تذكرني الأقفال بالسجون لأنه أكثر مكان تكثر فيه الأقفال !! فالزنزانات عليها أقفال بعددها , وكل عنبر له قفله الخاص , وباب السجن العمومي عليه قفل كبير , وبالطبع لكل قفل مفتاحه الخاص به , واستحضاري لهذه الحالة تجعلني أفكر في معاناة المسجونين فأدعو لهم بفرج الله القريب , وأن ييسر لهم من عباده من يخفف عنهم ماهم فيه . ولكني في الحقيقة أكتب اليوم عن أقفال آخرى معنوية !! وأعني بها المشكلات التي نحياها فهي تمثل الأبواب المغلقة التي تحتاج إلى المفاتيح الخاصة بها . وإذا أرادت أمة أن تنتصر وتُفتح أمامها الأبواب , فلا يصح لها أن تكتفي بمجرد تحصيل الأسباب المادية , ولكن أيضاً يجب تحصيل الأسباب المعنوية , فالأمر في حقيقته ليس في مجرد وضع خطط وتوفير قدرات وإمكانات فحسب , بل إن الأمر يجب أن يمضي وفق سنن الله تعالى في الأرض قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ( فمن أراد نصر الله والسلامة لدينه , وأراد حسن العاقبة , فليتق الله ويصبر على طاعة الله وليحذر من محارم الله إينما كان ) وذكر بعض أهل العلم أن أكثر أسباب النصر مجموع في قول الله تعالى ( ياأيها الذين أمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون , وأطيعوا الله ورسوله , ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) ولقد جاء في الحديث الذي صححه الألباني ( إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها , بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ) فالدعاء سلاح المؤمن به ينتصر إذا تحقق فيه إخلاص النوايا وصدق التوجه واللجوء إلى الله تعالى , ولقد دعا نوح عليه السلام ربه ( أني مغلوب فانتصر ) فنصره الله نصراً عزيزاً وأهلك الكافرين بالطوفان ونجا ومن معه من المؤمنين في السفينة , فهل فطن القادة المعاصرون إلى المفاتيح الحقيقية التي تفتح الأبواب الموصدة , أم أنهم لايزالون يعالجون الأقفال بمفاتيح مصطنعة لا يمكن أن تفتح قفلاً أغلقه الله تعالى (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها , وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ) فتدبر أخي القارئ واعلم أنه لايستطيع أحد أن يوفر رزقاً لا يقدره الله لهذه الأمة , فلله خزائن السماوات والأرض , وهو الرزاق ذو القوة المتين , فلا يتصور أحد أن حل مشكلة سد النهضة – مثلاً – هو مجرد مهارة سياسية في التعامل مع دولة أثيوبيا للحفاظ على حصة مصر ونصيبها من المياة , بل إن الأمر أكبر من ذلك بكثير , فما جرى من نجاحات لأعداء مصر في إقامة السد إنما هو محض سخط من الله تعالى علينا اقتضى تقتيراً في الرزق بتهديد حصتنا من المياة , وهو إنذار لما هو أكبر , فعلى المسئولين أن يتدبروا هذه المعاني لأن النبات لا يخرج بمجرد الري بالماء , بل هناك أسباب أخرى منها التربة التي يمكن أن تتنكر فلا تخرج الزرع إلا بإذن الله , ومنها الآفات التي قد يسلطها الرب على الشجر فلا يثمر ولا يورق , وقد يرسل الله تبارك وتعالى الجراد ( وهو جند الله الأعظم) فيلتهم كل ماهو أخضر في وقت قياسي نعوذ بالله من عقوبات الله . ويُخطئ من يتصور أن إصلاح النظام الاقتصادي يمكن أن يكون من خلال الخطط الخمسية والقروض والمعونات ونحو ذلك , وفي نفس الوقت يتجاهل وجود النظام الربوي الذي يسود حركة المعاملات في البنوك وينسي أن الله تعالى يقول في كتابه ( يأيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين , فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله , وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون ) فهل هناك فرصة سانحة لتصحيح المسار الاقتصادي سوى في إلغاء النظام الربوي إذ يقول الله تعالى ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات) بل ويُخطئ من يظن أن أساليب القمع يمكن أن تحقق الأمن والاستقرار في المجتمع ويتجاهل قيمة الصلح بين الناس وإقامة العدل ورفع الظلم عن المظلومين جاء في الحديث الشريف ( اتقوا دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ) فلن يدوم ملك إلا بعفو وصفح بل وسلامة الدول مرهونة بعدلها , فمتى تفشى الظلم وازداد عدد الجند , فإن ذلك مؤذن بالتفسخ والسقوط . ولابد أن نوقن بأن الإصلاح بين المتنازعين في المجتمع مرتبط بنوايا المصلحين فيه قال تعالى ( إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما ) . ويخطئ أيضاً من يظن أن مايقع علينا من بلاءات إنما هو بفعل الآخرين من الأعادي والحاسدين , ولكن في الحقيقة هو من عند أنفسنا , إذ لما تساءل الصحابة رضوان الله عليهم عن أسباب المصائب والهزائم جاءتهم الإجابة الكاشفة ( قل هو من عند أنفسكم ) فإصلاح النفس هنا هو المفتاح الحقيقي لتلافي المصائب والهزائم , يقول شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله ( فمن كان النصر على يديه كان له سعادة الدنيا والآخرة وإلا جعل النصر على يد غيره , وجازى كل قوم بعملهم , وما ربك بظلام للعبيد ) كما يخطئ من يظن أن سلب الملك ونزع السلطان يكون بتآمر الخصوم والأعداء فحسب , ولكن الحقيقة الموجعة في أن أصحاب السلطان لم يؤدوا ما عليهم من واجبات , وتكبروا على الخلق , وهضموا حقوق الناس وأكثروا في الأرض الفساد قال تعالى ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير ) ويخطئ من يظن أنه قادر على تجميع القلوب والتأليف بينها بأمواله وقدراته وسياساته , فكل ذلك لا يجدي نفعاً إذ قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ( لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم , إنه عزيز حكيم ) فدل ذلك على أن هذا المفتاح مع الله تعالى وحده , ولم يعطه لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر وخير خلق الله , فكيف بمن هو دونه من عامة الناس ؟! , فالحل إنما هو في الدعاء أن يؤلف الله تعالى بين قلوبنا ويجمع كلمتنا ويوحد صفنا إنه على ما يشاء قدير . وأخيراً فإن حلول مشكلات المجتمع إنما تكون بالمفاتيح الحقيقية وليست بالمزيفة , فكل ما خلا الطريق الشرعي لحل المشكلات هو عديم الجدوى منقطع الأثر آكد الفشل , فتنبهوا يا أولي الألباب إذ لن ينصلح حال الأمة إلا بما صلح به أولها , فسارعوا إلى البحث عن المفاتيح التي ضاعت منكم وعالجوا بها الأقفال الموصدة , فعندئذ تتنزل علينا الرحمات وتنتهي الي غير رجعة المشكلات . والله المستعان