عندما سألني بعض مراسلي الصحف العربية عن تقدير توابع اغتيال الشيخ أسامة بن لادن قلت على الفور أن المبالغة في المخاوف من ردات فعل عنيفة ومروعة بعد الحادث مصطنعة إلى حد كبير ، ومحاولة لتفخيخ الأجواء السياسية والأمنية من أجل التحريض ، رغم الغضب الذي سينتشر في أوساط عديدة من المحبين للرجل ، وإن كنت أعتقد أن التوابع الأعنف ستكون في باكستان ، بوصفها تمثل أمام كثيرين المتهم الرئيس في التواطؤ مع الجانب الأمريكي في الوصول إلى بن لادن ، ولكن على مستوى العالم العربي والإسلامي والعالم بشكل عام ، لا أظن أن الواقعة سيكون لها توابع عنيفة أو استثنائية . بن لادن لم تكن خطورته في أنه يمتلك تنظيما عقائديا مسلحا ومنتشرا بخلاياه في أنحاء العالم كما صور الأمريكيون دائما ، لاتخاذه فزاعة لممارسة عمليات ملاحقة غير قانونية وأحيانا غير أخلاقية لنشطاء وحكومات وجمعيات أهلية وأحزاب ، ولكن خطورته في "الفكرة" التي جسدها في القدرة على المقاومة تحت أسوأ الظروف ، وفي ظل ضعف الإمكانيات ، وفي ظل القدرات غير المحدودة للخصم ، كما هو الحال مع الولاياتالمتحدة بقدراتها العسكرية والاستخباراتية والإعلامية والمالية ، وعجزت بالرغم من ذلك عن الوصول إلى الشيخ أو النيل منه أو كسر إرادة الصمود لديه طوال تلك المدة أو هزيمته بشكل حاسم . ولكن الفكرة التي حملها بن لادن ، كأي فكرة إنسانية أخرى ، كانت مرتهنة بظرف زماني وأحوال سياسية وإنسانية في العالم الإسلامي بشكل خاص ، تسد أي آفاق للتغيير أو الإصلاح ، وتغلق كل أبواب الأمل في غد أفضل للشعوب ، كما تضع القوى السياسية المختلفة أمام نظم سياسية مرتهنة بالكامل للغرب ، وتحول بلادها إلى فضاء أمريكي يفعلون فيها ما يشاءون مقابل تثبيت أركان تلك النظم ودعمها في قهر شعوبها ، وعندما هبت رياح الحرية على الشرق قبل عدة أشهر ، وبدأ مسلسل ثورات الشعوب من أجل التحرر ، وتحقيق النصر بالفعل في تونس ومصر ، وكسر الجبابرة ووضعهم على طريق الخروج الحتمي قريبا كما هو الحال في ليبيا واليمن وسوريا ، هذا التحول التاريخي الرائع والملهم ، أضعف من جاذبية "الفكرة" التي حملها بن لادن ، وجعل من مشروع القاعدة مشروعا تاريخيا ، تجاوزه الزمن أو في طريقه لتجاوزه ، أو إن شئنا الدقة ، يتم حصره في مناطق ضيقة للغاية تشهد الصراع المفتوح والمباشر والعلني بين الهيمنة الأمريكية وقوى مقاومة ، كما هو الحال في أفغانستان والعراق ، وبعيدا عن هذين البلدين ، فقد مشروع القاعدة جاذبيته أو قوة الدفع الهائلة التي كان يتمتع بها سابقا ، لأن الشعوب وقوى المقاومة الوطنية فيها وضعت يدها على آليات أخرى للتغيير والثورة والإصلاح ، لا تعتمد على طليعة مقاتلة ، وإنما تعتمد على حيوية الشعوب ذاتها وقدرة الملايين على تغيير وجه الحياة عندما ينزل طوفانها إلى الشوارع والميادين تتحدى آلات القمع ومؤسسات الاستبداد . رحيل بن لادن ، وتقلص نفوذ القاعدة ، وانحسار جاذبية أفكار العمل المسلح كسبيل للتغيير ، تمثل فرصة تاريخية للعالم من أجل التأسيس لحقبة جديدة من السلام والأمن والأمان ، تنهي عقودا من العنف والعنف المضاد بوحشية يتحمل مسؤوليتها كل الأطراف ، كان وقودها الأكبر وضحاياها أبرياء ليسوا طرفا في الصراع من حيث الأصل ، والعالم اليوم ينتظر من الرئيس الأمريكي باراك أوباما أفعالا وليس أقوالا ، في موقف بلاده من الإسلام والمسلمين ، الاحترام والتقدير والسلام هو سلوك وموقف وليس مجرد ألفاظ للتسويق الإعلامي يقابلها غطرسة ومساهمة في قهر الشعوب وتحالفات مع نظم القمع والقهر ، لم يبادر الإسلام والمسلمون يوما لعداء مع شعب من الشعوب ولا أمة من الأمم ، لا في الماضي ولا في الحاضر ، إلا دفاعا عن النفس أو حماية للكرامة ، لأن جوهر دعوة الإسلام هي السلام ونشر العدل والمؤاخاة بين "بني آدم" مهما اختلفت عقائدهم أو دياناتهم ، فهل يملك الغرب الآن تلك الجسارة الأخلاقية لتصحيح معادلة العلاقة بين الشرق والغرب على أسس جديدة من الاحترام والعدل والمصالح المتكافئة . [email protected]