عرفت الأنظمة السياسية آليات عديدة من الرقابة على الأنظمة الحاكمة واختلفت وتنوعت باختلاف درجة النضج السياسى والبلوغ الديمقراطى من دولة لأخرى حسب ظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وما يصلح منها فى دولة قد لا يصلح بالضرورة للنقل والاقتباس وقابليته للتطبيق فى غيرها. وقد شهدت مصر فى المرحلة الأخيرة نقلة نوعية فى مجال الرقابة السياسية وأصبح الشعب هو المحرك الأساسى لها فى ظل تراجع دور المؤسسات المنتخبة وعجز الأحزاب السياسية عن الاضطلاع بتلك المهمة الوطنية وتركت زمام المبادرة للشعب فى اتخاذ خطوات التغيير وتنفيذها بل أن بعضها اتخذ موقف المراقب لاقتناص الفرصة المناسبة للقفز على ثوراته مدعياً قيادته للشارع السياسى طالباً الزعامة ومشاركاً فى اقتسام الغنائم وجنى الثمار السياسية. وتنوعت آليات الاحتجاج الشعبى بين تحقيقات صحفية وبرامج حوارية ومؤتمرات وندوات ووقفات احتجاجية وتظاهرات واعتصامات ومسيرات باعتبارها وسائل ضغط لتعديل السياسات . والتى كانت فى بدايتها مؤشراً لتناقص شعبية الأنظمة وتآكلها حتى كانت بلغت ذروتها بالتأكيد على إسقاط الحكومات وتلك النظم الحاكمة. وقد عانت مصر كثيراً منذ قيام ثورة 25 يناير من امتلاك القدرة على الهدم دون توافر رؤية مستقبلية لآليات البناء الديمقراطى السليم للدولة وغياب القيادة الموحدة فى ظل رفض تيارات أخرى لذلك التغيير إما لتعارض مصالحها معه وهو ما عرف بالثورة المضادة أو لعدم الاعتراف بشرعية التغيرات فى ظل الانقسام السياسى الحاد بين مؤيد ومعارض وصراع جدلى حول مفهوم الشرعية وكيفية الاحتكام إليها على أرض الواقع . ومن هنا كان من الضرورى إيجاد آليات دستورية وقانونية منظمة لعملية عزل الرئيس بصورة تحقق التوازن بين احترام الإرادة الشعبية من زاوية واستقرار المجتمع والانتقال الديمقراطى من زاوية أخرى . وإذا كانت فلسفة صناعة الدساتير والقوانين تعتمد على الاستجابة للمتغيرات المجتمعية والمستجدات السياسية وإيجاد الحلول المناسبة لها فى إطار منظم يحقق الرضا المجتمعى ويحميه من مخاطر الانقسام والتدمير الذاتى الأمر الذى ألقى بظلاله على الدستور الجديد الصادر فى 2014 والذى تفاعل بصورة واقعية مع إشكالية عزل الرئيس قبل انتهاء مدة ولايته المقررة قانوناً ووضع القواعد المنظمة لتلك العملية فى المادة 161 والتى أجازت لمجلس النواب سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناء على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل وموافقة ثلثى أعضائه ولا يجوز تقديم هذا الطلب لذات السبب خلال المدة الرئاسية إلا لمرة واحدة وبمجرد الموافقة على اقتراح سحب الثقة يطرح أمرها وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فى استفتاء عام بدعوة من رئيس مجلس الوزراء فإذا وافقت الأغلبية يعفى من منصبة ويعد منصب رئيس الجمهورية خالياً وتجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يومياً من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء وإذا جاءت نتيجة الاستفتاء برفض عزل الرئيس أعتبر مجلس النواب منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية لانتخابات مجلس جديد خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الحل. وتعتبر تلك الصياغة التوافقية علاجاً مناسباً لسد ذلك الفراغ الدستورى بالاحتكام إلى الشعب ونوابه لقطع الطريق على أى حكام يخرج عن السياق العام الواجب احترامه لتحقيق مصالح الشعب وضمانه وجوهرية للتغيير عبر قواعد الممارسة الديمقراطية الصحيحة .