* عندما يتحول المواطن فى بلده إلى مجرد رقم , فاعلم أننا نعيش فى فى وطن تمكن منه المرض والسقم . عندما يصبح المواطن مجرد رقم فى المعتقل , مجرد رقم فى شهادة الميلاد , مجرد رقم فى شهادة الوفاة , مجرد رقم فى بطاقة التموين , مجرد رقم فى بطاقة الرقم القومى , مجرد رقم في ملفات الأجهزة الأمنية , فاعلم أنك تعيش فى وطن جرفوا كل زراعاته , وجردوا كل خيراته , ونهبوا كل ثرواته , وهربوا كل ملياراته , وطمسوا معالم كل أبنائه , أغلقوا الأفواه , وقطعوا الألسنة , واستأصلوا العقول من الرؤوس , وقطعوا الأطراف , لقد تركوا المواطن مجرد رقم يعانى الألم والمرض والسقم . هم لايريدون إنسانا , بل يريدون خيال مآته يصلبوه ممدد الذراعين وسط مزارعهم الشاسعة الواسعة ليهش عنها الغربان وأبو قردان . يريدون هيكلا خشبيا أشبه بالصنم بلاعقل يفكر به . وبلا لسان يتحدث به , وبلا قلب يشعر به , وبلا أرحل يمشى عليها . يريدون مواطنا شبحا فارغا أجوفا لايقدر على شئ كالعبد الأبكم الأصم الذي لايقدر على شئ..!؟..
* أنت رقم فى زنزانة , أنت رقم شئت أم أبيت لأن تغيير اسمك الوظيفى عندهم أمر فيه استحالة . أنت رقم بلاهوية وبلاعمل وبلا مستقبل . لابد أن تعيش على المجتمع عالة . لاتبحث عن عمل , ولاعن مستقبل , ولاعن كرامة , ولاعن مأوى. لأنك قبلت أن تعيش مجردا من كل شئ حتى الثمالة. لماذا تصرخ..؟ لماذا تبكى وتولول..؟ لماذا تذرف الدمع مدرار..؟ لماذا تتحدث بلغة لوكان كذا لصار كذا بأقل خسارة..؟ أنت لست إلا رقما فى سجلاتهم القديمة التى علا عليها غبار الزمن. ماعليك إلا ان تبذل قصارى جهدك لتزيل أكوام التراب لتقرأ رقمك صحيحا دون استشارة أو صلاة استخارة . انت من أنت .. أنت رقم بلاقيمة تائه على السطر مائل بلا استقامة .
* أنت أخى المواطن لست إلا رقما عندهم ليس لك حقوق وعليك فقط واجبات . يجب أن تعيش عندهم كالأجير عند سيده , ليس لك حرية فى الرأى , ليس لك نصيبا من ثروات الوطن , ليس لك أن تخالفهم أو تعارضهم , أنت فقط تسمع وتطيع ثم تنفذ . لست إلا منفذا للأوامر , ومطيعا للاكابر , إن تفضلو عليك آخر النهار بكسرة خبز وشربة ماء فلهم عليك حق الشكر والثناء والإطراء . إن وفروا لك غرفة ضيقة فى بير السلم تحت قصورهم الشاهقة لزوم الحراسة لهم , فانت إذا من المحظوظين المرضى عنهم . ذلك خير وأفضل لك من أن تعيش أنت وأسرتك فى الهواء الطلق بلاسقف يحفظ آدميتك وآدمية أسرتك وأبنائك . أريت كيف..! ؟.
* سيظل المواطن رقما فى الدول العالم الثالث , دول التخلف والقهر والإذلال والعبودية . المواطن الحر لايعيش إلا فى وطن حر . والمواطن القوى الغنى لايعيش إلا فى وطن قوى غنى . والمواطن الجرئ السليم لايعيش إلا فى وطن حر سليم معافى . أما المواطن الرقم فيعيش رقما فى سجلات الحكومات والأنظمة المتسلطة . يستيقظ فى الصباح بلا أمل أو عمل , وبلا طموحات وبلا أهداف , ثم يعود إلى فراشه فى المساء متعبا منهكا بعد ماقضى معظم نهاره فى غسيل الأطباق وتنظيف الغرفات وتنظيم فرش الأسياد . المواطن الرقم مجرد وتد فى الأرض يربط فيه السادة خطام دوابهم ليتناولوا وجباتهم سويا لتوفير الجهد والعناء ومنع الإزعاج .
