سعر الذهب عيار 21 الآن في بداية تعاملات اليوم الإثنين 29 أبريل 2024    أسعار الأسماك واللحوم اليوم 29 أبريل    انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا    مسؤولون إسرائيليون: نعتقد أن الجنائية الدولية تجهز مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وقادة إسرائيل    كاف يحسم منافس الزمالك بنهائي الكونفدرالية بعد انسحاب اتحاد العاصمة    أخبار مصر: حواس يكشف ألاعيب إسرائيل لسرقة تاريخ الحضارة، وفد حماس في القاهرة لحسم الهدنة، حقيقة رفض شيكابالا لعب مباراة دريمز، السديس يطلب وجبة إندومي    صحيفة بريطانية تكشف تطورات جديدة في أزمة محمد صلاح وكلوب    صحة قنا: خروج 9 مصابين بعد تلقيهم العلاج في واقعة تسرب غاز الكلور    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    عم باسم خندقجي يكشف أصعب محطات في حياته: توفي والده دون توديعه (خاص)    عمر عبد الحليم ل«بين السطور»: فيلم «السرب» أثر في وجداني ولن أنساه طيلة حياتي    أدعية للحفظ من الحسد وفك الكرب والهم.. رددها لتحصين نفسك    السعودية تصدر بيانا بشأن حادث مطار الملك خالد الدولي    الأعاصير تتسبب في مقتل أربعة أشخاص بولاية أوكلاهوما الأمريكية    اسقاط 5 طائرات جوية بدون طيار فوق البحر الأحمر    شبانة: الزمالك يحتاج للتتويج ببطولة تشعر لاعبيه بجماهيرية النادي وحجم الانتصارات    المؤتمر الدولي للنشر العربي يناقش تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على البشرية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 29 إبريل 2024 بالمصانع بعد التحديث الأخير    ما المحظورات التي وضعتها "التعليم" لطلاب الثانوية خلال الامتحانات؟    تكلف 3 ملايين دولار.. تفاصيل حفل زفاف الملياردير الهندي في الأهرامات    أسماء.. الأوقاف تفتتح 19 مسجدًا الجمعة المقبل    صحف السعودية| مطار الملك خالد الدولي يعلن تعطل طائرة وخروجها عن مسارها.. وبن فرحان يترأس اجتماع اللجنة الوزارية العربية بشأن غزة    أمير هشام: تصرف مصطفى شلبي أمام دريمز الغاني ساذج وحركته سيئة    مواعيد مباريات اي سي ميلان المتبقية في الدوري الإيطالي 2023-2024    ميدو: هذا المهاجم أكثر لاعب تعرض للظلم في الزمالك    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    علييف يبلغ بلينكن ببدء عملية ترسيم الحدود بين أذربيجان وأرمينيا    عمره 3 أعوام.. أمن قنا ينجح في تحرير طفل خطفه جاره لطلب فدية    ختام فعاليات مبادرة «دوّي» بكفر الشيخ    سامي مغاوري يكشف سبب استمراره في الفن 50 عامًا    خالد الغندور يوجه انتقادات حادة ل محمد عبد المنعم ومصطفى شلبي (فيديو)    سامي مغاوري عن صلاح السعدني: «فنان موسوعي واستفدت من أفكاره»    شاهد صور زواج مصطفى شعبان وهدى الناظر تثير السوشيال ميديا    تموين الإسكندرية: توريد نحو 5427 طن قمح إلى الصوامع والشون    برلمانية: افتتاح مركز البيانات والحوسبة يؤكد اهتمام الدولة بمواكبة التقدم التكنولوجي    التهديد الإرهابي العالمي 2024.. داعش يتراجع.. واليمين المتطرف يهدد أمريكا وأوروبا    بعد طرح برومو الحلقة القادمة.. صاحبة السعادة تتصدر ترند مواقع التواصل الاجتماعي    بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    إخلاء سبيل سائق سيارة الزفاف المتسبب في مصرع عروسين ومصور ب قنا    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    فراس ياغى: ضغوط تمارس على الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية للوصول لهدنة في غزة    فهم حساسية العين وخطوات الوقاية الفعّالة    العناية بصحة الرموش.. وصفات طبيعية ونصائح فعّالة لتعزيز النمو والحفاظ على جمالها    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    ضربة للمحتكرين.. ضبط 135 ألف عبوة سجائر مخبأة لرفع الأسعار    هل يؤثر تراجع الطلب على الأسماك في سعر الدواجن.. مسئول بالاتحاد العام للدواجن يجيب    وزير الاتصالات: 170 خدمة رقمية على بوابة مصر الرقمية    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    الاستعداد للعريس السماوي أبرز احتفالات الرهبان    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التآمر على الدولة العثمانية

