لا شك أن الإنجازات التي حققتها الثورة حتي الآن وهي ليست قليلة ( وإن بقي أمامها الكثير ) ،لم تكن لتتحقق لولا فضل الله أولا ، ثم ثورة الشعب ، ثم موقف الجيش الذي تناغم بحكمة وثقة واقتدار مع الوجدان الشعبي الثائرفلم يصدمه أو يتصادم معه ؛ حيث تمثلت ذروة التناغم في :مشاهد استقبال الثوار للدبابات بالتحية وتقبيلها ،الأمر الذي أشار إليه المشير طنطاوي وأبكي الفريق سامي عنان ( في أول اجتماع للجنة تعديل الدستور ) ، ,ومشهد انضمام بعض جنوده إلى الثوار في ميدان التحرير ، وأداء قادته ( مثّلهم قائد القوات الجوية ) التحية العسكرية لأرواح الشهداء ، حتي بدي وكأن كلا من الشعب والجيش يخاطب أحدهما الآخر: «ذُهِلت بك عني فظننت أنك أني ». مشاهد بالغة الدلالة علي مستوي الالتحام الوجداني بين كل من الجيش والشعب والعكس ، وبالغة الأثر في إزالة وساوس إبليسية خلقتها مشاهد بدي طلعها كأنه رؤوس شياطين منها مثلا : تحليق طائرة عسكرية فوق الثائرين في ميدان التحرير, ، ومشهد اجتماع مبارك مع قادة العسكر في غرفة عمليات القوات المسلحة وكأنه يسعّرحربا على شعبه بعدما عيّن لوائين أحدهما رئيسا للوزراء والآخر نائبا له،وكذلك مشهد التقصير في حماية الثوار يوم موقعة الجمل . تبدي لنا الجيش ممثلا في القيادة العسكرية حكيما أكثر مما نظن ذكيا ووفيا للشعب أكثر مما كان يظن مبارك وحاشيته، وواثقا أكثر مما كان يظن الجميع، الأمر الذي أثلج صدورنا وزاد من حالة الاطمئنان من موقف الجيش مع مرور الوقت خاصة إذا قارنّاه بمواقف جيوش أخري الأمر الذي يستحق الثناء من ناحية والتنزيه عن المنّ أوالرياء من ناحية أخري . اطمئنان أغلبية الثوّار ومعهم أغلبية الشعب للجيش انعكس في صورة «نعم» كبيرة ليس للتعديلات فحسب ،ولكن لرؤية المجلس العسكري وتصوره عن إجراءات المرحلة الانتقالية للحالة الديمقراطية الكاملة ، فكان ضمن حيثيات نعم : احترام وتعظيم وثقة في رؤية الجيش وتصوره عن خطوات التغيير . بدءا من تحليق ( بدا تهديدا ) الطائرة العسكرية فوق ثوار ميدان التحرير مرورا بتحية الجيش لشهداء الثورة ( بدا التحاما) وانتهاءا بنعم الثورية الشعبية لتعديلات أشرف علي إعدادها المجلس العسكري ، كانت درجة الثقة والاطمئنان المتبادل بين الجيش والشعب تزداد خاصة مع استحضار المشاهد التاريخية في الذاكرة الوطنية التي وقف فيها الشعب ظهيرا للجيش في ثورة عرابي، ثورة يوليو ،العدوان الثلاثي ، حرب أكتوبر ؛فالعلاقة بين الجيش والشعب هي علاقة احتضان وانسجام متبادل حول المصلحة المعتبرة للدولة المصرية أحدهما يجد الآخر متى احتاج إلى دعمه . إلا أنه لا يمكن تصور عدم تعرض هذه العلاقة شبه النموذجية بين الجيش والشعب ( بالمقارنة بغيرها ) للمؤامرات الخارجية والداخلية الأمر المعلوم من العدو الصهيوني بالضرورة ، ومن الأنظمة العربية المتضررة بالتداعي ، ومن النخبة العلمانية المتطرفة المتصهينة بالخوف على مصيرها ومصالحها ، ومن فلول النظام السابق بالرغبة في إنقاذ مايمكن إنقاذه و الانتقام وتكريس الفوضي التي هددنا بها مبارك ؛ وليس من المستغرب أن تعلو حدة التوتر بين كل من الجيش والشعب كلما اقتربت يد العدالة الثورية من مبارك والرؤوس الكبيرة . بالإضافة إلي وصفة تدمير العلاقة بين المسلمين والمسيحين ووصفة تعطيل عجلة الإنتاج وغيرها من الوصفات التدميرية لمصر ، ليس هناك وصفة أخطر من تدمير العلاقة بين الجيش والشعب . وأعداء الخارج والداخل يدركون ذلك تماما ، فثمة قوي خارجية لايسعدها( بقدر ما يشقيها ) هذا التناغم بين كل من الجيش