وحيدًا، منزويًا في غرفة على سرير المرض في مستشفي بشرم الشيخ، أحتفل الرئيس المخلوع حسني مبارك بعيد ميلاده ال83. وصحيح أن عمال المستشفي أرادوا مجاملته فألقوا عليه بالتهنئة بعيد ميلاده، إلا أن ذلك لن يخفف أو يهون الأمر على الرئيس الذي كان في مثل هذا اليوم محاطًا بالعشرات والمئات من الحاشية والأتباع والخدم والمنافقين الذين كانوا يتعاملون معه علي أنه الرئيس الخالد الذي لا يموت. وفي مثل هذا اليوم كان كل رؤساء الصحف القومية الذين كانوا يكتبون مقالاتهم للرئيس وحده بعيدًا عن معالجة قضايا الأمة الحقيقية يتنافسون أيضا في كتابة المقال الرئيسي بالصفحات الأولى والذي كان مخصصًا لتهنئة الرئيس بعيد ميلاده المجيد، وفي السنوات الأخيرة توقفوا تمامًا عن ذكر عمر الرئيس بعد أن أصبح مجرد الإشارة إلي عمره بمثابة تنبيه وتذكير بأن الرئيس قد تجاوز عمره الافتراضي في الحكم..! ولابد أن الرئيس المخلوع مبارك وهو على فراش المرض وفي عزلة فرضها عليه الشعب يتذكر اليوم كيف كان عليه أن يترك ويتخلى عن الحكم طواعية ويستجيب لنداءات الخروج الآمن في انتقال سلمي سلس للسلطة كان مدعاة لأن نغفر له كل سلبياته وأن يعيش في أحضان وطن عزيزًا مكرمًا رئيسًا سابقًا له كل التقدير والاحترام. ولكنه فساد السلطة الذي جعل من حوله يقنعونه بالبقاء ليتخذوا منه ستارًا لاستمرار الفساد وأن ينفذوا من خلاله كل ما يريدون حتى يتحقق لهم حلم التوريث وأن يستمروا أسيادا فوق القانون ليمتصوا ما بقي من خيرات هذا الوطن ومقدراته. ولذلك فنحن لا نشعر بأي قدر من التعاطف أو الأسف لهؤلاء الذين كانوا حاشية السلطان، والذين استجابوا واندفعوا في سباق رهيب لتلبية رغبات الابن أملاً في أن يستمروا رجالاً له وأن يحصلوا على نصيبهم ونصيب لأبنائهم أيضًا عن توليه الرئاسة. ولقد جاءت الفرصة للرئيس المخلوع مبارك ليثبت أنه فعلاً الرئيس، وليختتم حياته السياسية بشكل مختلف عندما خرجت جماهير مصر في 25يناير تطالبه بالإصلاح والتغيير والحريات حيث كان في مقدوره أن يستجيب لإرادة الجماهير فيأمر بحل مجلس الشعب الغير شرعي ويتخلص من وزارة نظيف الغير نظيفة ويطيح بالشريف الذي لم يكن أبدًا شريفًا، ويبدأ تغييرًا شاملاً يعلن خلاله خطوات حقيقية للانتقال نحو الديموقراطية وحقوق الإنسان ويؤكد عدم أحقية ابنه في الحكم، ولو فعل مبارك ذلك خلال أيام قليلة من اندلاع انتفاضة الشباب لكان بطلاً قوميًا الآن، ولكان الانتقال الحقيقي الهادئ والسلس للسلطة قد بدأ بدون وجود فراغ أمني أو أزمات وتقلبات اقتصادية، وبدون خوف من المجهول أو تحديدات من هنا وهناك. ولكنه لم يفعل شيئًا، لأنه لم يكن في مقدوره أن يفعل، فقد كان مبارك مغيبًا عن الحكم واتخاذ القرارات وكان هناك من يديرون اللعبة بأطماع مختلفة، وكانوا على استعداد فقط للإطاحة به إذا كان في ذلك بقاءًا لهم، والحمد لله أنه لم يفعل، ولم يفعلوا، وكان العناء فكانت الأخطاء التي نجمت عنها الثورة، وكان ذلك إيذانًا بالعهد الجديد الذي أطاح بكل النظام السابق في أيام قليلة فيما يشبه المعجزة، وكان ما نراه الآن..رئيسًا مخلوعًا مريضًا يخشى صدور تقرير من الأطباء بتحسن صحته حتى لا يصدر قرار بإيداعه السجن..وسبحانك يا رب .. ما حدث لا نستطيع استيعابه حتى الآن.. [email protected]