تمر التيارات السياسية الإسلامية بأزمة حقيقية منشأها انفصالها في خطابها عن العصر، ثم ثقل الموروث السياسي الإسلامي بسلبياته وايجابياته علي الواقع ، والاعتماد علي أدبيات قديمة ، فعلي الرغم من محاولة مدرسة العلوم السياسية في جامعة القاهرة عصرنة الخطاب السياسي الإسلامي وكذلك العديد من المفكرين من أمثال رضوان السيد وطه عبدالرحمن ، إلا أن التيارات السياسية لم تعتبر الإنتاج الفكري لهذه المدارس المعاصرة ذات وزن أو قيمة ، وظلت الأدبيات التراثية هي الغالبة لدي جمهورها ، فتسبب ذلك في جمود الخطاب السياسي الإسلامي عند حد معين ، هو حد ابن تيمية وابن ابي الربيع والماوردي، ولم يتم تجاوز ذلك إلي سيف الدين عبدالفتاح أو حتي أحد قرنائه أو تلامذته . إن حتي لغة العلم ومصطلحاته ومدلولاتها ، بل حتي مستوي الخطاب والخطاب المكتوب تختلف من عصر إلي عصر ، بل نجد لكل عصر خطابه ، وفي هذا السياق نجد أن أزمة التيارات السياسية الإسلامية في انفصالها عن بناء خطاب سياسي اسلامي معاصر يقوم علي اعادة بناء مفاهيم الحكم والدولة والأمة والشعب والسلطة والرقابة ، بما يتواءم مع طبيعة العصر ، فمؤسسة الوقف يعادلها المجتمع المدني ، بل إن من أكبر خطايا الدولة المعاصرة تدمير مؤسسة الوقف بدلا من عصرنتهاوتحديثها، كما أن المحتسب يقابله وظيفيا اليوم الأجهزة الرقابية ، فبالتالي المحتسب الذي كان يمارس أدورا رقابية متعددة ، صار له مقابل معاصر، يعادل من حيث الوظيفة والدور الاجهزة الرقابية التي تتواءم مع تعقد العلوم والمعارف في عصرنا ، فالذي صارت وظيفة الحسبة في الإسلام جزء من التاريخ الذي لم يعد من المناسب استعادته مرة أخري ، ,إن كان البعض يري كتب الحسبة مثل الحسبة في الإسلام لابن تيمية من أدبياته المعاصرة التي يجب استدعائها في عصرنا ، علي الرغم من أن قراءة متأنية لكتاب الحسبة واعادة صياغته بصورة عصرية ، سيؤدي إلي اعادة النظر في مفهوم الرقابة طبقا لمعطيات العصر وطبيعته . إن الواقع السياسي حينما انغمس فيه الأخوان المسلمين لم يستطيعوا أن يستوعبوا طبيعته ومشكلاته وممارسة السلطة أضرت بالإسلام كدين وكذلك شككت في فكرة وجود نظرية سياسية اسلامية أو حتي نظام سياسي إسلامي ، في ظل انتهاء عصر الخلافة والملك العضود الإسلامي ، انتهاءا إلي الدولة المعاصرة القائمة علي فكرة تداول السلطة بين فرقاء الوطن ، فالانتخابات هي الحل المثالي لفكرة الصراع علي السلطة بين متنافسين يؤدي لإراقة الدماء ، لكن هناك ثوابت في كل دولة هي أسس الدولة وأعمدتها ، وهناك سياسات تتغير مع تغير الحاكم ، هنا تبدو السلطة سلطات وليست سلطة واحدة . لذا فالحديث عن فكرة وجود مرشد ومكتب إرشاد هو بمثابة الحديث عن وجود سلطة خارج نطاق السلطة السياسية الطبيعية ، ومؤسسات الدولة ، هنا لم يستطع الأخوان المسلمين الإجابة عن ما هية المرشد ومكتب الإرشاد في منظومة المجتمع المصري ، وهل يمثل المرشد والمكتب نوع من أنواع الوصاية علي الدولة والمجتمع ، هذا المجتمع السنس الذي يرفض وجود مرجعية علي غرار مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية ، خاصة مع وجود مؤسسة دينية هي الأزهر الشريف قنن المجتمع المصري دورها عبر تجربة تاريخية متراكمة عبر قرون .هنا كان يجب علي جماعة الأخوان المسلمين فور صعودها للسلطة حل مكتب الإرشاد والجماعة ، والاكتفاء بجمعية دعوية اجتماعية لها رئيس وليس مرشد ، وحزب سياسي له رئيس ليس له مكتب ارشاد هو مرجعية كل قرارته . بل إن مصر عبر عصور تاريخها لم تعرف فكرة وجود جماعة لها مرشد ديني وظائفها غير محددة المعالم وكذلك أدوارها ، لذا فان فكرة المرشد والجماعة هي خروج حتي عن الموروث السياسي الإسلامي ، وليس لها في التجرية المصرية التارخية نظير . إن جوهر الشريعة الإسلامية يقوم علي تحقيق خمسة أمور هي : (حفظ الدين ، وحفظ النفس والعقل والنسل والمال ) فقد حفظ الإسلام كدين حرية التدين ونهي عن أن يفتن الناس في دينهم والدولة المعاصرة بمفهومها هذا جزء أساسي من وظيفتها ، وفي حفظ النفس نري حق الحياة للإنسان والحفاظ علي كافة حقوقه بدءا من حرية العمل والفكر والرأي وغير ذلك من مقومات ما يعرف اليوم بحقوق الإنسان ، وهو ملا تستيطع أي قوة سياسية في مصر المعاصرة الإختلاف حوله . وحفظ العقل يندرج اليوم تحت رعاية الموهبين والعلماء والأطفال عن طريق تعليمهم اجباريا ، وحفظ النسل يتضمن حفظ حقوق الطفولة بكافة أشكالها ، وتقوم مؤسسات كالبنك المركزي ووزارة المالية والخزانة العامة بدور حفظ المال كبيت المال في الدول الإسلامية لكن تعقد الدور الإقتصادي المعاصر وتداخل دور الدولة مع القطاع الخاص كل ذلك عدد المؤسسات الإقتصادية والمالية في الدولة. لذا فحديث بعض التيارات الإسلامية عن بيت مال المسلمين هو بمثابة استعادة نصية غير مستوعبة للمتغيرات التي تتطور بألياتها طبقا لتعقد وظيفة الدولة ودورها المعاصر ، فهل حقا باتت التيرات السياسية الإسلامية في حاجة لمناقشة تراث الإسلام السياسي وعصرنته ومراجعة النظرية السياسية الإسلامية .