نكشف هذه المرة أنواعا جديدة من التآمر على الدولة العثمانية، فوق ما ذكرناه في المرة الماضية، فنذكر من هذا التآمر أيضا:
الجمعيات السريَّة (التركية والعربية): عملت الجمعيات السرية التي برزت آنذاك كلها لإسقاط الخلافة، وكان أصحاب هذه الجمعيات جماعات من المعجبين بالنظام الغربي، وكان لهذه الجمعيات كلها اتصال بالمحافل الماسونية الغربية، ومنها بعض الجمعيات التي اتخذت العنف وسيلة لها لتحقيق مطالبها، فألهبت الثورات في البلاد.

ومن أخطر هذه الجمعيات السرية؛ جمعية تركيا الفتاة (العثمانيون الجُدد) وجمعية الشبيبة العثمانية.
وجمعية تركيا الفتاة (أو العثمانيون الجدد) جماعة معجبون بالنظام الغربي أمثال: مدحت باشا وحسين عوني، وكمال بك وسعيد باشا وأحمد رضا بك و أنور باشا، وسيأتي الكلام عن هؤلاء بالتفصيل.

يعتبر أحمد رضا بك هو مؤسس جمعية تركيا الفتاة، والذي وضع لائحتها الإِصلاحية. وكانت هذه الجمعية - كما أسلفنا - على اتصال بالمحافل الماسونية الغربية، وكان عندهم أهداف لإِسقاط الخلافة وسلطنة آل عثمان ليحل محلهم الدستور كما في الغرب.

يقول عنهم السلطان عبد الحميد في مذكراته: (هؤلاء الذين أطلقوا على أنفسهم اسم تركيا الفتاة كانوا في الأصل ثلاثة أشخاص أو خمسة، وهؤلاء عملوا ضدي عدة سنوات في أوروبا، تكلَّموا، وخطَّطوا، وكتبوا، كل ذلك قبل أن يفكروا أن العمل ضدي معناه العمل ضد الوطن، كانت صحفهم التي يصدرونها تأتي خفية إِلى البلاد عن طريق البريد الإجنبي، وتوزع بواسطة الأجانب.

رغم هذا فإِنني كنت على صلة بهم... وحتى لا يتورَّطوا في شيء نتيجة لإِفلاسهم- وهم في بلاد أجنبية- فقد بذلت لهم مساعدات مادية كثيرة بحجّة شراء صحفهم، وغمضت عيني عن إِرسال بعض الأشخاص للنفوذ إِلى البلاد؛ لكي لا يكونوا أداة للأجانب، وكنت أقول: إِن معارضتهم - رغم خطئها - فإِنها يجب أن تظل شريفة).

ولقد كانت جمعية (تركيا الفتاة) موضع شبهات منذ وقت مبكِّر إِذ اتُهمت بأنها جمعية يهودية، وأن أعضاءها لم يكونوا أتراكاً ولا مسلمين، غير أن الأستاذ (برنارد لويس) العالم اليهودي الشهير، وأحد المستشرقين الذين أسهموا بنصيب وافر في دراسة التاريخ والحضارة الإِسلامية - يعترض على هذه التُّهم ويدافع عن جمعية الاتحاد والترقي (تركيا الفتاة) ولا يخفي إِعجابه بها لأنها مهدت الطريق لتركيا الحديثة، تركيا العلمانية الكمالية!.

