لم تنته قضية الإرهاب بالنهاية المأساوية للرجل الذى جسدها وصار رمزا لها على مر العقدين الأخيرين. بل ربما كان مقتل أسامة بن لادن فى مخبئه وهو غير مسلح تحت عيون أهله وأسرته وإلقاء جثمانه فى البحر بدلا من اعتقاله ومحاكمته، دليلا على وحشية العنف الأمريكى وإيذانا بمرحلة جديدة فى الصراع. فقد اعتبر أنصاره الذين بكوا عليه ما حدث خيانة من الحكومة الباكستانية، ومن القوى الإسلامية التى احتمت به واحتمى بها فى حربها ضد العلمانية وأعداء الإسلام. وهى قوى مازالت تمثل أرضية خصبة فى آسيا من العداء للغرب. وتجد فى قبائلها وعشائرها حصنا منيعا ضد جيوش الغزو الأمريكى التى تغلغلت فى باكستان وفرضت سيطرتها على باكستان وأفغانستان. لقد تنفس الأمريكيون الصعداء. واعتبرت دول الغرب مقتل بن لادن انتصارا للحضارة الغربية على الفكر الهمجى الدينى الذى قاده رجل بدوى جاء من قلب الصحراء على رأس جماعات غير نظامية، وقلب موازين القوى بأساليب بدائية فى مواجهة أكثر الأسلحة تقدما وأكثر الجيوش حداثة. اتضح أن هذه الجماعات العشوائية غير المنظمة تستطيع أن تستخدم نفس وسائل الاتصال الحديثة التى تمكنها من مقاومة أعتى الجيوش والإمكانات. ولكن كثيرين فى الغرب، سواء من جانب بعض الأحزاب أو فى دوائر الكنيسة، أعربوا عن أسفهم للترحيب والتهليل الذى قوبل به قتل بن لادن بهذه الطريقة البشعة. وأعرب الكثيرون عن شكوكهم فى الرواية التى أعلنتها حكومة أوباما حول ظروف اغتيال بن لادن. وقد بدأت بالفعل تتكشف الطريقة الوحشية التى قتل بها بعد أن اعتقلوه حيا ثم سحبت جثته إلى مروحية لنقلها. أما بقية أفراد أسرته فقد تم التحفظ عليهم تمهيدا لإعادتهم إلى بلادهم. ربما كانت مصر هى الدولة الوحيدة التى اعترضت على أسلوب العنف الذى استخدم فى قتل بن لادن. وما أبداه شيخ الأزهر من اعتراض على طريقة دفنه المنافية للشريعة الإسلامية. ولكن التقاليد الإسلامية فى دفن الموتى لا تلزم الغرب فى شىء.. فقد التزمت الدول العربية والإسلامية الصمت ورفضت التعليق على الحادث.. ومع ذلك رفضت واشنطن نشر الصور الخاصة بتفاصيل عملية القتل. وكان من المفارقات أنها مثل إسرائيل بالضبط اعتبرتها دفاعا عن النفس وأن نشرها يمثل خطرا على الأمن القومى الأمريكى. وهو ما يعيدنا إلى فكرة الإرهاب الدولى الذى روجت له أمريكا واعتبرته أساسا لسياساتها الخارجية وعلاقاتها بكثير من دول العالم فى السنوات العشر الأخيرة. وسارت دول عربية عديدة على نفس النمط. حين أقامت سياستها الداخلية والخارجية على أساس مكافحة الإرهاب باعتباره ركيزة أساسية للاستقرار. واستثمرته إسرائيل إلى آخر مدى.. حتى فى الإصرار على مواصلة الاستيطان ورفض أى محاولات للتوصل إلى اتفاقيات سلام. وأخيرا عندما تمت المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس وتم توقيع الاتفاق بينهما قبل يومين، كان أول اعتراض ضد الاتفاق يأتى من نتنياهو الذى اعتبر أن فى ذلك دعما لحماس وقوى الإرهاب الدولى الذى هدد أمن إسرائيل. وأكبر الظن أن واشنطن يمكن أن تؤيد هذا الاتجاه بعد أن اعتبرت اغتيال بن لادن نوعا من الدفاع عن النفس وعن أمنها القومى! ربما تكون الدول العربية من أكثر النظم التى استفادت من الظاهرة. ومن الدعوة العالمية التى تزعمتها أمريكا لمكافحة الإرهاب، واعتبرتها دستورا للحياة العامة. اتخذته دول مثل مصر ذريعة لإعلان حالة الطوارئ وتطبيق القوانين الاستثنائية دون حاجة إليها فى كثير من الأحيان. وما ترتب على ذلك من اعتقال المعارضين السياسيين والتضييق على الحريات العامة. وكان من الطبيعى أن تلصق بالنظم والحكومات الإسلامية صفة التخلف والعجز عن الديمقراطية. وكلما زاد الضغط الخارجى والتدخل الأجنبى بحجة دعم هذه الحكومات فى مقاومة الإرهاب كما رأينا فى اليمن والمغرب وغيرها وفى إقامة قواعد عسكرية بحجة الدفاع عن خطر الإرهاب الإيرانى.. كلما زادت الانقسامات والمنازعات الطائفية والشرذمة السياسية. غياب بن لادن لن يقلل من خطر الإرهاب الإسرائيلى.. ولن يقلل على الأرجح من محاولات الهيمنة والتدخل الأجنبى فى العالم العربى. ولن يهدئ من حفيظة العرب والمسلمين ضد تيارات التطرف وهواجس الإسلاموفوبيا فى الغرب! الوفد: (لا تجعلوا منه طاغية!!