جعل الله الجبال أوتادا, تحفظ الأرض من الاضطراب, وفي ذلك يقول تعالى: ((وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)).. فإذا ما صار الوتد يوما سببا لاضطراب الأرض ومصدرا للقلاقل, فإنه حينئذ يفقد أخص وظائفه, وتزول عنه "شرعيته" كوتد, بل يفقد "وتديته", ويوشك أن يُقتلع, ولو منّى نفسه بأن يعمّر ألف سنة! فرحمن الدنيا والآخرة, هو وحده الذي أرسى الجبال وجعلها أوتادا, وهو وحده الذي ينسفها نسفا يوم يشاء ذلك, لا يعجزه أن قد ضرب الوتد بجذره إلى سابع أرض, عزيز جبار متكبر, لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه.. يقول تعالى واصفا ذلك المشهد الرهيب يوم القيامة: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا.فيذرها قاعا صفصفا. لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) فأي شيء يملكه ذاك الطود الراسخ؟ وأي شيء يعصمه من أمر الله؟ غايته أنه مربوب مقهور, لا يملك من أمره شيئأ! وقد قصَّ الله علينا في كتابه الذي لا تنقضي عجائبه, من أخبار طاغية متغطرس, أفسد في الأرض وكان عاليا من المسرفين, فتطاول على رب العزة, حين قال: (فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى) وتفاخر وتباهى بما آتاه الله من سلطان واستبعد أن يزول, يوم قال: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون)؟ واستهزأ بعباد الله الصالحين, وانتقص من قدرهم وهو يعلم أنهم أهل الله وخاصته, حين قال: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) ولعمري! إنها لطوام ثلاث, ليس لمرتكبها فكاك من عقاب الله إلا بتوبة نصوح وانكسار وذل وتواضع وبكاء وندم يعتصر القلب! وإلا, فأخذ ربك أليم شديد. هذا الطاغية الذي أهلكه الله ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية: لم يكن "وتدا" كما وصف بعض مثقفي اليوم نفسه, بل كان "ذا أوتاد"! تثبت ملكه وترسخ طغيانه, فسبحان القهار! ما كانت عاقبته إلا أن صب عليه ربه سوط عذاب, فأغرقه وأوتاده في اليم, وما كان لهم من حول ولا قوة! فهذا من قصص القرآن, جعله الله عبرة لأولي الألباب والأبصار, فإن لم يكن للمرء حظٌ من العقل ليتعظ بآيات الله المتلوة, فأي حجة وأي عذر يبديه بعد أن أصبح الغيب شهادة, يرى الواحد منا مصداق كلام الله بعيني رأسه, في كل أسبوع مرة أو مرتين؟! لن نغوّر في الزمان ولن نسبح في القفار أونعبر البحار! بل سننظر إلى بلدنا هذا في زماننا هذا. ألم ير المتغطرسون كم من وتد تم خلعه خلال الشهرين الماضيين؟! ويا ليتها اقتُلِعت ثم أُلقيت في فناء لا يلقي أحد لها بالا, إذا لهان الخطب! ولكن شاء الله أن تساق تلك الأوتاد إلى السجن زمرا, لتُدَكّ في أرضه وتزرع هناك, فيتمنى الوتد منهم لو يقتلع اليوم قبل الغد, فلا يجد من يعينه.. ربما يقول قائل: قد فهمنا من تعني, فهل تظن رسالتك بالغة إياه؟ ثم إن وصلت, أتظنه منتفعا بها, وهو الذي أتى بعين ما ذكرتَ من عظائم: من تطاول على رب العزة : (ربنا ماتكلمش من 1400 سنة) (ربنا لو عرض نفسه في الانتخابات مايخدش أكثر من 70%, ويحمد ربنا) ومن تجبّر وتغطرس, يوم أخذته العزة بالإثم: (أنا كالوتد لا أقال..أنا كالطود الراسخ) ومن نبز وامتهان لعباد الله (أصحاب العقول العفنة – أسوأ خلق الله) لكونهم يفزعون إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في كل موطن... أتظنه ينتفع بها: وهو من استمات في الدفاع عن نصر أبو زيد؟! نصر! الذي جعل القرآن منتجا ثقافيا لا قداسة له, وجعل الرسالة تخييلا! أينتفع بها: وهو الذي قدّم لكتاب يزعم صاحبه أن "العلمانية هي الحل", يجلب فيه بخيله ورجله لمناهضة اعتقاد المسلمين أن "الإسلام هو الحل"؟ واضعا بذلك العلمانية أمام الإسلام -لا أمام "السلفية" أو "الأصولية" أو "الوهّابية"- وجها لوجه؟! قلتُ: الله وحده أعلم, وما ذلك على الله بعزيز, ولكن إن لم يقدّر الله شيئا من ذلك, فيكفيني أن بشّرت كل من ضاق ذرعا بظلم وتغطرس "الوتد", وغيره من "الأوتاد" التي لما تقلع بعد, وذكّرتهم بأن الأمر كله لله, والخير كله فيما يقدّره, فإما توبتهم –وهذا أحب إلينا -, وإما اجتثاثهم وذهاب ريحهم وزوال سلطانهم, عاجلا غير آجل, فإن لله سننا في كونه لا تتبدل, وإن عمي عن ذلك البعض وزُيّن له سوء عمله فرآه حسنا.. وأختم بهذا الموقف النبيل, لرجل تربى في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم, فًقِه معنىً منذ ما يزيد على 1400 عام, غاب عن كثير من مدعي الثقافة من "أوتاد" القرن الحادي والعشرين, ذلك حين أعز الله جنده وفتح المسلمون قبرص, فمر جبير بن نفير بأبي الدرداء رضي الله عنه, فوجده قد انخرط في البكاء, فقال: "ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟" فما زاد أبو الدرداء على أن قال: "ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره! بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك، إذ تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى". فرضي الله عن السابقين الأولين, ما أعلمهم بسنن الله, وما أرحمهم بخلقه, وما أنبلهم وأسمى غاياتهم. وليعلم الجميع أن للحق جنودًا في كل مصر وعصر, يعز الله بهم الإسلام, لن يُفرّطوا يوما في واجب الدفاع عن ثوابت الدين, وعن هوية مصر "الإسلامية" –وإن رغمت أنوف الأوتاد-! ولله الأمر من قبل ومن بعد, وإن غدا لناظره قريب..