ويقول(فيليب جويفز) مراسل صحيفة التايمز البريطانية في إستانبول قبيل نشوب الحرب العالمية الأولى: (إِنّ اليهود نشطوا في العهد الجديد (نظام الاتحاديين) وألمانيا، وكان مركزهم الرئيس في سالونيك، وهي في الوقت ذاته مركز نشاط جمعية الاتحاد والترّقي).
ويقول: (إن الحكومة البريطانية علمت في نهاية عام 1916م أن ألمانيا كانت تتجه إلى كسب تأييد الصهيونيين، مقابل عروض معينة تقدمها لهم، كما ترددت أقوال مؤداها أن (طلعت باشا) الصدر الأعظم في تركيا (وهو أحد دعائم جمعية الاتحاد والترقي) اتصل بصهيونيين بارزين في الألمان والمحايدين انفس الغرض).

ولما حدث الانقلاب الذي قاده أنور بك لإعادة الحياة الدستورية إلى الدولة العثمانية في أوّل عام 1913م. كان الوزراء الذين تم تعيينهم في وزارة (محمود شوكت) الصدر الأعظم، هم الوزراء الذين جاؤوا إلى الحكم عن طريق انقلاب (أنور بك) منهم ثلاثة صهاينة:
أولهم: باتزاريا أفندي، ناظر النافعة (يعني وزير الأشغال) وكان رئيس تحرير (جون تورك- تركيا الفتاة) وجون تورك جريدة صهيونية.
ثانيهم: نسيم مازلياح، ناظر التجارة والزراعة (يعني وزير التجارة والزراعة) وهو مبعوث أزمير الإسرائيلي سابقاً، ومفوّض الجمعية الصهيونية.
ثالثهم: جاويدبك، وزير المالية والذي وُصف أيضاً بأنه صهيوني.

وحول هذا الأمر كتبت عنه- أيضاً - مجلة المنار (ج2 مجلد 6/2/1913 ص156، ص 157): ومما جاء مصدقاً لسوء ظننا في جمعية الاتحاد والترقي أنها جعلت في وزارتها الجديدة ثلاثة وزراء من حزب اليهود الصهيونيين وجعلت في أيديهم نظارة النافعة ونظارة الزراعة والتجارة، أي ينابيع الثروة في البلاد، وعندما صار الأمر في أيدي أعضاء الاتحاد والترقي رُفعت القيود عن الهجرة اليهودية.

وأعضاء جمعية تركيا الفتاة: هم الذين قاموا بثورتهم عام 1908م وعزلوا السلطان عبد الحميد عام 1909م وأسقطوا الخلافة عام 1924م.

وأما جمعية الشبيبة العثمانية: وهي جمعية سِّرية قامت على نمط الجمعيات السِّرِّية الإيطالية (الكاربوناري) (وهي كبرى جمعيات المقاومة السرية في إِيطاليا، حملت شعاراتها المحافل الماسونية الإِيطالية والكاربوناري تعني (تحرير الوطن)).

وقد تشكلت جمعية الشبيبة العثمانية في إستانبول عام 1865م وكان من أهدافها السعي للوصول بالبلاد العثمانية إلى نمط من أشكال الحكم الأوروبية والعلمانية.
وقد ازداد عدد أفرادها بعد عام 1867م من ستة أعضاء إلى 245 عضواً، من بينهم الشاعر التركي الشهير نامق كمال.

حازت جمعية الشبيبة العثمانية على الدعم المادي من قبل الأمير المصري (مصطفى فاضل) واسترعت انتباه بعض الأفراد العثمانيين، وبعد فرض الحَظر على نشاطاتها التخريبية من قبل الوزير العثماني عالي باشا أرست دعائمها في باريس، حيث بدأ الاحتكاك المباشر بين أفرادها والمجتمع الغربي، وفي كثير من الأحيان تهرب جريدتها (الحرية) الداعية إلى حكم دستوري داخل البلاد التركية (وطبعاً لا يكون ذلك إلا بالتخلص من الخلافة ودولة الخلافة).

وحينما عاد بعض قادتها البارزين أمثال مصطفى فاضل ونامق كمال إلى العاصمة؛ ضعف نشاطها وفقدت حيوتها خاصة بعد إعلان العفو العام إثر وفاة عالي باشا، ورجوع المبدعين من أعضائها إلى البلاد العثمانية، ولم يبق إلا بعض الأعمال الفردية لبعض الشخصيات أمثال نامق كمال، وضياء باشا كوك ألب، الذي كان يعد أحد منظّريها.