-وفقى المدنى) تستعد مصر خلال عدة أشهر لانتخاب رئيسها القادم بإرادة حرة بعيدة تماماً عن التزييف والتذوير وكل معطيات المرحلة السابقة، وسط مطالب بالاحتكام إلي البرامج وليس الأشخاص، في ظل الأهداف والمكتسبات العظيمة التي حققتها الثورة. وتعد هذه الانتخابات هي الأهم في تاريخ مصر الحديث، وفي تلك الفترة العصيبة، بعدما خلصتنا ثورة الشباب الطاهرة من نظام فاسد مستبد جثم علي صدورنا ثلاثين عاماً كاملة، وبالعودة يا إخواني إلي تاريخ الحكم في الجمهورية المصرية، نجد أن أول رئيس للجمهورية كان اللواء محمد نجيب، وهو رجل ودود للغاية لكنه لم يكن يمتلك سلطة حقيقية في إدارة شئون الدولة، فالأمر كله كان بيد مجلس قيادة الثورة، وعلي وجه التحديد في يد جمال عبدالناصر، الذي جاء من بعده كأول رئيس فعلي للبلاد، وكان قائداً محبوباً من شعبه، وظهرت زعامته علي المستويين الإقليمي والدولي بعد حرصه الدائم علي ضرورة تحقيق القومية العربية، وشهدت فترة حكمه العديد من الإنجازات من أهمها بناء السد العالي، وتأميم قناة السويس، ووضع قانون للإصلاح الزراعي ومجانية التعليم، والأهم من هذا وذاك نظافة يده وعدم استيلائه علي المال العام كما فعل الآخرون. وجاء الرئيس السادات بعد رحلة كفاح طويلة مع النضال والاعتقالات ومن قبلهما الفقر والبؤس ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه، فهو صاحب قرار الحرب في 73 الذي خلصنا من ذل وهوان الاستعمار، ورغم ما تحقق في عهده من منجزات، بدأت أول بذرة للفساد في الظهور، حيث أدت سياسة الانفتاح الاقتصادي إلي ظهور مجموعة من رجال الأعمال الفاسدين الذين نهبوا ثروات الوطن، رغم نظافة اليد التي أشتهر بها السادات. أما مبارك فقد جاء في فترة حالكة السواد وتسلم السلطة بعد اغتيال السادات، ليمسك بزمام الأمور في دولة شبه مدمرة تماماً، والأمانة تقتضي هنا أن نذكر له تلك الإنجازات التي تحققت في السنوات الأولي من عهده، فقد كانت له العديد من القرارات المهمة علي الصعيدين الداخلي والخارجي، لكنها سرعان ما تلاشت تماماً في العشر سنوات الأخيرة، حيث ظهرت تطلعات ابنه وزوجته لتوريث الحكم، ومن ثم فقد استسلم لضغوطات الحاشية، لنجد تزاوجاً رهيباً بين المال والسلطة، ونري في النهاية مجموعة صغيرة تمتلك كل ثروات الوطن ومقدراته. لقد وقفت أتأمل مع نفسي وأري تاريخ مبارك السياسي والعسكري يتبخر، بعدما شهدت البلاد 30 عاماً من حكمه، شابها فترة واسعة من الفساد، وها هو اسم مبارك يزال من كل المنشآت العامة ومن كتب التاريخ، حتي رأينا من يقول لقد تم تحرير طابا من أيدي قوات الاحتلال الغاشمة في عهد عاطف صدقي!! وكأن مبارك لم يكن موجوداً وقتها، عموماً هكذا مرت مصر بأربعة من رؤسائها، زالوا جميعاً وظلت مصر هي الباقية، لكن يبقي السؤال مطروحاً بقوة »ما هي مواصفات رئيس مصر القادم«؟ أنا أعتقد وهذا من وجهة نظري المتواضعة أنه لابد أن يكون محباً لمصر، أميناً ونزيهاً ومؤمناً بالله قبل هذا وذاك، مؤتمناً علي حقوق الشعب وليس رئيساً له، وأن يكون عادلاً ولن يتم ذلك إلا بعد تطبيق المواطنة الكاملة لكل المصريين، وأن يكون نظيفاً حسن السمعة وليس متهماً في قضايا جنائية أو جرائم تمس المال العام، مدركاً معني الحرية والديمقراطية، ومقدراً تاريخ مصر العظيم، ودورها الرائد في وحدة الأمة، كسبيل وحيد للخروج من حالة الذل والهوان التي عانت منها مؤخراً، لابد أن يأتي الرئيس في ظل نظام برلماني يقلص من سلطاته، ونُصبح قادرين علي محاسبته في أي وقت، لابد أيضاً يا سادة أن يغلب المصلحة العامة فوق كل مصلحة حتي ولو كان ذلك علي حساب نفسه، وأن يعطي الضمانة اللازمة لاستقلال القضاء فهو الحصانة الوحيدة لأبناء الشعب ضد الفساد والمفسدين. ومن هنا أدعوكم يا إخواني أن تحسنوا اختيار رئيسكم القادم بعد تأنٍ وبصيرة، ولا تتركوا المجال لمنتهزي الفرص والحالمين بالسلطة، ساعدوا رئيسكم أن يكون حاكماً عادلاً تعود لمصر علي يديه ريادتها ووضعها اللائق علي الصعيدين العربي والدولي، وهذا في أيديكم الآن، كما أنه بأيديكم أيضاً تحولوه إلي طاغية كما حولنا من كان قبله!! فأيهما نختار إذن عزيزي المواطن؟! نقلا عن الشروق: