يبدو أن أزمة أوكرانيا دخلت النفق المظلم, حيث انتهت المهلة, التي منحتها كييف للمسلحين الموالين لروسيا لإلقاء السلاح, من دون إشارة إلى تراجعهم، بينما اكتفت الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي بتبادل الاتهامات المعتادة بين موسكو والغرب, بمسئولية كل منهما عن تفاقم الأزمة. وكان مرسوم رئاسي في أوكرانيا حدد السادسة بتوقيت غرينتش صباح الاثنين, الموافق 14 إبريل, موعدا نهائيا لإلقاء المسلحين أسلحتهم, ومغادرة المباني التي يحتلونها في شرق البلاد. وقال أولكسندر تيرتشينوف القائم بأعمال الرئيس الأوكراني في كلمة بثها التليفزيون الأوكراني إنه أمر بعملية شاملة ضد "الإرهاب", يشارك فيها الجيش ضد الانفصاليين المؤيدين لروسيا. وبدوره, أعلن وزير الداخلية الأوكراني أرسين أفاكوف عزم حكومته اللجوء إلى القوة لمكافحة ما سماها العمليات "الإرهابية" في مدينة سلافيانسك بشرق البلاد، ودعا سكان المدينة إلى أخذ الحيطة وتفادي الخروج إلى الشوارع. ويطالب المسلحون في شرق أوكرانيا بتنظيم استفتاء يفضي إما إلى انفصاله عن البلاد وانضمامه لروسيا على غرار ما حدث في 6 مارس الماضي في شبه جزيرة القرم الأوكرانية ذات الغالبية من أصول روسية, وإما إلى إقامة نظام فيدرالي, تتمتع فيه تلك المناطق بصلاحيات واسعة. واحتل مسلحون في 12 إبريل مقرين أمنيين في مدينة سلافيانسك بشرق أوكرانيا, واستولوا من أحدهما على أسلحة وزعوها على المتظاهرين, كما نُزع علم أوكرانيا من معظم المقار الأمنية والإدارية التي سيطر عليها مسلحون أو متظاهرون مؤيدون لانفصال الأقاليم الشرقية, ووضع محله علم روسيا, أو علم خاص بمؤيدي الانفصال. وفي 13 إبريل, أطلقت السلطات الأوكرانية عملية لمكافحة "الإرهاب" على نطاق واسع بدعم من القوات المسلحة لوضع حد للاضطرابات، وذلك لمواجهة هجمات تقوم بها مجموعات مسلحة ترتدي زيا دون شارات, في شرق البلاد الناطق بالروسية. وأعلن وزير الداخلية الأوكراني أن العملية أدت إلى وقوع قتيل وخمسة جرحى بين صفوف القوات النظامية و"عدد غير محدد" بين المناوئين لها, متهما روسيا بنشر عملاء في شرق أوكرانيا لإثارة فوضى, تتخذها القوات الروسية ذريعة للتدخل مثلما حدث في إقليم القرم جنوب شرقي أوكرانيا, عقب الإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش, الموالي لموسكو, في 22 فبراير الماضي. وبدوره, عقد مجلس الأمن الدولي في 13 إبريل جلسة طارئة لبحث الأزمة الأوكرانية, في ضوء التوتر المتصاعد في شرق البلاد، في وقت تحدثت فيه أنباء عن حشود روسية بعد إمهال كييف للمسلحين, الذين يستولون على المباني الحكومية بإلقاء السلاح قبل السادسة صباحا بتوقيت غرينتش, وإخلاء المباني. ونقلت وكالة الأنباء الأوروبية عن دبلوماسيين في مجلس الأمن قولهم إن الاجتماع طالبت بعقده روسيا, العضو الدائم في مجلس الأمن, على أن يكون مشاورات مغلقة, ولكن فرنسا ودول غربية أخرى, خصوصا الولاياتالمتحدة وبريطانيا, شددت على أن يكون الاجتماع علنيا, وأن يشارك فيه مندوب أوكرانيا لدى الأممالمتحدة يوري سيرغييف. وقالت قناة "الجزيرة" إن الجلسة كانت مناسبة لتبادل الانتقادات والتهم بين روسيا والغرب, وتحول الاجتماع إلى "حوار