ومن هذه الجمعيات السرية أيضا: جمعية (العربية الفتاة): أُنشئت في باريس عام 1911م وكانت هي المقابل لجمعية (تركيا الفتاة) عند العرب، ولكنها - رغم تشابه ظروف النشأة وطبيعة النشاط والأهداف، ومع وفرة وزيادة الطاقات العربية على التركية - أخفقت في الوصول إلى نفس النتائج التي حقّقتها جمعية تركيا الفتاة، رغم أنّ أفرادها أصابوا حظاً كبيراً من التنعُّم بالحُكم والمناصب في معظم البلدان العربية.
وكانت اللائحة الداخلية لجمعية (العربية الفتاة): [إن الأمة العربية في مؤخرة الأمم، اجتماعياً واقتصادياً وسياسة؛ فوجب على قادة نابتتها المدركين أن يبذلوا حياتهم فيما ينهض بها من هذا التأخّر، ويدبروا فيما يؤول إلى ترقيها لتدرك معنى الحياة وتحتفظ بحقوقها الطبيعية].

وعلى هذا المبدأ الأساسي تعاهد فريق من النابتة العربية في أوروبا في الرابع من شهر تشرين الثاني عام 1909 على القيام بما تفرضه عليهم الوطنية لتعزز بهم مركزها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، حسب ما تتطلبه طبيعة الوجود.
وكانت خطّتهم كالآتي:
المواد الأساسية:
- تُدعى هذه الجمعية (جمعية العربية الفتاة) وغايتها النهوض بالأمة العربية إلى مصاف الأمم الحية.

- الجمعية مؤلفة بمعونة كل فرد من أفرادها على سبيل التضامن الاجتماعي، كما أنّ كل فرد مضطر لنصرة أخيه على سبيل التضامن الإفرادي.

- كل عضو يأتمر بقرارات اللجنة العليا، ولو كانت عليه وخلافاً لإرادته.

-

تشكيلات الجمعية:
- اللجنة العليا وتتكون من سبعة أعضاء لهم القول الفصل.

- مجلس الشورى تنتخبه اللجنة العليا.

- السَّواد الأعظم؛ أعضاء الجمعية.

مؤسِّسوها:
- (عرب- فرنسا): جميل مردم، صبحي الحسيني، مصطفى الشهابي، توفيق فايد، إِبراهيم حيدر، توفيق السّويدي.

- (عرب- الأستانة- الشام): سيف الدين الخطيب، محب الدين الخطيب، رفيق رزق سلوم، يوسف مخيبر حيدر، رشيد الحسامي، توفيق البسيط، عارف الشهابي، عمر حمد، وآخرين.


وأظن أن هؤلاء كان هدفهم عظيماً، ولكنهم كانوا يظنون أنهم لن يصلوا إِليه إِلا بالعمل ضد دولة الخلافة، إِذ هي العقبة في طريقهم كما يزعمون، وعلى كل حال فقد كانت هذه الجمعية أقل خطراً من غيرها، وأعظم أخطائهم أنهم انخدعوا ببعض الوعود التي لم يتم منها شيء، وكانوا يرون أن الاستقلال عن دولة الخلافة فيه النهضة لبلادهم!


ومن هذه الجمعيات السرية؛ جمعية النهضة اللبنانية، وقد كان جميع أعضاء جمعية النهضة اللبنانية مسيحيين لبنانيين، وبعضهم يعمل لخدمة فرنسا بهدف إِخراج لبنان وسورية من الدولة العثمانية، وإِقامة حكومة فيها تحت حماية فرنسا.

وكان لأعضائها نشاط سياسي بالتعاون مع الأحزاب والحركات العربية الأخرى التي تعمل بهدف الاستقلال.

تأسَّست الجمعية في جبل لبنان الذي كان خارج نطاق السُلطة العثمانية.

وكان مؤسّسوها من آل الخازن، وكان من أعضاء فرعها في بيروت: دعيبس المُرّ وخليل زينية ويوسف الغليوني، وكان فرع مصر رئيسه اسكندر عمون، ومن أعضائه: داود عمون، وفرع باريس رئيسه شكري غانم، ومن أعضائه خير الله والكونت حريصاني وزوين الخوري، وفرع أمريكا رئيسه نعوم مكرز.

وكان كل هؤلاء من أكبر آمالهم أن تستولي فرنسا على البلاد الشامية (!).
وكان من أهداف الجمعية إِلحاق بيروت بلبنان وتوسيع حدوده إِلى البقاع، كما كان من غاياتها التمهيد لفرنسا في سورية بالذات.