* المواطن الرقم ليس له من أمره شيئا . فهو مسير وليس مخير . هو منزوع الإرادة لارأى له , لاشأن له , لاقيمة له ولاثمن له ولامقابل لدمائه إن تم اهدارها فى عرض الشارع . هو يعيش فقط مقابل الخبز إن حصل عليه بعد أن يقضى معظم يومه بحثا عنه فى طوابير أطول من نهر النيل . لايحق له أن يعترض أو يحتج أو يسير على الرصيف المواجه للسطلة وإلا سوف يتم حصده بالرصاص الحى المباشر من كل حدب وصوب . ليس أمامه إلا أمران , إما أن يرفع راية الاستسلام ويوافق ويؤيد ويصفق , وإلا فالسجون كثيرة وتحتاج إلى دفعات جديدة من حاملى شهادات المعارضة الساسية ولايلومن إلا نفسه فى كل الاحوال .
* المواطن الرقم ليس له حق فى أى منصب أو وظيفة فى وطنه . ليس له الحق فى مناصب الدولة العليا لأن مستواه الاجتماعى " غير لائق " حتى وإن كان جهبازا عالما فى تخصصه . فهذا ليس هو المعيار لاختيار المسئولين فى بلادى . لابد أن يبحث المواطن الرقم عن بيئة قضائية أو بيئة شرطية أو بيئة نيابية حتى يمكن له فى أرض وطنه . غير ذلك فأبواب العمارات تحتاج إلى بوابين , وصالونات الحلاقة فى حاجة إلى حلاقين , والشوارع تحتاج إلى كناسيين . تلك هى الوظائف مع احترامى لاصحابها التى يجب أن يبحث عنها المواطن الرقم فى بلده مهما كان مستواه العلمى .
* المواطن الرقم لايحق له العلاج إن مرض , ولايحق له الشكوى إن مات جوعا أو عطشا أو فقرا . لمن يشكو أمره غير الله . لن يجد باباب مفتوحا أمامه يقف عليه ويقدم له شكواه غير باب الله عز وجل . كل الأبواب الأمامية مغلقة فى وجهه لأن الأبواب الخلفية قد استنفذت كل طاقتها فى استقبال أبناء البطة البيضاء . المواطن الرقم فى بلادى هو صورة حقيقة لصورة وسمعة بلده خارج الحدود . فهو فقير ومريض ومتخلف , وكهذا صورة الوطن فى عيون الدول الأخرى . فالوطن يبدو فى نظر الآخرين فقير بل ومتسول ومتخلف علميا وتكنولوجيا على كل الأصعدة . فالشئ من معدنه لايستغرب .
* إن أردنا أن نبنى وطنا حرا فلابد أن نبنى مواطنا حرا . إن أردنا أن نؤسس وطنا قويا فلابد أن نؤسس مواطنا قويا . إن أردنا أن نقيم وطنا غنيا يسد احتياجاته فلابد أن نقيم مواطنا غنيا غير ضعيف ولامتسول يقف على الأبواب ذليلا مكسورا مهيض الجناح أعطوه أم منعوه . المواطن القوى الحر الغنى المثقف الواعى الفاهم هو الذى يبنى ويؤسس ويقيم وطنا تتوفر فيه ماسبق ذكره من صفات حميدة . أما إذا عاملنا المواطن على أنه مجرد رقم فى دفاتر الحكومة , فاعلم أن الوطن نفسه لن يكون إلا رقما مهملا فى دفاتر التاريخ وصفحات الجغرافيا . الوطن والمواطن مثلهما كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو فى جسد أحدهما تداعى له الآخر بالسهر والحمى..! ؟. فهل يصير المواطن مجرد رقم فى وطنه لاقمية له وسيمدد أقدامه على فراش المرض والذل والعبودية حتى يأتيه اليقين ويتفضل عليه الوطن بكفن يواريه وقبر يؤويه.؟ أم أن الوطن سيحترم مواطنيه ويعلى من شأنه ويحترم إرادته بين الأمم والشعوب..؟ إنا لمنتظرون .