طرشان" بين الروس والغربيين, الذين اتهموا موسكو بالوقوف وراء التوتر في شرق أوكرانيا, مقابل إنذار موسكو لكييف "بوقف استعمال القوة ضد الشعب الأوكراني". ووصف مندوب روسيا خطط كييف لتعبئة الجيش لإنهاء تمرد المسلحين المؤيدين لروسيا في شرق أوكرانيا, بأنها "إجرامية" داعيا الغرب إلى كبح جماح كييف لتجنب حرب أهلية. وبدورها, اعتبرت السفيرة الأميركية لدى الأممالمتحدة سامانثا باور هجمات المجموعات المسلحة في مدن شرقي أوكرانيا تنطوي على "مؤشرات على ضلوع موسكو"، بينما حذر حلف شمال الأطلسي "الناتو" روسيا من مخاطر أي تدخل عسكري آخر في أوكرانيا. وقالت باور في تصريح لشبكة "اي بي سي" الأميركية :"إن ما يحدث في شرق أوكرانيا يحمل كل المؤشرات التي شاهدناها في شبه جزيرة القرم، ما يحصل محترف ومنسق. ليس ثمة عوامل محلية هنا. في كل من المدن الست أو السبع, حيث تنشط هذه القوى تقوم تماما بالأمر نفسه. إذن من دون أدنى شك، هذا يتضمن مؤشرات على ضلوع موسكو". وأوضحت باور أن العقوبات, التي فرضتها واشنطن بحق عدد من الشركات والمسئولين الروس, دفعت الروبل الروسي إلى أدنى مستوى له تاريخيا, وإلى تراجع البورصة الروسية بنسبة 20% وإلى هروب الاستثمارات. وأضافت "تبين لنا أن العقوبات يمكن أن تلحق ضررا. وإذا استمرت هذه التحركات الروسية, فسنرى تشديدا لهذه العقوبات". وفي السياق ذاته, ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" نشر صورا لتعزيزات عسكرية روسية كاملة العتاد على الحدود الشرقيةلأوكرانيا, يمكن أن تكون جاهزة للتحرك خلال 12 ساعة فقط. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 13 إبريل أن هذه الصور تكذب الإيحاءات الرسمية من موسكو بأنه لا يوجد شيء غير عادي بشأن تحركات القوات الروسية, ولا أي سبب يدعو للذعر. وبحسب الناتو, فإن هذه الصور تكشف عن علامات منبهة لقوة غازية وليس مجرد قوات في مناورة كما تدعي موسكو. ومن جانبه, قال رئيس تحرير موقع "أوكرانيا برس" الإخباري صفوان جولاق إن روسيا كانت تعد أوكرانيا على مدار التاريخ دولة جارة وصديقة، ولكن مؤخرا بدأت تتخوف من أن تتحول أوكرانيا إلى مسرح لتحركات الغرب، خصوصا دول حلف شمال الأطلسي "الناتو". وأضاف جولاف في تصريحات لقناة "الجزيرة" في 13 إبريل أن الشعب الأوكراني يتذمر اليوم علنا من الفخ, الذي أوقع فيه الغرب السلطات الحالية, مع اكتفائه بالتصريحات, التي لا تجدي على الأرض، بينما يستمر الروس في تغذية مشاعر الانفصال في المدن الشرقية من أوكرانيا. كما أكد الكاتب والخبير الأوكراني في الشأن الروسي ويليام برودور في تصريحات ل "الجزيرة" أيضا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و"طغمته" يخشون فقط على أموالهم ومصالحهم الاقتصادية، مشيرا إلى أن الشكل, الذي فرضت به العقوبات الغربية, ليس كافيا، لأنها لن تمس من هم في الدوائر العليا، موضحا أنه يجب فرض الحصار على كل وزراء الحكومة الروسية. وقلل برودور من شأن العقوبات الحالية المفروضة على النظام الروسي، لأنها تبدو سطحية بعض الشيء، وقال :"إنه ليس من المنطقي محاكمة الشعب الروسي بأكمله على خطأ قامت به مجموعة صغيرة سرقت الكثير من مال الشعب الروسي وتستثمره في الغرب