ومن هذه الجمعيات السرية؛ جمعية سورية الفتاة؛ أسَّسها جميل معلوف، ويوسف شديد، وعيسى الخوري، وجماعة.
ومن مبادئها السعي لاستقلال سورية بحدودها الطبيعية وفصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية فصلاً تاماً، وتوحيد طريقة التعليم في أنحاء سورية كافة من رأس العقبة إِلى عريش مصر.

ومن هذه الجمعيات السرية؛ جمعية الحلقات الذهبية، وقد اتخذت هذه الجمعية لنفسها شكل رابطة أدبية سياسية اتبعت في دستورها الطريقة الماسونية من حيث السِّرِّيَّة.

عُرف منتسبوها باسم الحرّاس، وكانت الخطب السياسية التي تُلقى في محافلها تحريضية، تحُثّ السُّوريين على الثورة ضد الحكم العثماني، وكان جميع أعضائها ماسونيين على غرار باقي الجمعيات السِّرِّيَّة.

وكان جبران خليل جبران صاحب النشاط السِّرِّي الكبير في الجمعيات التخريبية، والسياسي الذي تنقل في أكثر من موقف من المشاركين في تأسيسها، وتسلم رئاستها. وكتب مبادئها بخط يده، وكان الأكثر ثورية من سائر أعضائها.

ومن أنواع التآمر على الدولة العثمانية بروز النعرات العرقية؛ مثل:
الدعوة للطورانية والتتريك العنصري، وقد برزت الدعوة للطورانية وسائر القوميات والنعرات العصبية بهدف فتح ثغرات في جدار القوة الإِسلامية الصامدة.

والطورانية دعوى قومية تدعو إِلى إِحياء العصبية التركية التي هي قومية جاهلية أسطورية، تعصب لها بعض الأتراك المعروفين بعدائهم الشديد للإِسلام ولدولة الخلافة، إِذ راودتهم فكرة إِسقاط الخلافة ففكّروا في الدعوة للقومية التركية والانفصال عن العالم العربي تعصّباً لبني (طوران) الأب الأسطوري للأتراك.

تزعّم هذه الدعوة جماعة من البارزين أمثال ضياء بك كوك ألب - رغم أنه كُردي- الذي عُرف بفيلسوف الطورانية؛ الذي تزعَّم؛ زرع الشقاق وتزعّم؛ الدعوة للطورانية عامة، وأمثال: توفيق فكرة؛ الشاعر الطوراني الملحد، ومحمد نامق كمال بك الذي تحول من كاتب إِسلامي إِلى داعية للطورانية.

وعندما هيمنت الطورانية على مقاليد الأمور في الدولة العثمانية، تزعّم أفراد من الأقليات الحركات القومية، وبرزت بعض الأسماء منها: مكرم عبيد القبطي، وفارس الخوري البروستانتي وشكيب أرسلان الدرزي (!) وجورج أنطونيوس الآرثوذوكسي.

ولقد تصدَّى بعض الشخصيات البارزة – آنذاك - لهذه الدعوة وحاربوها أمثال شاعر الإِسلام محمد عاكف الذي يُعدّ خصم الطورانية الأول.

اعتنق الدعوة الطورانية قادة الأتراك الاتحاديين بهدف إِحياء العصبية التركية والجمع بين العناصر التركية التترية والشعوب المنتمية إِليها كالشعب البلغاري وشعوب القوقاز وبعث النزعة العسكرية في الأتراك.

يقول مراسل شركة (سنترال نيوز) عام 1916م: (في خلال بضع السنوات الأخيرة بدت في بلاد تركيا طلائع حركة جديدة تعرف بنهضة بني (طوران) أو الطورانية، وغرضها هدم المدنية الإِسلامية وإِحياء العصبية التركية على أنقاضها، والجمع بين العناصر التركية التترية والشعوب المنتمية إِليها، ومنها الأمة البلغارية، أما القائمون بهذه الحركة فهم قوم مشهورون بعدائهم للإِسلام، وتعصبهم عليه، وكثيرًا ما يجاهرون بأقوالهم وكتاباتهم بذلك الكُرْه، بحجة أن الإِسلام يسعى لقتل العصبية القومية ويحول دون نشوء المدنية التركية، ولذلك فهم يسعون لجعل الجنسية التركية مستقلة عن الإِسلام كل الاستقلال، ومما يقولونه أيضاً أن الإِسلام لا محلّ له في المدنية، ولا يمكن أن يعيش طويلاً إِلا إِذا أُدخلت عليه تنقيحات عديدة، تلائم المذاهب التركية القوميّة (!).

