لم تسع الشعوب للقيام بثوراتها وبذل الغالى والنفيس من الدماء وارواح الشهداء الا من اجل أهداف محددة اهمها الحرية بما تحمله تلك الكلمة من معان كحرية العيش بكرامة ، وحرية اتخاذ القرار ، وحرية الأوطان ، فالإنسان ولد بالفطرة حرا يكره القيود ، والأنظمة العربية الحاكمة والمتحكمة بالبلاد والعباد فى معظمها خريجة مؤسسات عسكرية ، تم تأهيلهم وتدريبهم على الصرامة والقوة وكيفية احكام قبضتهم على كل ما يسير على الأرض ، واخضاع الشعوب لطاعتهم طاعة عمياء ، ويقاس قوة اى حاكم فى منطقتنا العربية بمدى صرامته وقوته وقدرته على السيطرة على مقاليد الأمور فى داخل مملكته ، الحاكم يعتبر اللين ضعف ، والمراوغة واللف والدوران حنكة سياسية ، والوقوف فى المنطقة الرمادية حكمة ، والحديث عن مرضه خط احمر ، ومحاسبته على جرائمه جريمة تستحق الاعدام ، وانتقاد سياساته انتقاد للذات الملكية التى فاقت فى بلداننا علو وسمو وجلالة الذات الالهية وفقا لقوانينهم، حتى انهم فى بلداننا سرقوا تلك الصفات واستأثروا بها لأنفسهم فمنهم صاحب السيادة ، وصاحب الفخامة ، وصاحب السمو ، وصاحب الجلاله المعظم .. والشعوب عن جهل تردد تلك الاسماء دون ان تدرى ان مجرد صبغهم بتلك الالقاب سببا كاف لتحويلهم الى اناس فوق كل البشر ، بتغذية الانا وتضخيمها بداخلهم... على كلا نحن الشعوب تقع علينا مسؤولية خلق تلك الأوثان وتأليهها ، وعلينا إعادة النظر بعلاقاتنا بهؤلاء الحكام ، وتحجيم نفوذهم ومعاملتهم كموظفين بالدولة لا كآلهة مقدسة . بعد ثورة 25 يناير المصرية أصبح الشعب المصرى هو صاحب السيادة والكلمة العليا له ، الثورة غيرت نظرة الشعوب الى حكامها وانزلتهم من علياءهم وابراجهم العاجية ووضعتهم فى منزلة أقرب لمنزلة البشر العاديين، وكنا نتمنى ان يغير الحكام نظرتهم الى شعوبهم ويرفعوهم الى منزلة جديرة بمنزلة البشر الأحرار كما خلقهم الله ، الا ان الحكام العرب مازالوا مصرين على البقاء فى منازلهم التى آلفوها ..منزلة المغرورين المتغطرسين ، المتكبرين ، متجاهلين حقيقة سقوطهم بنظر الشعوب التى سئمت وجوههم ، رافضين صورة الواقع الجديد الذى جعل العروش تهتز تحت أقدامهم ، وبدلا من التعامل مع هذا الواقع الجديد بحكمة وتعقل نجد البعض منهم يستخدم آلة قمعه لإخضاع الشعوب والعودة بتلك الشعوب الى الوراء .. لم يتعظوا من سقوط زين العابدين بن على ولا من سقوط مبارك ، وزادوا فى بطشهم وعنادهم وغرورهم. كنا نعلم مدى قسوة قلوب الحكام العرب على شعوبهم ، ونعلم انهم اشخاص جاءونا من كوكب آخر لا ينتمون لهذا الكوكب البشرى لا من قريب او من بعيد ، نعلم انهم أناس تجاوزوا هذا الزمن بمراحل ، وفضلوا البقاء متسمرين فى عصر أشبه بالعصور الوسطى بينما العالم كله يتقدم بخطى سريعة للامام ، إلا ان أقدام حكامنا التى عجزت عن حمل أجسادهم الهرمة تسمرت فى مكانها ، وأياديهم المرتعشة تقبض على الكراسى فى تشبث عجيب بالسلطة ، كنا نعلم الكثير والكثير عن فسادهم وإستخفافهم بشعوبهم ، ونضحك من تصريحاتهم الهزيلة ونجعلها مادة للتندر والفكاهة تخفيفا وترويحا عن نفس مليئة بالألم والحسرة والقهر ، ونعلم الكثير والكثير عن نهب اموال الشعوب المقهورة وتهريبها لبنوك الغرب فى الوقت الذى يعيش الملايين من هذه الشعوب تحت خط الفقر والعوز والحاجة ، كنا نعلم عن ممارساتهم البشعة ضد خصومهم ومعارضيهم فى أقبية سجونهم ومعتقلاتهم ، كان حكامنا الأفاضل يتهمون كل من يعارضهم بالخيانة والعمالة