسنة 2014. - التخلص نهائياَ من القوانين سيئة السمعة التى صدرت منذ سنوات و كان هدفها تقييد الحريات وتكبيل الحقوق. - العمل على تمكين المرأة سياسياّ واقتصادياّ واجتماعياَ وابراز دورها الفعال فى المجتمع المصرى. - ضرورة تحقيق التوازن بين مكافحة الإرهاب من ناحية وبين احترام حقوق الإنسان من ناحية أخرى. - تبنى منهج واضح ومحدد للعدالة الانتقالية لضمان الانتقال الصحي من حقبة الانتهاكات التي شهدتها مصر لعقود طويلة مضت، الى مستقبل يستند على الكرامة الإنسانية واحترام حقوق الإنسان وقيمها ومقاصدها الأساسية في الحرية والعدالة والمساواة والتسامح والديمقراطية والتنمية، وعلى نحو يحقق الهدف الأساسي في المصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي والتحرك نحو المستقبل، مع ضرورة الاستفادة من التجارب الدولية في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وشرق اوروبا. - تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال مجموعة السياسات والتشريعات الداعمة للطبقات المهمشة الفقيرة، واصلاح منظومة الدعم الذى يذهب معظمه الى الأغنياء. - دعم دور المؤسسات الرقابية لمكافحة الفساد الذى استشرى فى الجسد المصرى ، وتفعيل آليات المساءلة والمحاسبة لمن يثبت تورطه فى قضايا الفساد. - ضرورة مصادقة مصر على جميع الإتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، وسحب التحفظات التى أبدتها على الإتفاقيات الأخرى، والتعاون مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بدعوة المقررين الخواص لزيارتها( لم تستجب مصر للطلبات المتكررة من المقرر الخاص بشأن التعذيب بالحصول على دعوة لزيارة البلاد منذ عام 1996)، وعدم التأخر فى تقديم التقارير الدورية الى لجان وهيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. - الموافقة على استضافة مصر للمكتب الإقليمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في القاهرة لتمتد اختصاصاته ايضاَ ليشمل دول شمال افريقيا. اهتمام الرئيس القادم بحقوق الإنسان وحرصه عليها ووضعها على رأس أجندة أعماله سيبعث برسائل ايجابية للغاية للمجتمع الدولى مفادها أن مصر حريصة على احترام حقوق الإنسان وتعزيزها على مختلف الأصعدة، وأنها فى طريقها نحو التحول الى مجتمع ديمقراطى يتمتع فيه كل مواطن بكافة حقوقه وبكامل حرياته بعد أن حُرم منها على مدار عقود طويلة، وغلق صفحة الماضى البغيض بكل عيوبه. لقد ولى زمان انغلاق الدول على أنفسها، ولم تعد قضية حقوق الإنسان شأن داخلى، وفى عالمنا المعاصر يقاس مدى تحضر الأمم بمدى احترام حقوق الإنسان لديها وبمدى تمتع كل مواطن بحقوقه وحرياته، ومصر دولة رائدة دائماَ أنهكتها وكبلتها سنوات الإستبداد والعزلة، وهاهى تعود من جديد ، ونريد لها نحن المصريون عودة محمودة قائمة على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.