اذا اعتبرنا ان مقاومة الفساد والاستبداد والظلم والدكتاتورية أو ان المطالبة بالحريات والعدالة والكرامة الانسانية من الثوابت والاصول الشرعية ومن اهم منطلقات الفكر الاسلامي فان هذا لا يعني بالضرورة وجوب تأطير تلك المقاومة أو المطالبات فى اطار محدد او شكل موحد بل ربما يكون ضروريا في بعض الاحيان تعدد الآطر أو الصور والأشكال . ان مقاومة الفساد والظلم والاستبداد والمناداة بوجوب إقرار العدالة والحريات كما هو فريضة عينية لازمة على الجماعات المنظمة فهى واجبة أيضاً فى حق الافراد والمجموعات غير المؤطرة بل ان الفرد قد يسعه مالا يسع الجماعات أوالكيانات حيث تخضع عادة قرارات وسياسات وتحركات الجماعات لحسابات دقيقة وعديدة ومعقدة بينما الفرد قد تسهل حساباته وتتعدد وتكثر خياراته .
نثبت هذا لأننا وجدنا بعض الكيانات او فلول الجماعات ( ممن استقالوا أو انشقوا من الاسلاميين على جماعاتهم أو تنظيماتهم ) قد خالفوا مبادئ الشريعة وأصولها بوقوفهم وتأييدهم ونصرتهم للفساد والقمع والاستبداد او بإغفال المطالبة بالعدالة والحريات وهؤلاء في اعتقادي اما انهم ينطلقون من قاعدة الإكراه او الاضطرار بدعوى ارتكاب أخف الضررين وان الضرورات تبيح المحظورات ، وإما انهم متأولون ولا يتصورون ان ما حدث بعد الانقلاب ظلما او قمعا او فسادا بل يمثل حقا وواجبا ، وإما انهم يطالبون بالاستسلام للواقع زاعمين ان الرضوخ والخضوع لما حدث يمثل قمة الحكمة والتعقل والتسامح .
واذا كان من الواجب التأكيد على أنه من ثوابت الشريعة انها قد أباحت للمضطر أو المكره ارتكاب المحظور شرعا وذلك رفعا للحرج ودفعا للمفسدة والمهلكة فان الشريعة ذاتها احاطت عذر الإكراه بضوابط ومحددات واضحة وصريحة (منها) الا يكون الضرر المهدد به المُكْرَه تافهاً وحقيراً بينما يكون المحرّم المراد ارتكابه عظيماً وجسيماً ( ومنها ) أن يكون المكره او المضطر عاجزاًعن دفع ما يتهدد به ( ومنها ) الا يتعدى المكره اوالمضطر الالفاظ او الافعال التى اكره على قولها او ارتكابها ( ومنها ) مراعاة الاختلاف في رتب الناس ودرجاتهم فان ذلك يؤثر في تقدير موقف المكرَه نفسه فالإمام والرئيس والعالم ليس كالمأموم أو التابع أوالجاهل .
والمتابع للواقع السياسي والامني في مصر يشهد ان اغلب شروط الإكراه او الاضطرار السابقة غير متوافرة لدرجة نستطيع ان نقرر ان كل من يدعي الاكراه من قيادات الحركة الاسلامية الحالية او السابقة فعليه ان يراجع نفسه ودينه .. اما التأويل او دعاوى الاستسلام للواقع بدعوى ان ما حدث كان واجبا نظرا لأخطاء جماعة الاخوان او لفشل د. محمد مرسي فى إدارة البلاد او لعدم استجابة الرئيس لانتخابات مبكرة او لاتباعه سياسة الاقصاء المتعمد للتيارات السياسية أو بدعوى الحفاظ على التيار الاسلامي أو حقنا للدماء او لعدم انتشار جماعات العنف والتكفير والتفجير ............ الخ
كل هذه النظريات لاتسوغ أبدا ولا تبرر نهائيا الانحياز الكامل للظلم والقمع والفساد والتأييد المطلق للانقلاب ودعمه وتقويته وتثبيته والطعن فى جماعة الاخوان وقيادتها ورميها بهتانا وزورا بانها جماعة ماسونية او صهيونية او مخابراتية ( الخرباوي ) او انها جماعة إرهابية تحالفت مع تنظيم القاعدة بعد ثورة 25 يناير حتى الآن ( ناجح ابراهيم ) او ان الجماعة استعانت بمرتزقة لتنفيذ مخططها العدواني والوصول الى حكم البلاد ومحاولة طمس الهوية المصرية ( نبيل نعيم ) أو أنه لم يكن ممكنا ان يغمض السيسي عينيه ويصم أذنيه ويولي ظهره لما يجري من الاخوان لتضيع مصر وأهلها وانه كان يجب ان يمارس السيسي دوره الذي يحتمه عليه الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني وان مواجهة الإرهاب اليوم افضل من مواجهته غداً !!!!!! ( محمد حبيب ) او ان السيسي مرشحا إسلاميا ( نادر بكار ) او انه لا مانع من تولي عسكري حكم البلاد لان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قائدا للجيوش ( برهامي ) .
وعليه .. فان نظريات الإكراه او التأويل او وجوب اعتبار فقه الواقع او ضرورة التسامح والتعقل والحكمة لا تصح ان تخرج صاحبها عن حدود الشرع والدين وانها( ان اجازت ) فانها قد تجيز للمعتقد بصحتها السكوت ( ان صح ذلك ) او اللطف فى النصح والتبيين ( ان لزم ذلك ) لكنها لا تبيح أبدا ولا تجيز بحال إعانة الخائن العادي ( ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ) أو الركون الي الظالم الباغي ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) اوالاعتداء على المظلومين المضطهدين ورميهم بالزور والبهتان ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) .. فان أصر البعض على ذلك فاعتقادي ان الخلل ليس في نظريات الإكراه و التأويل بل قد يكون فى التصور او العقل او الدين .