ولهذه النهضة وجهتان؛ إِحداهما أدبية، والأخرى سياسية.
فغاية الوجهة الأولى تمجيد الشعوب الطورانية ونشر تاريخها المجيد!. وغاية الوجهة الثانية القضاء على العصبية العربية!.

فجنكيز خان - في نظرهم- هو نموذج لموك ورجال السياسة، فكل مملكة ينشؤونها يجب أن تقوم على المثال الذي رسمه، وأما العرب - في نظرهم - فهم مصيبة على الأتراك، ولذا يجب القضاء عليهم، أو إِدماجهم في العنصر التركي، حتى ينسى العالم تاريخهم وتقاليدهم وأما لغتهم فلابد من محوها، وإِحلال اللغة التركية محلها في كل صقع وناد.

وحقيقة القول إِن الدعوى والحركة الطورانية لم تكن تحمل في طيّاتها بذور العداء للعرب فحسب، بل كانت جسورة على الطعن في الإِسلام والكيد له.

ولقد وجدت هذه الدعوى – كالعادة - عند الغرب صدىّ وفرحاً، فقد دعت إنكلترا لهذه الفتنة وبذلت في سبيلها الكثير والكثير.
وعمل جماعة من المضلّلين فكرياً من الكتّاب البارزين- آنذاك- في تركيا أمثال ضياء كوك ألب وعمر سيف الدين وخالدة أديب، وناظم حكمت وتوفيق فكرت ونامق كمال وغيرهم من الذين أنعشوا الفكرة القومية، وعظم خطرهم جداً على العقل التركي لا سيما بعد أن ألغى مصطفى كمال أتاتورك الحروف العربية، وأحل الحروف اللاتينية منذ عام 1928م.

وكان إِبراهيم شناسي أول أديب تركي اعتنق الماسونية وتأثر بمبادىء الثورة الفرنسية، ونظم شعراً في امتداح رشيد باشا الماسوني الذي أعد جيل قادة الاتحاد والترقي فيما بعد.

وفي عهد السلطان عبد العزيز (1860م) بدأت تركيا الفتاة ورجالها الماسونيين بإِنتاج الأدب المقاوم للسُلطة العثمانية، ومن أشهر الأعلام في ذلك العهد الماسوني ضياء كوك ألب الذي تأثر بعالم الاجتماع اليهودي(دور كهايم).

ومن أشهر منظري الطورانية (موثير كوهين) اليهودي الذي اتخذ اسماً مستعاراً هو (تكين ألب) على عادة الدونمة في اتخاذ أسماء إِسلامية لإِخفاء يهوديتهم.

ومن أشهر الكُتَّاب الذين دعوا للطورانية الشاعر محمد أمين تلميذ الأفغاني، والقصّاص عمر سيف الدين، والكاتب الملحد عبد الله جودت.

عظمت حركة التتريك ونشطت، وبدأت نشر المقالات والمطبوعات والمؤلفات باللغة التركية في مختلف الولايات بعد سقوط السلطان عبد الحميد الثاني.

ولقد شملت حركة التتريك التي نفّذها الاتحاديون كل التآليف في شتى المجالات، ولكن ظل الأتراك العثمانيون حكومة وشعباً مرتبطين بفكرة الجامعة الإِسلامية بعيداً عن الشعور بالقومية التركية.

وكان الاتحاديون قد عملوا على ابتعاد الكلمات العربية وغيرها من اللغة التركية وأحلّوا محلّها ألفاظاً من اللغة الأوروبية (وهذا يؤكد لك أن العملية ليست عملية تعصب للتركية فحسب، بل كُرْه لكل ما هو عربي، بدليل إِحلال بعض الكلمات الأوروبية محل بعض الكلمات العربية) ونشروا مقالات وبحوثاً تثبت فضل الأتراك على الدِّين والأدب والثقافة، وطردوا العرب من الوظائف الكبرى التي شغلوها في أيام حكم السلطان عبد الحميد الثاني، بل اتّجهوا نحو فرض اللغة التركية وعجمتها على العرب، وأصبحت اللغة التركية رسمياً هي لغة الدولة ولغة التعليم، حتى لقد كان النحو العربي يُعلّم باللغة التركية في مدارس الشام(!).