بينما هم يشربون نخب دماءنا مع أعداءنا .. كنا نعلم الكثير والكثير ولكن جدار الخوف كان يمنعنا من اختراقه . ولكن ما لم نكن نعلمه انهم أناس تجردوا من كل القيم الانسانية والرحمة للدرجة التى تدفعهم لقتل شعوبهم بدم بارد وفى وضح النهاركما فعل على عبدالله صالح فى ساحة التغيير، وما لم نكن نعلمه انهم قتلة وفجرة للحد الذى أوصلهم لهدم البيوت على رؤوس أناس عزل ، وان شهوة السلطة والبقاء فى الحكم ستدفعهم الى حرق اليابس والأخضر كما فعل القذافى مع شعبه ، الذى أدار حربا ضارية ضد شعب سئم وجوده فى السلطة وأراد لنفسه التغييروالحرية فكان عقاب الشعب الليبى الإبادة ، هذه الحرب التى يديرها القذافى وعصاباته المرتزقة لو كان خاضها ضد الكيان الصهيونى لكان أصبح بطلا فى نظر الملايين ، ولكنه للاسف خاضها ضد شعبه بدعم وتخطيط وتدبير من الكيان الصهيونى الذى يقوم بتزويد القذافى بالعصابات المرتزقة عن طريق السفارة الإسرائيلية لدى السنغال التى يقف أمامها الطوابير بهدف الفوز بعقد عمل في ساحة القتال الدائر في أرجاء ليبيا. لقد أسقطت الثورات المصرية والتونسية وثورة الشعبين الليبى واليمنى أقنعة حكامهم ، فظهرت وجوههم القبيحة ، وبات الأمر محسوما بين هؤلاء الحكام وبين شعوبهم " القطيعة الدائمة " فالعلاقة بين الطرفين باتت مستحيلة بعد أن اختار كلا من القذافى وعلى عبد الله صالح طريق الدم من أجل البقاء فى السلطة ... ان لغة الرصاص باتت اللغة التى لا يتقن سواها حكامنا الأشاوس ونسوا الحديث الشريف (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فهل تحمل حكامنا مسئؤولياتهم ليعطوا أنفسهم حق البقاء فى السلطة ؟ أين هم من رسولنا الكريم ؟ بل اين هم من الاسلام ؟ الثورات العربية كانت بمثابة درسا لحكام دول العالم ..فها هو " الدالاي لاما "زعيم إقليم التبت يقرويعترف أمام مناصريه : إن قيادته عفا عليها الزمن وأكد أنه سيتخلى عن السلطة رغم المعارضة داخل حكومة التبت في المنفى ، وقال الدالاي لاما : "لا أريد أن أكون مثل مبارك" في إشارة إلى الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي أطاح به شعبه وأجبره على التنحي في 11 فبراير ، وأعلن الدالاي لاما أنه سيتنحى عن زعامة التبت السياسية لتمكين رئيس وزراء منتخب في خطوة تمثل تحولا في حكومة المنفى لتكون أكثر قدرة على مواجهة الضغوط الصينية ، بينما نجد على عبد الله صالح يتمسك بمنصبه ويساوم شعبه على تنحيه ، ويشجعه على ذلك زعماء الخليج الذين تقدموا بمبادرة تطالب بعدم ملاحقة الرئيس اليمنى واسرته مقابل تنحيه ، وكأن دم الشهداء الذين قتلوا بأوامر حاكم تجرد من انسانيته فقتل ونهب وسرق لا ثمن لها ، وكأن من ماتوا ليسوا بشر ، لقد تناس حكام الخليج حدود شرع الله التى تلزم كل مسلم بالقصاص العادل .. ودافعوا عن قاتل كما دافعوا عن مبارك وتدخلوا لعدم محاكمته امام القضاء العادل ، وكما وقفوا متفرجين امام قتل الشعب الليبى وتركوا امره للناتو وكأن الأمر لا يعنيهم . ان كل رصاصة تطلق بأمر مباشر من أى حاكم لصدر شعبه هى رصاصة تطلق على شرعية وجوده ، وكل شهيد يسقط فداءا للحرية هو سقوط لهذا الحاكم ..ولا يجب بأى حال من الأحوال ان نغفر لأى حاكم مهما علت متزلته ارتكابه جرائم قتل بحق شعبه .. فحياة الشعوب وكرامتها خط احمر يا حكام العرب... فأنتبهوا واحذروا والا فميادين التحرير والتطهير مفتوحة على مصراعيها ولن ينجيكم من الحساب والعقاب قصوركم ولا اموالكم .