لا احد يستطيع أن يلوم أو ينكر على البابا شنودة تصلبه في بعض المواقف التي تخص الأقباط ، وتشدده فيما يراه حقا من حقوقهم باعتباره كبير القبط ورأس الكنيسة الأرثوذكسية المصرية .. وكان آخر هذه المواقف رفضه الاعتراف بالحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري بإلزام الكنيسة التصريح للأقباط الحاصلين على حكم قضائي بالطلاق أن يتزوجوا مرة أخرى .. وهو الحكم الذي استقبله 144 ألف قبطي بسعادة غامرة كونه يفتح الباب لحل كثير من المشاكل التي تواجه الأقباط في حياتهم الخاصة .. لكن البابا كان له رأي آخر في الموضوع .. ورفض الحكم جملة وتفصيلا وأعلن صراحة عدم تنفيذه لأنه يتعارض برأيه مع (الشريعة) المسيحية ويصطدم بتعاليم (الإنجيل) الذي لا يبيح الطلاق إلا في حالة الزنا أو تغيير الملة .. وقال انه لا يجوز للقضاء أو أي جهة أخرى التدخل فيما يراه شأنا قبطيا (دينيا) .. وأنه لا توجد قوة على الأرض تستطيع إلزام الكنيسة بأي شئ ضد التعاليم المسيحية .. هذا الموقف المتصلب للبابا سبقته مواقف كثيرة لا تقل عنه في الحسم والشدة والضغط على النظام الحاكم لتحقيق مطالبه ، فمن قبل أعلن البابا غضبه واعتكافه حتى تعود وفاء قسطنطين السيدة التي أعلنت إسلامها ودخولها الدير .. فضلا عن إطلاق سراح جميع المعتقلين الأقباط الذين أثاروا الفتنة واعتدوا على رجال الشرطة على خلفية الأحداث المصاحبة لهذا الحدث .. وبالفعل لبت الحكومة مطالبه بالكامل وأجبرت السيدة على العودة للدير وأطلقت سراح المعتقلين بالكامل حتى تسترضيه .. وغير ذلك من المواقف التي اتخذها البابا وعملت في اتجاه تعزيز وضع الأقباط ، حتى جعلت لهم وضعا مميزا في مصر يحسدهم عليه كثير من المسلمين .. وقد اعترف الرجل غير مرة بحقائق الواقع وقال ان هذا العهد يمثل العصر الذهبي للأقباط . وبغض النظر عن الأقوال التي ترى في مواقف البابا وممارساته بل وفي قناعاته الشخصية سببا مباشرا في تأجيج روح التعصب في صفوف الأقباط ، التي أخذت في التصاعد منذ سبعينات القرن المنصرم وهي الفترة التي اعتلى فيها كرسي البابوية .. فان المرء لا يملك إزاء شخصية البابا القوية وصلابة مواقفه سوى الإعجاب بالرجل المعتز بنفسه وبمكانته الدينية التي جعلته مسموع الكلمة ومرهوب الجانب من جانب السلطة .. وإذا قارنت بين مواقفه ومواقف شيخ الأزهر في كثير من الأمور ، ستكتشف الفجوة الهائلة والفروق الكبيرة بين الرجلين .. أول هذه الفروق أن البابا جاء بإرادة واختيار أبناء طائفته التي يمثلها وليس بإرادة السلطة ، ولذا فهو يقوم بدوره المنوط به لخدمة الأقباط ولا يلام إذا دافع عن مصالح طائفته قبل أي شئ آخر .. أما الشيخ فجاء بقرار تعيين رسمي ليس للمسلمين أو العلماء رأي فيه .. ولذا فان ولاءه للجهة التي اختارته والسلطة التي عينته وليس للناس على عكس البابا . الفرق الثاني هو أن البابا يملأ كرسيه بجدارة ويشعر بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه ويهمه تعزيز أوضاع طائفته في المقام الأول .. أما الشيخ فلا يدرك أهمية المنصب الذي يشغله والكرسي الذي يجلس عليه .. ويرى نفسه موظفا عند الحكومة .. فهو يريد الستر أولا وأخيرا ويسعى لرضا السلطة التي جلبته وأغدقت عليه بالحوافز والبدلات !!. لهذه الأسباب وغيرها .. نجد أن البابا مستقل في مواقفه متصلب في آرائه تسعى السلطة إلى رضائه وتعمل لكلامه ألف حساب .. أما الشيخ فهو مجرد تابع للسلطة يتلقى منها الأوامر ويقف رهنا لإشارتها .. مما خسف بمكانة المشيخة أرضا وصارت مضغة في أفواه الساخرين .. فرغم الفساد المستشري في البلاد طولا وعرضا ، ورغم المظالم التي يئن منها الناس ، لم نسمع من الشيخ طيلة حياته المديدة نقدا واحدا للسلطة ، أو معارضة لقرار واحد من قراراتها .. لم يغضب الشيخ من وجود أكثر من 20 ألف معتقل في السجون سنين طويلة دون توجيه تهمة لهم ، ولم يطالب يوما بفك أسرهم أو رفع الظلم عنهم ، مثلما غضب البابا لاعتقال بضع أفراد من الأقباط لأيام معدودة !! . فالشيخ يسمع الكلام جيدا ويمشي جنب الحيط ولا يريد إغضاب أحد .. ولذلك فهو يقابل الحاخامات ، ويغير المناهج الأزهرية لطلب الأمريكان ، ويثني على صاحب العبارة المنكوبة ، ويفتي دائما بما تريده السلطة منه .. فالسلطة دائما عند الشيخ على حق ورجالها منزهون عن الأخطاء .. والعتب كله على الناس فيما جرت به المقادير!! . إنني احسد الإخوة الأقباط على البابا شنودة .. فليت للمسلمين شيخا قويا مثله لا يريد الدنيا ولا يهاب السلطة ولا يخشى لومة لائم . [email protected]