والشعب لأن في هذا التناغم والتوافق والانسجام قوة لمصر (لوتعلمون) عظيمة. طبعا إسرائيل على رأسها ، ولا يتصور عاقل أن إسرائيل مثلا تريد لمصر الصحة والمنعة ودوام العافية ، فمصر القوية خطر على إسرائيل ومصرالثائرة التي تحكم بمقتضي إرادة ثورية شعبية هي مصر الأكثر خطرا على إسرائيل . كماأن الأنظمة العربية المرتعشة من خطر الثورة العربية على عروشها ليس من المتصور أن تساعد الثورة على تحقيق أهدافها؛ ولكن لا بد أن تسعي سعيها لإفشال الثورة في تحقيق أهدافها ، ومصر التي تحكم بمقتضي الإرادة الثورية الشعبية الجمعية هي مصر التي سوف تتعري أمامها الأنظمة العربية المجاورة . وثمة قوي داخلية لا يسعدها التناغم و الانسجام بين كل من الجيش والشعب بقدر ما يشقيها وعلى رأسها النخبة العلمانية المصرية خاصة الفئة المتصهينة منها بالإضافة إلى فلول النظام السابق الذي هددنا رأسه بالفوضي على نحو ما نعلم، فمصرالتي تحكم بمقتضي إرادة ثورية شعبية جمعية هي مصر التي لاوجود فيها لا للنخبة العلمانية المتصهينة ولا فلول للنظام . إذن فمصر التي يلتحم جيشها بشعبها وتحكم بمقتضي الإرادة الشعبية الجمعية هي مصر التي تقف في وجه الصهيونية العالمية والمحلية وعلي رأسها إسرائيل ،وهي مصر التي سوف تتعري أمامها بقية الأنظمة العربية المجاورة ، وهي مصر التي تقف في وجه العلمانية الصهيونية الخارجية والداخلية ، وهي مصر التي سوف تسهر على تصفية جيوب النظام المستبد . وعليه فمن واجبات شياطين كل هذه القوي مجتمعة هو شيطنة الثورة المصرية ومن ثم تدمير العلاقةبين الشعب والجيش بتدمير ثفة الشعب بالجيش بتشويه الصورة الذهنية للجيش ورموزه ، وتعطيل الجيش عن تحقيق مطالب الشعب ، وبتحريض الجيش على القوي السياسية ذات الأغلبية الشعبية ، وكل ماسبق يحدث الآن !. خيانة للوعي الوطني ألا ندرك إصرار تلك القوي على شيطنة الثورة ، وخيانة للوعي الوطني أن نتصور أن العدو سوف يعمل على إنجاز مهمته بمبعوث رسمي لشيطنة الثورة يدعي «نتنياهو» أو «توماس ». كما أنها خيانة للوعي الوطني أن نتصور أن العدو لن يعمل على تحقيق أهدافه من خلال محمد وعبد الصمد وجورج وحنا : يأكلون مما نأكل ويشربون مما نشرب وخرجوا من ذات الأرحام التي خرجنا منها ، منهم من يمشي في الأسواق ، ومنهم من يرتاد المراكز البحثية ومنهم من يحرر المقالات الثورية ، ومنهم من يعقد المؤتمرات « التنويرية » ومنهم من يرتدي زيا مدنيا وآخر يرتدي زيا عسكريا ! لذا لزم التنويه والتنيبه ورفع درجة الإدراك والحذر الوطني إلى أعلي مستوياته ؛ فكل القوي المضادة للثورة بلا استثناء لن تعدم بين دهاليز الوطن أيادي وأولياء . محور العلاقة بين الشعب والجيش هو أكثر المحاور حرجا في اللحظة الراهنة وهو محور ثقة متبادلة واستجابة متبادلة للمطالب الثورية المشروعة ، والخطر كل الخطر ألا يتصور الجيش ممثلا في مجلسه العسكري أنه المسئول الأول عن تنفيذ مطالب الثورة الشعبية بالفعالية والكفائة اللازمة مهما تبدت له من «راديكالية » ثورية ، ومن الخطر كل الخطر ألا تتصور القوي السياسية الوطنية أنها المسئول الأول عن غرس الثقة في نفوس الشعب تجاه الجيش مهما تبدت من الأخير «خشونة » عسكرية . وكل من تبدو منه بوادر تحريض لأي قوي من قوي الشعب علي الجيش ( مهما ساق من حيثيات ) أو تحريض الجيش على أي قوي من قوي الشعب (باستثناء المجرمين ) هو علي الأرجح ذراع من أذرع المؤامرة التي ينسجها الشياطين لشيطنة الثورة وتدمير مصر لصالح أعدائها . الحرية هي الحل [email protected] Ashrafawzy.blogspot.com