صور "الأصنام" تُركَل بالأحذية...تُحرَق...تُنزَع من الحوائط...تُداس بالأقدام...تلك الأصنام التي استعبدتنا طيلة عقود طويلة مديدة لتُسقينا مر الذل والهوان. "مبارك" و"القذافي" و"بشار" و"بن علي" و"صالح"...كلها أصنام صُنِعَت لنا لكي نُقَدسها ونرهبها ونبجلها؛ حتى أضحت قلوبنا قلوب العبيد الأذلاء...فانتكست الفطرة التي خُلِقَت لكي تكون حرة أبية؛ وانتكست العقول التي خُلِقَت لكي تكون مُفَكرة ومتدبرة ومتأملة. وبعد ظلامٍ طويلٍ ودامسٍ من القهر والاستعباد لاح الفجر أخيراً مع بداية عام 2011، حينما هب أحرار الشعوب العربية ليحطموا تلك "الأصنام"، متحررين من الخوف الذي طالما زرعته تلك الأصنام عبر سياط التعذيب والترهيب. أدرك هؤلاء الأحرار أن تمام التحرر من أسر العباد هو عين الإسلام، وأن مقاومة الظلم من أسس ودواعي الاستخلاف في الأرض. تبادر إلى ذهني - وأنا أرى تلك "الأصنام" المُحَطمة بأيدي الشعوب العربية – ما حدث في يوم فتح مكة بالعام الثامن الهجري، حينما قام رسول الله عليه أفضل الصلوات والسلام، مع صحابته الكرام، بهدم الأصنام حول الكعبة الشريفة، ليُسدلوا الستار عن نظامٍ آسنٍ فاسدٍ، استمر سنواتٍ طوال، مستعبداً البشر لغير البشر. أليست جميعها أصناماً من نوعٍ واحد؟ إلا أن أصنام اليوم باتت أشد ضراوة وشراسة. فهي لا تنكسر بسهولة، وإنما تظل قائمةً مستكبرةً عصيةً، تُصارع الموت وتتحداه على الرغم من شيبتها وشيخوختها وعجزها، وعلى الرغم من توجه أصبع الاتهام جميعها إليها. إن أصنام اليوم المتساقطة - والرافضة للاستسلام والموت في الوقت ذاته – تجعل من نفسها شريكةً لله..."تُلَملِم" أرصدتها البليونية من بنوك العالم لتُحَولها ذهباً، معتقدة ً أنها ستعيش إلى الأبد. "ولتجدنهم أحرص الناس على حياةٍ ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يُعَمر ألف سنة وما هو مزحزحه من العذاب أن يُعَمر" (البقرة). وما يُدمي القلب حقاً، أنه على الرغم من إسقاط تلك "الصور الفرعونية" إلا أنها ما زالت – وبكل أسف – باهتةً على الكثير منا. فكما كانت تلك "الصور الفرعونية" تُكرس ثقافة الرأي الواحد باعتباره الرأي المطلق وما عداه خطأ، أضحينا الآن نجد صوراً وأنماطاً فرعونية مُصَغرة على مستويات شعبية، تُكَرس نفس الثقافة الأحادية. وتغفل هذه الأنماط الفرعونية الشعبية عن حقيقتين مهمتين – كما غفلت عنها الأنظمة الفرعونية من قبل – وهما: الحرية والاختلاف. فقد خلق الله عباده أحراراً، كما خلقهم مختلفين، جاعلاً سُنة التعامل فيما بينهم التعارف وليس الصدام. وبناءً عليه، يجب منح جميع الجماعات والأحزاب والقوى السياسية حرية التعبير عن رؤاها والاستماع إليها. فكفانا تصنيفاً للبشر على حسب انتماءاتهم؛ وكفانا وضعهم في خانات مكتوب عليها "ممنوع الاقتراب". كفانا فرقةً واستقصاءً واستقطاباً. الكل.....نعم أعني الكل... له الحق في التعبير عن رؤيته، الليبراليون والأخوان والسلفيون والناصريون والجهاديون والاشتراكيون. وذلك بدون النظر من علٍ لأي فئة أو جماعة أو حزب، وبدون وصف هذا أو ذاك بالتطرف أو الرجعية أو العمالة أو الخيانة. أيها الفراعين الصغار أتركوا البشر يتنفسون نسيم الحرية التي حُرموا منها طيلة عقود متوالية...أرجوكم تقبلوا الاختلاف وتعايشوا معه، وليعذر بعضنا بعضاً...ولنتفهم بأن عقود التعذيب المريرة قد أفرزت رؤىً أخرى علينا التحاور والتجاذب معها بصدقٍ وإخلاص حتى يتم تجسير الفجوة. علينا تجسير الفجوة بالتفاهم والتقارب والتعارف...الحُجة بالحُجة والفكرة بالفكرة...وليس بالتلسين والتشنيع والتصنيف والتخوين. علينا أن نُشَكل تياراً رئيسياً واحداً يجمع كل الاختلافات والتباينات، كما ينادي دوماً مفكرنا ومؤرخنا المصري "طارق البشري". لابد أن تتحرك جميع الروافد في نهرٍ واحد وأن تصب في بحرٍ واحد هذا هو التحدي فليعيننا الله عليه