ولقد احتج أحد الأتراك – حينئذ - على أن العرب لم يأخذوا اللغة التركية إِلى الحد الذي ينسيهم لغتهم العربية فقال: ( إِن العرب مايزالون يتحدثون بلغتهم ويجهلون اللغة التركية جهلاً تاماً كأنهم ليس تحت الحكم التركي، ومن واجب الدولة أن تنسيهم لغتهم (!!) وتجبرهم على تعلّم لغة الأمّة التي تحكمهم (!!) وإِذا لم ينس العرب لغتهم وتاريخهم وعاداتهم، عملوا على إِثارة القلاقل والمتاعب (!!!!).

ومما قاله ضياء باشا كوك ألب: (الذين يبغون اللغة العربية فليذهبوا إِلى بلاد العرب، والذين يبغون اللغة الفرسية فليرحلوا إِلى إِيران، والذين يبغون اللغة الأفرنجية فليذهبوا إِلى بلاد الفرنجة، فإِن كل من لايدرك هذه الحقيقة فهو جاهل، نحن أتراك فينبغي أن تكون لنا لغة تركية).

كما قامت دعوة عارمة للبحث عن كلمات تركية أصيلة لتحلّ محلّ الكلمات العربية والفارسية المستعملة في الكتابات الأدبية والعلمية، وبَلَغ تعصّب الاتحاديين ضد الكلمات العربية والفارسية حداً غريباً، لأنهم صاروا يرون استعمال بعض الكلمات الأفرنجية عوضاً عن الكلمات العربية التي كانت تستعمل من قبل.

والذي يرجّحه بعض الباحثين حول هذه القضية أن محاربة الأتراك للغة العربية لم يكن بداع من نزعتهم القومية، ولكن بمساندة أوروبا لا سيما إنجلترا التي وقف رئيس وزرائها (جلاد ستون) خلال عهد السلطان عبد الحميد الثاني - في مجلس الوزراء رافعاً المصحف بيده مخاطباً زملاءه بقوله: (ما دام هذا الكتاب في أيدي المسلمين يتدارسونه ويقبلون على العناية به، فلن تقوم لنا قائمة، فلا بد من العمل على انتزاع هذا الكتاب من عقولهم وقلوبهم) .

ولذلك عمل (دانلوب) على عزل الأزهر عن التعليم، وعمل اللورد (كرومر) على إِنشاء مدارس جديدة تفتح الدولة أوسع المجالات لخرّيجيها، بينما تغلق الأبواب في وجوه خريجي الأزهر وأمثاله من المدارس والجامعات الإِسلامية، وتعمّد (دانلوب) تخفيض أجر مُدرِّس اللغة العربية أو الشريعة الإسلامية، ورفع مرتبات مدرسي باقي المواد، كما عمد إِلى تأخير حصص اللغة والدِّين إِلى نهاية الجدول الدراسي، وعمل على تشويه المنهج وتحريف الكتب الدراسية بما يخدم الأغراض الاستعمارية، فأصبح الطلبة ينظرون إِلى جرأة (مصطفى كمال أتاتورك) في إِلغاء الخلافة على أنها حركة (إِصلاحية) كما يصفون عبد الحميد في حفاظه على الشريعة بالرّجعيّة ويعتبرون تلامذة الغرب الذين تجسَّسوا على الدولة العثمانية أبطالاً، وتآمرهم مع الدول الاستعمارية حركات ثورية، وعمّ ذلك سائر البلدان الإِسلامية.

ومما تجدر الإِشارة إِليه- في نهاية الكلام عن الطورانية ونزعة التتريك - أنّ النزعة الطورانية ومحاولات التتريك من الأمور التي كانت سبباً في ثورة الأكراد ضد تركيا.

وفي المرة القادمة إن شاء الله نتكلم عن نوع آخر من هذه النعرات وهي الدعوة للقومية العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.