كشف محمد فوزي، أحد الطلاب المعتقلين من كلية صيدلة بجامعة المنصورة فى أولى رسائله الساخرة بعد سجنه عن سر أزمة انقطاع الكهرباء التي تعانى منها البلاد وذلك بروايته لإحدى المواقف الطريفة التي حدثت بين رفقائه بالزنزانة، حيث أصيب بعضهم بنوبة من الضحك خلال السماء فقال لهم أحدهم "إهدى يابني انت وهو عايزين ننام.. الله يخرب بيت الكهربا اللي لسعت دماغكوا"، ليجيبه أحدهم "ويرجعوا يقولوا فيه مشاكل كهربا في البلد، طب ما طبيعي، الكهربا كلها بتتحوِّل علي أمن الدولة علشان يدلّعوا بيها المعتقلين". وأضاف فوزى فى رسالته "لا أظن الطاغوت الحالي يدركُ ما يفعل، لا أظنه يدركُ أن كهرباءه المخيفة صارت نكتة نضحكُ منها، لا أظنه يدركُ أن الجدران التي أحاطنا بها صارت صوامع للتعبّد، للقراءة، للتفكر، لا أظنه يدركُ أن جيلاً يتربَّي، ومجتمعاً كاملاً يترابط ويندمج داخل المعتقلات، مجتمعًا رُسمت علي جسده من الندوب ذاكرةٌ تُنَبهْهُ كل صباحٍ بالهدف الحقيقي لوجوده هنا علي هذه الأرض مواجهة كل ظلمٍ". وأوضح فوزى أن مواجهة الظلم تكون ولو برسالة بسيطة تؤرخ وتُعرّي الحقيقة كالتي كتبها، مشيرًا إلى تردده كثيرًا فى كتابتها نظرًا لعدم رغبته فى استعراض جرحه علي الأوراق لاستجلاب إيمان أو تضامن كاذب مع القضية التي جُرِح لأجلها، فالقضيةُ به أو بدونه منتصرة، فضلاً على أن الإيمان لا يولد هكذا ، كما تردد لأنه نظرًا بما قابل من بداخل السجون العسكرية لم يعانى شيء يذكر. وأضاف فوزى: "ولكني حسمت أمري وكتبت لسببٍ واحد: وهو إيماني أن لكلٍّ دورًا وغايةً خلقه الله وقدَّر حياته لها.. وأنا أعتقد لأن الله ما وضعني ها هُنا إلا لأكتب ما أراه بصدقٍ.. لذا كتبت وسأكتب". وكشف فوزى خلال رسالته عن علاقته بمفردات المعتقل وهى الغمامة والكلبش والكهرباء، مشيرًا إلى بقائه أسبوعًا كاملاً مغمى الأعين فى الوقت الذي يجن فيه "الباشا" الضابط خوفًا من أن يعرف أي معلومات عن حقيقة شخصيته وهويته، قائلاً: ال"باشا" القوي الذي يخاطبني بثقةِ إله يملك أن يقول للشيء كن فيكون ، يخاف، تمامًا كما يخاف كل طاغيةٍ أن يعرف شعبه أي شيء، لابد من غمامة التجهيل والتعتيم والتضليل الدائمة". أما الكلابشات التي لطالما قيدوا بها أيديهم خلف ظهورهم فقد أكد فوزي: قائلا "الباشا المسلح الذي يقود كتيبة من المسلحين داخل مبني تحرسه المدرعات، بالطبع لا يخشي من هروبنا ليكلبشنا خلفياً، ما يخشاه حقاً هو أن تمر علينا لحظة بلا ألمٍ متواصلٍ". وأكمل فوزى "الصفع والركل واللكم والضرب بالعصي ليس كافياً، لا نوم ، لا طعام لأيامٍ ليس كافيًا، حتى الدقائق التي كنا نحظي فيها باستراحة إجبارية _ربما لأن أيديهم تعبت من ضربنا_ كانوا يغرقوننا بمياهٍ باردةٍ حتى لتصبح أجسادنا أبرد من البلاط القذر الذي نُرمي عليه".
_"اسمك ؟" _"مح ..." _"لأ، اسمك ليلي، ليلي يابن ال *** " قاطعني بلكمات منه ورجاله معه، أسقطني أرضًا وهوي بالصاعق الكهربائي علي رقبتي ، هذا قبل أن يقف بحذائه علي وجهي. روى الطالب محمد فوزى ذلك المشهد فى رسالته واصفًا ما يتعرضون له داخل السجون من صعق بالكهرباء بشكل متكرر، موضحًا أن هناك الكثير من قصص التعذيب يجمعها كلها البداية الحادة العنيفة المهينة، مشيرًا إلى أن لكل الطغاة سياسة واحدة، إنهم من اللحظة الأولي يغمسونك كليًا في بركة التعذيب الآسنة القذرة حتى تنقطع أنفاسك تمامًا وتصبح أقصي أمانيك هي انفراجة لدقائق تمر عليك دون ألمٍ. وأضاف فوزى "منذ اعتقالي لم أملك صورة كاملة عما يجري بالخارج، ولكن السياسة والوضع بأكمله داخل السجن كخارجه تماماً كما يجري مع الشباب بالخارج؛ القمع المفرط، حملات الاعتقال الموسعة، فصل الطلاب واقتحام المنازل وانتهاكها هي الصاعق، العصا، الكلبش الذين يستخدمهم كل طاغية ليحوّل من ثاروا عليه من حالمين وساعين لوطن حقيقي إلي مجرد حفنة من اليائسين الذين يتمنون مرور مظاهرة بلا إصاباتٍ، أو الافراج عن صديق طال اعتقاله .. نفس الأدوات التي يستخدمها الطاغية ولا ينجح أبداً".
وشدد طالب الصيدلة على أن النصر قريب جدا قائلا "هُنا بين الجدران لم أرَ ملائكة منزهين، ولا مقاتلين ذوي قوي خارقة، رأيت بشراً عاديين بهم من النقصان والتقصير والأخطاء ما بهم ، لهم أحلام ضئيلة أحياناً وضخمة أحياناً .. لكن الله بث في قلوبهم يقيناً يبدو جليَّا في عيونهم حين يتصافحون ، في حناجرهم حين ينشدون ليلاً.. يقيناً يبدو حتى في صمتهم حين يستغرقُ أيُ منهم في خلوةٍ هادئة .. يقيناً بنصرٍ آت ولو بعد حين". واضاف "قسماً برب يوسف في سجنه، قسماً برب يونس في بطن حوته ، قسماً برب كل معتقل همس إلي السماء وهو ساجدٌ في قلب ليلِه سننتصر، ولو بعد حينٍ سننتصر".