كانت الرسالة التي وجهها المؤتمر العام الثاني لحزب جبهة العمل الإسلامي مؤخراً واضحة وبليغة ومفادها: أن إسلاميي الأردن مستعدون تماماً للمشاركة في السلطة التنفيذية في البلاد بل وقيادتها بأكملها. الرسالة الواضحة هذه كانت لها مقدمات كثيرة، ودلائل متعددة، لعل أبرزها التصريحات التي صدرت قبل أشهر قليلة عن رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي في البرلمان الأردني، والذي قال بوضوح ودون مواربة: "نحن جاهزون لتسلم السلطة"، وهو تصريح جاء بعد أيام قليلة من نشوة الفرح الإسلامي عموماً بانتصارين كبيرين: فوز حماس في الانتخابات التشريعية، وفوز إخوان مصر بالانتخابات البرلمانية بنتيجة كبيرة، وهو ما أعطى -على ما يبدو- دفعة معنوية لإخوان الأردن استعدادا للمرحلة المقبلة. المؤتمر العام الثاني لجبهة العمل جاء حافلاً، وعنواناً لمرحلة مقبلة بالنسبة للإسلاميين؛ فقد طالب الإسلاميون فيه صراحة للمرة الأولى بتداول السلطة، بل أكدوا على ضرورة وجود رئيس وزراء أردني منتخب. وهي دعوة منسوب الحرية فيها مرتفع بلا شك، وأثر فوز حماس الأخير واضح فيها تماماً. وإلى جانب هذه الدعوة تضمن المؤتمر المهم دعوة أخرى إلى الحد من التضييق على الحريات العامة، وإلغاء القوانين والتشريعات المقيدة لها، ومحاربة الفساد في مختلف المواقع، وعلى كل الأشكال، وإعادة النظر في القوانين المؤقتة التي لا يسوّغها الدستور. فضلاً عن التذكير بالمواقف المعروفة للحزب مثل: رفض كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، و التصدي للتطبيع الثقافي، والأهم ترتيب العلاقة الأردنية الرسمية مع حماس. وبعيداً عن تطرق المؤتمر لقضايا دولية وعربية وإقليمية فإن أهم ما يمكن التقاطه هنا هو التحضير المبكر للانتخابات النيابية القادمة، وإعادة النظر في استثناء قيادات الصف الأول من الترشيح لهذه الانتخابات ، والاستعداد للمشاركة في الانتخابات البلدية القادمة ،على أساس الانتخاب الكامل للمجالس البلدية، وهو تحوّل كامل في نظرة إسلاميي الأردن إلى المشاركة الكاملة الفاعلة ، بعد أن ظلت الآراء تتأرجح ما بين مشاركة ومقاطعة. ونقرأ في هذا التوجه الجديد تأسيس مرحلة جديدة من الخطاب والآليات و التوجهات للإسلاميين عموماً ، ولإخوان الأردن بشكل خاص، قائمة على تحقيق المكتسبات السياسية على الأقل للسنوات الأربع المقبلة. واللافت أن المؤتمر الأخير لجبهة العمل الإسلامي حظي بحضور حكومي ونيابي وحزبي معتبر ، مما يشير إلى توافق رسمي إسلامي مع التوجهات الجديدة، ولا أدل على ذلك من تصريحات العاهل الأردني بعد المؤتمر بأيام، والتي قال فيها: إنه لا توجد مشكلة أو قلق من فوز الإسلاميين طالما أنهم منضوون تحت لواء الدستور، وهي إشارة ضمنية إلى عدم وجود ما يمنع أن يتسلم الإسلاميون السلطات التنفيذية في الأردن من خلال صناديق الاقتراع . المؤتمر ذاته حمل مفارقات كثيرة أكثرها حضوراً ودلالة على حجم التحوّل لدى الإسلاميين ذلك المشهد الذي شهدته القاعة الرئيسة في المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين في عمان، والذي تحول إلى أجواء كانت تبدو مستحيلة قبل سنوات؛ إذ تحلق لفيف من رجال الدين المسيحي حول المطران عطا الله حنا – رئيس أساقفة سبسطية الروم الأرثوذكس، في ضيافة المراقب العام للإخوان سالم الفلاحات، وكبار قادة الإخوان. والمشهد على بساطته إلا أنه يدل ببلاغة على ما آل إليه العمل الإسلامي في الأردن من تحوّل في الفكر والانفتاح على الآخر ومخاطبته، وهو ما دفع الأب عطا الله حداد الناطق الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية في القدس والأراضي المقدسة في فلسطين إلى القول بكل صدق وإخلاص: إنه جاء تجديداً للبيعة والعهد الذي قطعه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمسيحيي القدس قبل أكثر من أربعة عشر قرنا . واكتمل نصاب المفاجأة حين شق الصفوف النائب المسيحي عن حماس ، حسام الطويل، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، وألقى كلمة معبرة ، أعلن فيها تشرفه بدعم حماس له! ما يمكن قراءته في المشهد الإخواني الأردني هنا كثير، لكن ما على إسلاميي الأردن قراءته أكثر، وهو أنهم مدعوون للاستفادة من تجربة حماس وتجربة إخوان مصر فيما يتعلق بالتعاطي مع القوى الأخرى ، وممارسة التجربة السياسية على أرض الواقع. المصدر : الاسلام اليوم