في مقاله الأخير ب ( المصريون) كتب الدكتور شهاب البليهي تحت عنوان:(حزب المصريون الأحرار .. حزب ساويرس)، وطالب الدكتور الفاضل السيد نجيب ساويرس مؤسس الحزب بالإعلان عن موقف الحزب من عدد من القضايا وبصراحة، كموقف الحزب من المادة الثانية من الدستور، وجهة تمول الحزب، وهل يقبل من يخالفه في الرأي والدين والثقافة؟ ثم ختم مقاله بقوله:( في هذه الحالة سنرفع القبعة لك ولحزبك)، وهذا الاتجاه هو الذي سار عليه معظم المحللين منذ الإعلان عن إنشاء الحزب. وأرى أن المشكلة لا تكمن في هذا، وأن الموقف من هذه القضايا سيكون موقفا ديمقراطيا معتدلا لجذب أكبرعدد ممكن، كما سيتغير موقفه من معظم القضايا كما يفعل الآن في مؤتمرات الحزب بمحافظات مصر المختلفة، حيث بدل كلامه فيما يخص المادة الثانية من الدستور، لكن تنحصر حقيقة هذه الديمقراطية المزعومة في الشو الإعلامي فقط، دونما ممارسة حقيقة على أرض الواقع، والسؤال الملح هو: هل ما يعلنه نجيب ساويرس ليل نهار من إيمانه بالليبرالية العلمانية يطبقه كمبدأ ثابت؟ أم هي ليبرالية الأستك التي يمطها حسب الطلب، لكى تصبح فقط على مقاس الأفكار التى يؤمن بها هو، باعتبار أنه لا حرية لأعداء رأيي.؟ الإجابة تتضح من ليبراليته التي يصف بها الدكتور سليم العوا ب (فيه ناس زعموا أنهم مفكرون وأيديهم ملطخة بالدماء)، لمجرد أن اختلف في الرأي معه، قال هذا في لقائه مع منى الشاذلي التي وصفته قبل سماع رأيه ب (المصري المستنير الصادق). وفي حواره المطول مع بي بي سي أقر ساويرس بأنه يعترض على المادة الثانية من الدستور لأنها تؤصل للطائفية، حتى إن صوت عليها الأغلبية، ولأنها تمنع قيام الدولة المدنية، أما رفضه لها فمقبول لأنها الحرية، لكن أي حرية هذه التي تجعله يرفضها حتى مع التصويت عليها، وأما أنها تؤصل للطائفية وتمنع المدنية فغير صحيح، بل تصوره هذا يؤصل لنا مسألة مهمة، هي أنه رجل أعمال ناجح، وليس مفكرا (تم استضافته في برامج على أنه مفكر وخبير)، لأن إقصاء هوية مصر الدينية كشرط لإقامة الدولة المدنية يعد خطأ معرفيا وسياسيا وتاريخيا فى نفس الوقت، فالتنمية فى المجتمع الإسلامى على مدار تاريخه حمل عبأها الناس أنفسهم، ويراجع في ذلك تاريخ الأوقاف، واعتماد المرجعية الإسلامية لا يؤسس بالضرورة دولة دينية بالمفهوم السائد فى التجربة الغربية، بل إن نفوذ المرشد فى إيران لا يقارن بنفوذ أى بابا فى الكنيسة الغربية، فضلا عن أن معارضو المرشد أقوى وأكثر شدة وثباتا من أى معارضين فى أى دولة مدنية في العالم العربى. لست أتوقف عند ليبراليته التي جعلته يسب الدين على الهواء مباشرة، لعل ذلك سقطة لسان، لكن أي ليبرالية هذه التي يرى معها أن المرأة (يقصد المسلمة) تراجعت للوراء بسبب الحجاب، وأن لباس الستينيات والسبعينيات (العاري) هو الذي يعيد لمصر طابعها الليبرالي؟!، فهو عندما يسير في الشارع وسط المحجبات وهن يرتدين لباس السعودية وإيران، يضيق أستك الحرية فيشعر بالخوف كما قال ، وعندما يرى شبه العاريات في الحفلات يتسع أستك الحرية، فيشعر بالأمان. هذه هي الليبرالية العلمانية التي يدعيها،.. إنتقاء أعمى .. انتقاء جغرافي.. وانتقاء زمني..وانتقاء اصطلاحي، وأعني بالأخير انتقاء الليبرالية الساويرسية لمصطلحات بعينها توهم خلاف الواقع، فثمة استخدام لفظ (الاضطهاد) بديلا عن ( التمييز) عنده، والاضطهاد كما يذكر الأستاذ فهمي هويدي يعنى تعمد الانحياز ضدهم، وتعقبهم لمصادرة حقوقهم، وحرمانهم مما يفترض أن يتمتع به المواطن العادى من تلك الحقوق، وأما التمييز فهو سلوك اجتماعى يتحيز ضدهم بسبب معتقداتهم الدينية، فاضطهاد الأقباط لا أساس له من الصحة، وهو من مبالغات الإعلام الساويرسي وأقباط المهجر. حرية الأستك تجتهد للمطالبة بالمساواة فى الحقوق والواجبات، وهذ حق مقدس سبق المحبون لمصر إليه لكن كثيرا ما يمط الأستك فلا يُعد هذا كافيا، ولا يرى مطلب التعايش مثيرا للحماس، وإنما يمط الأستك الساويرسي ليطلب من الطرف الآخر أن يتنازل عن بعض تكاليفه وتعاليمه وهويته،وهذا بدوره يجعل الليبرالية الساويرسية تتبنى في البداية الدعوة لمكافحة التعصب، ثم تنتهي إلى حملة شعواء لمكافحة التدين، وتعتقد هذه الليبرالية أعني الليبرالية الساويرسية أنه لا سبيل إلى إطفاء نار الفتنة الطائفية فى مصر إلا بإضعاف الهوية الإسلامية للبلد. إذن نحن أمام تفصيل للديمقراطية، أفرز تيارين، واحد يأخذنا غربا ليقطع الصلة بيننا وبين هويتنا، والآخر يأخذنا إلى شرقا في لباسه وشكله وتشدده، ليقطع الصلة بيننا وبين وسطية إسلام مصر الأزهر ومرونته وسماحته وواقعيته، وبسبب التيارين كبحت جوامح الحرية، وقامت الثورات. باحث في الحركات الإسلامية مصر [email protected]